انهم يبغون تحويل القتل ب-البلوك- الى -ثقافة المجتمع- في كردستان؟!



فارس محمود
2007 / 8 / 17

في مدينة خانقين، قتلت فتاة بعمر الزهور اسمها سارا، 11عام، بابشع الطرق من قبل زوج امها وامها، طريقة لم يألفها المجتمع سواء في كردستان او العراق قط. اذ بعد قتلها بمايسمى باللهجة العراقية الدارجة (البلوك)، وهي كتل اسمنتيه كبيرة تستخدم كحجر بناء، قاما باحراق جثتها. من الواضح ان هذا دليل على ان ليس للبربرية حدود. من الواضح اننا امام "ثقافة" جديدة تنسل وبقوة الى مجتمع يتفسخ وينهار، انها "ثقافة" القتل بالبلوك. اذ بعد دعاء، يجرب هذا "السلاح" اليوم بحق طفلة عمرها لايزيد عن 11 عام. فيالبؤس هذه "الثقافة" وانحطاطها.
ينعقد لسان الانسان فعلاً امام حالات مثل هذه. لايعرف ماذا يقول!! ان مشاعر السخط، الغضب والجزع في الوقت ذاته تنخر عظامك. أ من المعقول ان يبلغ الانسان هذه الدرجة من الوحشية؟!! وامام ماذا؟! امام طفلة بريئة لاذنب لها في كل مايجري في عالكما هذا، ليس هذا وحسب، حتى انها ليست مسؤولة عن مجيئها لدنيا التوحش والظلام هذه.

اي مجتمع هذا عديم الرحمة، لايصرخ بوجه الجناة، لاينتفض لفعلتهم الجبانة والدنيئة هذه، لايهب لنجدة الطفولة والانسانية، لايهب للدفاع عن انسانيته.

من المسؤول؟!
السلطة الحاكمة في كردستان العراق هي الطرف المسؤول عن استمرار مسلسل العنف بحق الاطفال والنساء. انها سلطة مليشياتية، سلطة القتل والجريمة المنظمة، سلطة الفساد بابشع اشكاله واكثرها قذارة، سلطة الاثراء المتعاظم والنهب المستشري على حساب رزوح الاغلبية تحت وطأة الجوع والفقر والعوز والبطالة. سلطة لاتمت بادنى صلة بالطفولة وحمايتها من تطاولات المجتمع. انها، وبتغذيه الافكار والعقائد العشائرية والمتخلفة والبالية وذلك لمقتضيات مصالحها السياسية الضيقة المتمثلة بالسلطة والحكم، تفتح الابواب على اوسع مداها لاستمرار هذه الممارسات القرووسطية التي تقف بصورة مباشرة حائلاً امام حماية الطفولة والانسانية عموماً. انها مسؤولة جراء عدم وضعها مسالة حماية الطفولة كامر على جدول اعمالها السياسي-الاجتماعي، عدم سن القوانين التي تردع اي انتهاك وتطاول على الطفولة، ناهيك عن الجريمة بحقها.

الادهى من هذا، وتاكيدا على رجعيتها اللامتناهية، دعمت الحل العشائري المتمثل بالفدية والدية والصلح العشائري وغيرها!! لقد سرقوا حياة طفلة لاتعوض باموال الدنيا كلها. لم يكن حادث سير حتى من الممكن الحديث عن تعويض. بيد انه كان عمل متوحش عديم الانسانية. ليس بوسع الف وصف ووصف ان يصف بعمق وبدقة مدى بربرية هذا العمل الموغل في البشاعة. ان سبيل الحل هذا يعني ان بوسع الذي يدفع ان يقتل!! تستطيع ان تقتل طالما تستطيع الدفع. ان سبيل الحل هذا يدلل بعمق عدم ارتباط هذه السلطة المليشياتية باي معايير وقيم انسانية واخلاقية رغم تشدقاتها الكاذبة حول حقوق الانسان والديمقراطية وغيرها من ترهات.

ان مجتمع كردستان اكثر تمدنا بكثير من احزابه وسلطته المليشياتية. ان البنى السياسية والفكرية للفئة الحاكمة واحزابها السياسية القومية بكل ماكنتهم الاعلامية والثقافية هي متخلفة باشواط عن مجتمع مدني ومتحضر ومرتبط بالف صلة وصلة بالعالم المتمدن. لكن لماذا تصر السلطة المليشياتية القومية الحاكمة على التشبث بالنزعات العشائرية واحياء الروح العشائرية ونفخ الروح فيها. ان لها مصلحة في ذلك، مصلحة ترتبط بسلطتها. انها تجعل من العشائرية احد عكازاتها الاساسية في التحكم والهيمنة والبقاء على راس السلطة. من جهة اخرى، ان احياء العشائرية، بالنسبة لحفنة مشايخ طفيليين، ذات مردود مهم من حيث الثروة والسلطة والهيبة والمكانة في المجتمع. انهما يستفادان من بعض. طفيليان يعتاشان على بعض.

ان من يدفع ضريبة ذلك هو اناس مثل سارا ودعاء وعشرات الفتيات والاطفال والنساء اللائي يقتلن او ينتحرن يومياً! لقد تحولت كردستان الى مسلخ للنساء والاطفال بكل ما لكلمة مسلخ من معنى خلال سنوات تحكم سلطة مليشيات الاحزاب القومية الكردية. يجب كنس هذه البربرية من المجتمع. يجب محاسبة الجناة، يجب ان ينالوا جزائهم العادل. يجب ممارسة شتى اوضاع الضغط على هذه السلطة الحاكمة واجبارها على الرضوخ للمطاليب الواقعية بايجاد اوضاع اكثر امناً للنساء والاطفال وسن القوانين التي تصون حقوقهما.

ولكن ان كان هذا وضع المليشيات والاحزاب القومية الحاكمة في كردستان، ماهي مسؤوليات قوى التحرر والمدنية، وفي مقدمتهم الشيوعيون؟! ان جبهة التمدن والتحرر والمساواة عظيمة في المجتمع. يجب توحيد صفها. يجب ان تقتدر. القوة لاتحبط الا بالقوة. يجب التحول الى قوة. ان بوسع ذلك فقط ان يحول دون ان يجرأ احد على التفكير بالتطاول على سارا ودعاء. سارا ودعاء رحلتا وللاسف. ماذا بشان السارات والدعاءات الاخريات؟! اعليهن ان ينتظرن دورهم وساعة ان تطالهم الايادي العديمة الرحمة للعشائريين والاسلاميين ودعاة النزعة الرجولية؟! ان هذا امر غير مقبول اطلاقاً.

يجب الوقوف بوجه جعل "القتل بالبلوك" الى جزء من ثقافة هذا المجتمع. ان لم نقف بوجه هذا اليوم، ونفرض التراجع عليهم، سيتحدثون غدا على ان "القتل بالبلوك" هي جزء قديم ومتاصل (!!) من ثقافة المجتمع، انه ليس امرا غريباً، ويفرضوا شيء غير موجود في كل تاريخ المجتمع في كردستان العراق على انه من البنية المتجذرة للثقافة الكردية والعراقية!! زد على ذلك، ان ياتي صحفي سويدي او امريكي درجة رابعة ومستجد في الخدمة ويبحث عن تامين لقمة عيش شريفة بعمل غير شريف ويصوع النظريات والافكار بمقالات حول "الجذور التاريخية لثقافة وتقليد القتل بالبلوك وغيرها"! وعندها نحتاج الى مضاعفة النضال لا من اجل ايقاف هذه البربرية المنفلتة العقال، بل الى محو هذا التصوير من اذهان البشرية المندهشة التي تصوغ اذهانهم صحافة وميديا عديمة الضمير والانسانية.