القتل -غسلا للعار- هو العار نفسه!



جورج منصور
2007 / 7 / 20

بدأت ظاهرة قتل النساء في كردستان بذريعة وتحت مصطلح متخلف لايمت للفعل المدان بصلة, الا وهو مصطلح "غسل العار" تظهر على السطح وتستحوذ على اهتمام الرأي العام المحلي ووسائل الاعلام المختلفة, بعد ان دان رئيس مجلس الوزراء بشدة هذه الظاهرة المقيتة وانتقد بعض المسؤولين الحكوميين لعدم تحملهم مسؤولياتهم تجاهها بالشكل المطلوب ودعى الى اتخاذ التدابير اللازمة والعاجلة للحيولة دون وقوعها وقام بتشكيل لجنة عليا لمتابعة تداعيات القضية واتخاذ السبل اللازمة لعدم تكرارها وانزال العقوبات الرادعة بمقترفيها.

ان هذه الظاهرة التي تقتل من خلالها النفس البشرية عمدا وبدم بارد هي ظاهرة تنم عن الجهل وغياب الوعي بأهمية ودور ووظيفة الإنسان في الحياة الاجتماعية, وهي تعبير عن تخلف حقيقي لدى الرجال الذين يمارسون مثل هذه العادة البالية المتهرئة. إنها التعبيرالواقعي عن أننا ما نزال نعيش في مجتمع ذكوري بحت يفرض القواعد والتقاليد والمعايير التي يرغبها, وبرغم التغيرات الجارية في إقليم كردستان, فأن هذه الظاهرة السلبية الحادة تجسد ضعف الوعي بحقوق الإنسان وحدودها, سواء أكان رجلاً أم امرأة, وأن أي قضية من هذا النوع يفترض أن يحكم بها القضاء وليس الانتقام الشخصي من المرأة بحجة غسل العار. وغالباً ما تكون المرأة بعيدة كل البعد عن ذلك الاتهام الموجه لها من قبل الناس أو أهلها أو من يريد أن يؤذيها. إلا أن الرجل وتحت وطأة الإشاعات السيئة وربما المغرضة والتقاليد البالية والغيرة المفتعلة وغير العقلانية على شرفه, يمارس القتل إزاء زوجته او اخته أو ابنته أو أي امرأة أخرى من اقاربه. ان عملية القتل مدانة من جانب كل الأديان والشرائع السماوية , ومن الاعراف والتقاليد الإنسانية, وأنها لا تحصل في المجتمعات المدنية الديمقراطية.

إن ممارسة هذا الضرب من القتل, وأي نوع آخر, يسيء إلى وجه كردستان المشرق وإلى الإنسان في كردستان ويعيق الجهود الرامية الى انعاش الوضع الديمقراطي في الاقليم وبناء المؤسسات المدنية ويعتبر في الوقت نفسه تدخلاً سافرا في شؤون القضاء.

علينا أن ننتبه إلى أن هناك ظاهرة أخرى مرتبطة بظاهرة القتل بذريعة "غسل العار" , وأعني بها ظاهرة انتحار شابات بعمر الورود لأسباب ترتبط بعوامل عدة, ولكن من بينها الخشية من القتل أو احتمال التعذيب من جانب احد افراد العائلة مثلاً بسبب إشاعة أو وشاية حول ممارسات جنسية أو تبادل الحب البرئ بين هذه الشابة أو تلك مع هذا الشاب أو ذاك. ولا بد من إيجاد حلول عملية لهذه المشكلة التي برزت بشكل ملموس في الفترة الأخيرة, والتي تبدي رئاسة الإقليم ورئاسة الحكومة والبرلمان ومنظمات المجتمع المدني اهتماماً بها, وتؤكد على وجوب التحري عن حلول عملية وسريعة لها.

وتكمن الدوافع العديدة وراء اقتراف مثل هذه الجريمة, برأيي, في قلة الوعي وغياب التنوير الديني والاجتماعي وقلة إلمام الشباب بالمشكلات الاجتماعية وعدم وجود رادع شديد يحسب له الرجل الذي يقدم على ممارسة قتل إنسان آخر لمجرد الشك به, وكذلك واقع المجتمع الذكوري الذي نعيش فيه والنظرة الدونية التي ما تزال عالقة في أذهان الكثيرين من الرجال إزاء المرأة واعتبارها سلعة تشترى وتباع ويمكن التخلص منها متى ما شاء هذا الرجل أو ذاك. كما أن هناك نقص حقيقي في التوعية والوعي والتنوير الديني والاجتماعي بحيث يدرك الرجل بأن ليس من حقه التجاوز على حق الحياة للمرأة أو لأي إنسان آخر. وليس من حق أي إنسان سلب حياة الآخر, إذ أن هناك قوانين وسلطة وأجهزة قضائية هي المسؤولة أولاً وأخيراً عن اتخاذ القرار المناسب بشأن المخالفات الجنسية أو الا غتصاب أو التجاوز على شرف البنات ...الخ.

وفي الوقت الذي تتحمل حكومة الاقليم مسؤولية اصدار القوانين الرادعة والصارمة في هذا المجال وتحملها مسؤولية تنشئة الاجيال على مبادئ واسس المجتمع المدني وحقوق الانسان, تقع في الوقت نفسه على عاتق المؤسسات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني والطليعة المثقفة والواعية مهمة المشاركة الفعالة والحيوية والمسؤولة في انجاز هذه المهمة الكبيرة من خلال بث الوعي المدني والحقوقي وكذلك من خلال مناهج واساليب التربية والتعليم والتدريس في مختلف المراحل التعليمية وفي مؤسسات الاقليم والقطاع الخاص. كما يجب ان تلعب المؤسسات الدينية دورا ايجابيا ومسؤولا في عملية التنوير الديني والا جتماعي والحقوقي في آن واحد.

إننا نعيش في إقليم له قوانينه وقواعده وعلى الجميع احترامها ومن يتجاوز عليها يفترض أن يعاقب بأشد العقوبات التي تسمح بها القوانين, وبالتالي فإذا ما طبقت تلك القوانين بحزم وصرامة ومسؤولية من جانب القضاء, سنجد أن هؤلاء الرجال الذين يتجاوزون على حق الحياة لغيرهم , سيفكرون ألف مرة ومرة قبل أن يقدموا على قتل امرأة تحت ذريعة "غسل العار", أنهم بفعلة القتل يكرسون واقع حصول تجاوز على الشرف وليس العكس, وهو ما يفترض أن يفهموه ويتجنبوه ويتركوا للقضاء أمر التصرف الحكيم.

إن مجتمعنا الكردستاني الذي مر في ظروف شاذة على مدى عقود من السيطرة الاستبدادية والقمعية والعنف والقسوة, بخاصة في فترة النظام الدكتاتوري والعنصري الخبيث, قد تركت بصماتها الثقيلة على المجتمع وعاداته وتقاليده, كما شوهت الكثير من القيم الإنسانية والعقلانية التي يفترض التثقيف بها في كردستان. إن الا نفتاح على المرأة اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً ودخولها معترك الحياة السياسية من أوسع أبوابها وكذلك مشاركتها في العمل الإداري والسياسي والاجتماعي والثقافي والفني والأدبي ستمنح المرأة قدرة فعلية ووعي وثقة بالنفس تستطيع من خلالها فرض حريتها وكرامتها وحقها في الحياة أسوة بالرجل رغم التحديات. وهي مسألة يفترض أن تنهض بها ثلاث جهات أساسية, وهي:
1- الحكومة والبرلمان, سواء عبر إعداد القوانين من جانب الحكومة وإصدارها من جانب البرلمان, أم بممارسة سياسة فعالة في هذا الصدد. وهذا ما تعتمده الآن حكومة الإقليم فعلياً ويفترض تطويره وتكثيفه وتوسيع قاعدته في الفترة القادمة.
2- المدرسة والمعهد والجامعة والمؤسسات الأخرى وأجهزة الإعلام من خلال عملية تثقيف واسعة وكثيفة وعملية. ولا بد من إيجاد فرص مهمة للترفيه عن الإنسان , رجلاً كان أم امرأة, وخاصة الشباب منهم, كالنوادي الثقافية والمسارح ودور السينما والنوادي الرياضية التي يجد الشباب, الإناث والذكور , فرصة للتعارف والتفاهم والثقة المتبادلة بين الأفراد وعدم الشعور بالغربة والاغتراب بين الجنسين.
3- قيام منظمات المجتمع المدني, بخاصة المنظمات النسوية ومنظمات حقوق الإنسان وبقية منظمات المجتمع المدني, بعقد الندوات وإدارة الحوار العلني الواسع في أوساط المجتمع وبين مختلف الفئات الاجتماعية وفي داخل الحلقات الأسرية وتكثيف عملية النشر الواسع للمواثيق والاعراف الدولية التي تؤكد على حقوق المرأة و مساواتها بالرجل ...الخ.

إن التقاليد والعادات والأعراف الاجتماعية البالية لا تختفي بسرعة من حياة المجتمع, بل تستوجب اضافة الى حملة توعية واسعة واصدار القوانين الرادعة, نهضة صناعية وزراعية في الإقليم تبنى على اساسها القاعدة المادية الأمتن للمجتمع المدني الديمقراطي المنشود. وعلى عاتقنا جميعاً , حكومة وشعباً ومؤسسات , تقع مسؤولية ذلك ومسؤولية التثقيف والتنوير أيضاً.
* وزير الاقليم لشؤون المجتمع المدني