بريئة من ذنبها!!!



حميد طولست
2008 / 9 / 7

في زمن الجاهلية الغابرة عندما كان يبشر أحد بالأنثى يبحث عن بقطعة ارض يواريها تحتها قبل أن تجلب له العار أو الفضيحة، كان الجهل والإجرام يصل بهم حد دفنها وهي حية... فنزلت فيهم هذه الآية الكريمة الكريمة (وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت) صدق الله العظيم. وبعد أن جاء دين الرحمة دين الإسلام تلاشت تلك العادات المجحفة ودار الزمان حتى وصلنا إلى زماننا هذا الذي ذكره الرسول الأعظم محمد عليه الصلاة والسلام «سيأتي يوم يكون القابض فيه على دينه كالقابض على جمرة» صدق رسول الله الكريم. لكن الحنين العارم إلى الجهالة الجهلاء، أيام الظلم البشع، والإجرام الشنيع، عاود الكثير من الناس وباسم الصحوة هذه المرة- فصار وأد الإناث له وجه آخر، غير الذي كان في ذلك الزمان حيث كانوا يوارون الجسد عند ولادته ويزهقون الروح، ولكن الآن يزهقون الروح ويهيم الجسد في هذه الدنيا يتخبط بلا روح، بين بشاعة قرار أب ظالم وظلم زوج جائر!!!.
فرغم دخولنا عصر العولمة الإعلامية من أوسع أبوابه وانكشاف أمر الكثير من الخرافات، لا يزال هناك الكثير من الآباء تحت تأثير سطوة الخرافات، ولعل أكثرها تحكما والتي ما زال الكثير يصدقها ويروج لها أكذوبة " الشرف" و كون الأنثى مصدر العار وأنها عبء ثقيل على كواهل الآباء والرجال عامة، لذلك يعمدون إلى تزويجها وهي ربما مازالت طفلة تلعب في ساحة المنزل، فقد قرأت وسمعت قصصا عن آباء منعوا بناتهم عن الدراسة ليزوجوهن في عمر التسع سنوات، وما قصة الطفلة الطفل السعودية إلا مثال حي على ذلك في القرن الواحد والعشرين!!! أيعقل أن طفلة ذات تسعة أعوام تتزوج من رجل يكبرها بسنين وتُجبر أن تعامل كزوجة كاملة النصج !!!... يزوجون بناتهم و لم يبلغن الخمسة عشر ربيعا لرجال في الستين وأكثر لأنهم ذوو مال وثراء... الاسم زواج وفي حقيقته صفقة بيع وشراء في سوق نخاسة رائج باسم الشرف والستر والحفاظ على المرأة من الخطيئة، سوق فيه البائع والد تجرد من أبوته والمشتري تاجر عبيد اختار أن يغتصب نقاء طفولة بوسخ الدنيا سعيا وراء متعة تخلو من أية مشاعر إنسانية؛ ويا ويل من رفضت الإذعان أو تمردت ضد قرارات الأهل الجائرة، فمصيرها لن يقل عن المراهقات الثلاث الباكستانيات التي اقتصت منهن مؤخرا إحدى القبائل الباكستانية لمجرد محاولتهن اختيار شركاء حياتهن بعيداً عن التقاليد، بالدفن أحياء، حفاظا على الشرف... فما عذر هؤلاء الآباء ؟ وما دنب هته الأرواح البريئة؟؟ قذ يتحجج بعضهم بسوء الحال وقلة الحيلة وكثرة المسئوليات ولكن كيف نسي هؤلاء أن أعظم مسئولياتهم أن يرووا أبناءهم بالحنان وأن يطعموهم العطف وأن يلبسوهم رداء الكرامة قبل المأكل والمشرب.
لم يختلف الأمرمنذ ذلك الزمان وهذا الأوان فقد كان ومازال ذنب هذه الروح أنها أنثى وهي تحاول أن تصرخ بصوت يمزق جدار صمتها بأنها بريئة من ذنبها!! لقد تحول العنف ضد المرأة إلى ظاهرة عالمية مثيرة للشجون والآلام، و اتخذ الكثير من الأشكال والمسميات، يمارس ضدها بأساليب وأشكال مختلفة ولا يقتصر على ثقافة شعب أو قومية أو إقليم واحد، بل نجده شائعاً بقاع كثيرة من العالم،
مما جعل التقارير الأخيرة للأمم المتحدة تؤكد على أن ظاهرة العنف ضد المرأة، تشكل واحداً من أسوأ التجاوزات على حقوقها، حيث ينطلق من نظرة دونية أساسا إلى جنس المرأة ، ويستهدف إلحاق الأذى بجسدها ، ووضعها النفسي والعصبي و العقلي ، وهو كذلك تعبيرعن الاستخفاف بها و بقدراتها وطاقاتها العقلية كإنسان .
و بالرغم من وجود مواثيق عالمية لمناهضة كافة أشكال هذا العنف وإدانة الوثائق الدولية والإقليمية والكثير من الوثائق المحلية للدول لهذه الظاهرة المقيتة، إلا أنها آخذة في الانتشار والتوسع اللامحدود الذي يؤكد ضعف الوعي بمضمون حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص، ومضمون الحضارة المعاصرة ونضال البشرية الطويل من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة ونبذ العنف عموماً، وفي مقدمته العنف ضد المرأة الذي ‬ينطلق من اعتقاد المرء بأن الفئة التي‮ ‬ينتمي‮ ‬إليها ‬ ‮ ‬أسمى ‮ ‬فكرياً‮ً وأرفع دينياً من بقية الفئات الأخرى والتي‮ ‬هي،‮ ‬بالنتيجة،‮ ‬أحط من تلك التي‮ ‬ينتمي‮ ‬إليها هو‮.‬ لذلك فإن المتعصب‮ ‬يميل إلى إلحاق الضرر بالغير ممن‮ ‬يشعر تجاههم بالحقد أو الحسد أو الاحتقار وعلى رأسهم المرأة‮.‬ والتعصب هنا ليس جرعةً‮ ‬زائدةً‮ ‬من التدين، كما يدعي المتطرفون،‮ ‬بقدر ما هو موقف فكري‮ ‬وسياسي‮ ‬مبني‮ ‬على تعبئة نفسية خاطئة كونها لا تخاطب عقل الإنسان ووعيه،‮ ‬وتدفعه إلى التصادم والمواجهة ليس مع المرأة وحدها،‮ ‬وإنما مع المجتمع برمته،‮ ‬من الموقع الذي‮ ‬أسماه أحد الكتاب‮ »‬الاستعلاء بالإيمان‮« ‬الذي‮ ‬يفترض أن صاحبه أكثر إيماناً‮ ‬من النساء،‮ ‬وأنه وحده على حق فيما هن على خطأ وضلال‮.‬ ومن طبيعة المتعصب أن‮ ‬يكون‮ ‬غير موضوعي،‮ ‬فهو‮ ‬يعالج القضايا المعقدة بالتبسيط وبالشعار والهتاف،‮ ‬ولا‮ ‬يرى سوى وجها واحدا من الدائرة،‮ ‬و شجرة واحدة من الغابة‮.‬
فما حدث قبل أيام للمراهقات الباكستانيات الثلاث، وقبلها بشهور ببلاد عربية مسلمة، للطفلة نجود، لهو أحد النماذج الحية للتخلف الثقافي والاجتماعي الذي سيطر على قطاع كبير من العرب والمسلمين بسبب الموروث الثقافي والتفكيري المؤثر في سلوكيات وعادات وتقاليد المجتمعات، ومظهر من مظاهر العنف البشع الذي‮ ‬يمارسه المجتمع على أفراده،‮ ‬حيث‮ ‬يتخذ أشكالاً‮ ‬رمزيةً‮ ‬مهذبةً‮ ‬في‮ ‬الظاهر،"كالزواج المبكر"‮ ‬لكنها تنطوي‮ ‬في‮ ‬داخلها على شحنات مدمرة من العنف الكامن، فما حدث هذه الأيام قد فاق ما ادعوه على السيدة عائشة رضي الله عنها، حيث أجبر أحد الرجال طفلته في سن الثامنة من عمرها على الزواج بمن يكبرها بعشرات السنين. فالدعوة إلى العدل والاعتدال في التعامل مع هذا الكائن الرقيق ليست مجرد دعوة أخلاقية في‮ ‬ظرفنا الراهن،‮ و‬إنما هي‮ ‬واجب على عاتق الجميع مهما تعددت التلاوين الفكرية واختلفت الإديولوجات المذهبية لمواجهة الهاوية التي‮ ‬يندفع إليها مجتمعنا و ينزلق بجنون إلى سراديبها المظلمة والمسدودة‮.
وللخروج مما نحن فيه من حالة تشظ، ولا مبالاة غير مسبوقة لكثير من أوجاعنا الانسانية المريرة المتحالفة مع الجهل و الجهالة لرسم صورة خاطئة لحقيقة الدين الإسلامي الصحيح، المتناقضة مع روحه وغايته ؛ لا بد من التصدي لكل من يريد بنسائنا عنفا وبديننا تشويهان، ولنا في تصرف المحامي المغربي مراد بكوري خير مثال وقدوة، حيث أقام دعوى (حسب جريدة هسبرس) بحق الشيخ محمد بن عبد الرحمن المغراوي رئيس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة والذي كان قد أصدر يوم 12 غشت 2008 فتوى رقم 371 يجيز فيها نكاح الفتيات في سن 9 سنوات. وأضاف المحامي "أن ما يدعي إليه المدعو يعتبر إخلالا بمقتضيات مدونة الأسرة ودعوة صريحة إلى التحريض على الإضرار بالقاصرين دون الثامنة عشرة مع ما يمكن أن يترتب عن ذلك من جرائم اغتصاب في حق أطفال أبرياء, كما يعد مسا خطيرا بأبسط حقوق الإنسان عامة وحقوق الطفل خاصة, ناهيك عن تشويه سمعة الإسلام بمثل هذه الترهات".

‬ حميد طولست [email protected]