ألمرأة الكردستانية.. نضال متفان من اجل التحرر..



جورج منصور
2007 / 11 / 2

كانت المرأة الكردستانية ولم تزل تمثل العصب المهم وشريان الحياة الأساسي في المجتمع الكردستاني. وقد تحملت خلال العقود المنصرمة من تاريخ الدولة العراقية الحديثة, الكثير من المصاعب وواجهت الكثير من المحن والكوارث المريرة, وفقدت الكثير من حقوقها وحريتها, وحتى جرى التجاوز على كرامتها احيانا, في مواجهة اعداء شرسين لعبوا دورا قذرا في جعل حياتها جحيماً لايطاق, سواء بصورة مباشرة أو بسبب ما عاناه زوجها أو والدها أو اخيها أو ابنها من اضطهاد وظلم وتشريد وقتل.
وبمجرد المرور السريع على حياة شعب كردستان منذ الثلاثينات والاربعينات أو الخمسينات وقبل سقوط النظام الملكي, سنجد ان المرأة تعرضت, كما الرجل, الى جرائم القصف الجوي والحملات العسكرية على القرى والمدن وإلى الاعتقالات والسجن والتعذيب. وقد قاومت المرأة النظام الملكي وشاركت في الحياة السياسية وقامت بالتظاهرت ولعبت دورا مهما في نضال الرجل والى جانبه في المعركة من اجل الحرية والديمقراطية والحقوق القومية وحقوق المرأة والمساواة والسيادة الوطنية.
وفي اعقاب ثورة تموز 1958 حصلت المرأة الكردستانية على بعض الحقوق, كما المرأة في الجزء العربي من العراق, وكان من ابرزها قانون الاحوال الشخصية. ونتيجة لذلك نشأت بعض الظروف التي ساهمت في تحسين اوضاع ومكانة ودور المرأة العراقية عموما والمرأة الكردستانية بشكل خاص.
ولكن سرعان ما تبخرت تلك الحقوق نتيجة لانقلاب شباط 1963 وما تمخض عن ذلك من قهر وتعذيب على ايدي الانقلابيين العرب الشوفينيين. ولكن ابشع ما عانته المرأة كان في ظل الحكم البعثي الجديد وخاصة في معايشتها بشاعة الحروب التي شنها النظام وقبلها المؤامرة التي احاكها في عام 1975 على الحركة التحررية الكردية والنضال الكردستاني اثر توقيعه على اتفاقية الجزائر مع شاه ايران. وقد اجبرت الكثير من العائلات الكردية على الهحرة إلى إيران أو العيش في المجمعات القسرية وفرض الرقابة الأمنية والعسكرية على سكان هذه المجمعات والمجتمع الكردستاني بشكل عام.
ثم توالت المصاعب والمصائب باندلاع الحرب العراقية الإيرانية, التي افقدت المرأة الكردستانية الكثير من الحقوق وأجبرت العائلات على العيش في المجمعات السكنية والتهجير القسري في بعض المدن الكردستانية ومنها كركوك وخانقين وبعض نواحي وقرى محافظة ديالي. كما قتل الكثير من الرجال الكردستانيين في تلك الحرب التي دامت طوال ثماني سنوات مريرة. وقبل نهاية الحرب العراقية - إلإيرانية شن البعثيون الفاشيون حملتهم الظالمة في إطار عمليات الأنفال ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية واستخدام السلاح الكيماوي في حلبجة وغرها, فكانت المرأة الكردستانية , ضحية هذا الظلم والدكتاتورية المقيتة. ولاقت النسوة, مثل الرجال, التهجير والتشريد والقتل والدفن الجماعي مع أطفالهن أو مع أزواجهن وأبائهن وأخوتهن ...الخ. وكانت تلك الجرائم بشعة حقاً يندى لها جبين البشرية بالعار, حيث لم يتحرك المجتمع الدولي والرأي العام العالمي لإدانتها. ثم جاءت الهجرة المليونية صوب الأراضي التركية في أعقاب ضرب الانتفاضة الشعبية التي تفجرت ضد النظام الدكتاتوي الدموي بعد هزيمته في حرب الخليج الثانية اثناء تحريرالكويت من دنس المحتلين الصداميين.
وكانت المصائب كبيرة حقاً على المرأة حين أجبرت على العيش في اوضاع قاسية وعانت الأمرين في سبيل البقاء على قيد الحياة والنضال من أجل أبنائها وأخوتها.. وكيان عائلتها ومجتمعها.
ومنذ أن تخلصت كردستان من ظلم الحكم المركزي البيروقراطي الدكتاتوري في بغداد واستطاعت قوى حركة التحرر الكردستانية أخذ زمام الحكم في كردستان العراق , توفرت شروطاً أفضل للنهوض بدور المرأة الكردستانية في الحياة العامة والمنظمات غير الحكومية وفي مؤسسات الإقليم والدولة العراقية. فنجدها اليوم عضواً في المجلسين النيابيين الكردستاني والعراقي وفي الحكومتين الإقليمية والفيدرالية وفي دوائر الدولة وفي المنظمات المهنية وفي سلك التعليم بمختلف مراحله.
إلا أن هذا الدورالذي تلعبه لم يزل محدوداً وبعيداً عن الواقع للاسباب التالية:
1. إنها تشكل أكثرية سكانية في المجتمع الكردستاني والعراقي.
2. أنها ناضلت إلى جانب الرجل وتحملت الكثير من أجل حرية وحقوق الشعب الكردي والقوميات الأخرى والشعب العراقي عموماً.
3. أن إمكانياتها قد تنوعت وقدراتها قد تطورت خلال السنوات العشرين الأخيرة على أقل تقدير, رغم كل المصاعب التي واجهتها.
4. أن الدور المناط بها لا يتناغم مع حاجة الرجل إلى دور المرأة الفاعل لتعيد التوازن المطلوب بين الرجل والمرأة في المجتمع الكردستاني والعراقي , ولكي تقلل من ذكورية هذا المجتمع وخشونته.
5. إضافة الى أن هذا الدور لا ينسجم مع التحولات الجارية ولا مع العهد الدولي وقوانين ولوائح حقوق الإنسان الإقليمية والدولية.

ولهذا يفترض أن تلعب المرأة دوراً أكبر في الحياة الجديدة وفي المؤسسات الحكومية والفيدرالية في إقليم كردستان العراق وعلى الصعيد العراقي.
واليوم علينا أن نكون شفافين في مواجهة حقيقة أخرى هي أن بعض قوى المجتمع الذكوري يحاول أن يرفض حقوق المرأة وحريتها ومساواتها بالرجل , وبالتالي يحاول أن يدفع بها إلى الصف الخلفي أو أن يضعف حريتها من خلال الادعاء بـ "غسل العار" و "تطهير الشرف". فالمعلومات المتوفرة تشير إلى تنامي ظاهرة قتل النساء في سائر أرجاء العراق’ بما في ذلك إقليم كردستان. وهي ظاهرة خطيرة ينبغي التعجيل بوضع حدٍ لها.
ولهذا لا بد من تعاون بين المرأة والرجل لمواجهة هذه الظاهرة الاجتماعية الجديدة القديمة من خلال عدة إجراءات, يمكن تلخيصها بالتالي:
1. تكثيف العمل من أجل إعادة بناء الإنسان الكردستاني وتثقيفه وفق الأسس المدنية للحياة الجديدة المنشودة لكردستان.
2. العمل من أجل نشر التنوير الديني والاجتماعي في أوساط المجتمع الكرستاني.
3. تنشيط دور منظمات المجتمع المدني في عملية مكافحة الآفات الاجتماعية القديمة والعادات والتقاليد البالية التي تتناقض مع تعاليم الأديان السماوية ولوائح حقوق الإنسان الدولية وحقوق المرأة ومفاهيم الحرية الفردية وحرية المجتمع وأسس التحول صوب المجتمع المدني الديمقراطي الحديث الذي تسعى من حيث المبدأ حكومة إقليم كردستان إلى إقامته.
4. تشديد القوانين التي ترفض وتمنع وتعاقب من يرتكب جرائم ما يسمى بـ "غسل العار وتطهير الشرف" وإنزال أقسى العقوبات لكل من يتجاوز على حياة إنسان آخر مهما كان السبب.

لقد أصبحت هذه الظاهرة تعكس ليس فقط تخلفاً للمجتمع الكردستاني , الذي يسعى لبناء حياة جديدة وديمقراطية, بل انها تشكل إساءة كبيرة لسمعة إقليم كردستان لدى المجتمع الدولي والرأي العام العالمي وفي محافل الإعلام الاقليمي والدولي. إذ بدأت وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية تكتب عن هذه الظاهرة منددة بها وموجهة أصابع الاتهام لمن يغض النظرأو يسكت عنها.
إن حكومة إقليم كردستان التي ترفض هذه الظاهرة وتدينها بحزم وصرامة, وكذلك المجلس النيابي ورئاسة الإقليم , تعمل على اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لوضع حدٍ لها ومعاقبة ممارسيها والمروجين لها. كما انها تدعو إلى تظافر جهود الحكومة والمؤسسات التشريعية والقضائية والمجتمع ومنظمات المجتمع المدني للتصدي لها وفضحها وتصفيتها وحماية أرواح النساء.
وقد أصدر رئيس حكومة إقليم كردستان قراراً بتشكيل لجنة عليا على المستوى الوزاري لمواجهة هذه الظاهرة ووضع الحلول العملية والناجعة لها. وقد بدأت هذه اللجنة الوزارية بالعمل على مستوى محافظات الإقليم مستندة إلى شعار "لا أحد يعلو فوق القانون".
* وزير الاقليم لشؤون المجتمع المدني