المرأة والانجاب



فلورنس غزلان
2009 / 4 / 21

ارتبطت أنوثة المرأة على مر العصور بالتكاثر وبقدرتها على منح حياة أخرى وتقديم وريث للزوج
وبقدر ما كانت" ولودا" بقدر ما حافظت على مكانتها ودورها في الأسرة والمجتمع، وإن انحسرت عنها هذه الصفة أو منعتها الطبيعة من حقها في الإنجاب وقدرتها عليها ، فهذا يعني أن اسماً جديدا سيلتصق بها طيلة حياتها" عاقر"..وتصبح عبارة عن قطعة خردة لا قيمة لها لا في الدار ولا في القرار، يهملها الأهل قبل المجتمع ، وإن نظروا إليها فلا تخلو نظراتهم من الشفقة والتحسر، لأن نقيصة جديدة أضيفت إلى ما تحمله من نقائص كونها إمراة!...وكي لا ننسى أنها:" ناقصة عقل ودين"، وأنها أكثر دونية من الرجل وأقل منه مرتبة بقدر ماهو أعلى منها بدرجات "، وأنها "ضلع أعوج لو ذهبت لتقويمه لكسرته، وما عليك أيها الرجل إلا أن تتمتع بها على عوج "!!..
إذن يمكنه أن يتمتع بها رغم أنها عاقر! ..ويمكنها أن تمنح الحب رغم عدم قدرتها على الإنجاب
لكن السؤال الهام ، والذي لا نراه في مجتمعاتنا العوجاء ولا في فكرنا الناقص للكثير والكثير من التصويب والتعديل في المفاهيم والمواقف الحياتية ، التي تتطلبها حياة الشعوب لتكتمل وتنجو من انحطاطها المستمر نحو حفر التيه والظلام والعودة إلى عصور الحجر والارتباط بنصوص الماضي وتقديسها وإعادتها لحياة لا تجد فيها نفسها بل موتها لأنها مجرد صورة لمومياء.
لماذا لا نسمي الرجل الذي لا يقدر على الإنجاب بأنه " عاقر"؟ ولماذا لا تختلف نظرة المجتمع إليه ولا يفقد من رجولته شيئاً، ولا ينظر له كحامل لنقيصة؟!..وكم من الأزواج الذين سعوا للزواج بثانية وثالثة لاعتقادهم بأن فحولتهم غير مشكوك بها والعقر لا يأتي من الرجل والنقيصة مترافقة على الدوام ومتلازمة مع المرأة؟!، ولم تتنبه مجتمعاتنا المتخلفة إلى أن الرجل يمكنه أن يكون عاقراً، إلا بعد أن بدأ العلم ومفهوم الصحة المتقدم والمتطور يأخذ طريقه لحياتنا ويغير بعض الشيء من نظرات هذه المجتمعات لامكانية وجود الضعف والمرض عند الرجل أيضاً، وهذا الضعف ، إن طال الرجل أم المرأة فلا يمكننا أن نعتبره نقيصة لأي منهما، فما علاقة الأنوثة بالإنجاب؟ وماذا تفقد المرأة من جمالها وأنوثتها إن لم تنجب؟ وهل هي مجرد رحم ووعاء للإنجاب والتفريخ؟ ..هل هي دجاجة ونعجة أم إنسان ؟
ثم لماذا تفرض المجتمعات عموماً على المرأة أن تحتمل حرمانها من الأمومة لو كان الضعف من الرجل وعليها أن تعيش معه طيلة حياتها محرومة من حقها ..هذا إن شاءت ورغبت في أن تكون أماً ــ لأن الأمومة حق ورغبة ومسؤولية ولا يجب أن نقوم بها إن لم نكن مؤهلين عقلياً ونفسياً وجسدياً وبالتالي جنسياً ، والأبوة أيضا تحمل الكثير من الشروط الواجب توافرها، فليس كل رجل يمكن أن يكون أباً صالحاً، وليس كل من أنجب يستحق الانجاب والأبوة أو الأمومة، وإلا لما عاش الكثير من الأبناء آلاما وتعاملا قاسيا من أقرب الناس إليهم، وتحفل حياتنا وصحفنا ، التي لا تنشر إلا النذر اليسير مقارنة بما تنشره صحف الدول الأخرى ووسائط إعلامها، بالكثير من المآسي والروايات التي تكشف عن بعض من معاناة الأبناء وتعاستهم وسوء معاملتهم من أمهات وآباء أنجبوهم دون أن يكونوا جاهزين ومستعدين لاستقبال مسؤولية الأمومة والأبوة.
ثم لماذا يلجأ الرجل أو المرأة المقتدرة عندما تحرم الطبيعة أحدهما من الإنجاب ، إلى البحث عن وسائل أخرى للحصول على ولد؟ وخير الأمثلة ..التبني غالبا ولا يستطيعه سوى من يملك المال، أو استئجار الأرحام أو بطون النساء الفقيرات، فعملية التبني في المجتمعات المتطورة عملية معقدة وتحتاج للوقت والمال والكثير من الصبر والانتظار، ناهيك عن استحالة أي أسرة فقيرة الحصول على ولد بالتبني او باستئجار رحم لامرأة ما، ويقتصر الأمر في هذا المنحى على الأسر الغنية المقتدرة والمحرومة من الانجاب من أحد الطرفين المتمسكين ببعضهما ويرغبان بالحصول على طفل، فإما أن يسافرا نحو دول الفقر والعوز في آسيا وإفريقيا أو أمريكا اللاتينية، حيث إمكانية الحصول على ضالتهما متوفرة بنسبة أكبر، وقد سمعنا وقرأنا عبر الوسائل الإعلامية عن محاولة تبني" مادونا لطفل إفريقي، وعن تبني أنجيلا جوني وزوجها براد بيت ، أو نيكول كيدمان وزوجها السابق توم كروز...الخ" وبالطبع يحصل الولد أو البنت المختارة لتعيش مع عائلة كهذه العائلات على قدر كبير من الحظ، ربما يضمن له أو لها مستقبلا ناجحا وحياة مرفهة، لكن كم من الأطفال الفقراء يمكن انقاذهم بهذه الطريقة؟ وكم من الأرحام النسائية تستخدم وتستأجر كوعاء لمن يدفع أكثر؟
نؤكد أنه يحق لمن لا يستطيع انجاب طفل، أن يلجأ للأنابيب والتخصيب الصناعي وكل الطرق العلمية الممكنة لعلاج الزوج او الزوجة كي يتمكنا من الانجاب وتكوين أسرة لايريان في تركيبتها سعادة إن لم يكون لديهم طفل، لكن هل من حقهم لمجرد أنهم يملكون المال استئجار رحم وبطن يحمل ويحتمل الأشهر التسعة ويتحرك هذا الطفل داخل بطن الأم وتمنحه دمها وحياتها وتورثه كل مكوناتها الوراثية مع مكونات لأب لم تعيش أو تمارس معه حياة طبيعية، ثم يخطف من حضنها جنين تكون فيها ويسلخ عنها لأن أسرة أخرى أكثر غنى وقادرة على دفع الثمن ؟
ثم من هن النساء اللواتي يقبلن الخضوع لتاجير أرحامهن؟ إنهن الفقيرات والمعدمات من دول العالم البائس.
ما أريد قوله من هذا السرد البسيط والمختصر، لأن الموضوع يحتاج للطرح من جوانب عديدة ، لكن المكان والوقت لا يسمحان لنا بالبحث ..المقصود هو الموقف المجتمعي من المرأة إن أنجبت أم لم تنجب، عندما نقف من الرجل غير المنجب موقف الحياد ، ولا نغير نظرتنا لرجولته، علينا أيضا أن نمارس نفس الموقف من المرأة..وهذا مايصعب على مجتمعاتنا الغارقة في فكر ماضوي أن تعيد النظر بالحكم على المرأة، إن لم تبادر هي لتغيير هذا الواقع، فعندما يقال على سبيل المثال وكدفاع عن نظرة الجهل العمياء والتي تبيح بالزواج لأكثر من امرأة بحجة القضاء على العنوسة، فتأتي الصحف المصرية لتقول:" أن عدد النساء العوانس في مصر يعادل 9 ملايين امرأة!
لكنها أبدا لا تعطي رقما لعدد" العوانس أو العزاب" من الرجال في المقابل!..وهل يعني أن نسبة النساء أكبر من نسبة الذكور؟ أبداً.. هذا عارٍ عن الحقيقة ويُراد لنا أن نراه من زاوية إباحة وتحليل الزواج بثانية وثالثة، لتمرير قوانينهم علينا.
وهذا ينطبق أيضا على معنى الأمومة ومعنى الانجاب والموقف منه، هناك مئات الآلاف من الأسر والأزواج في أوربا وخاصة في ألمانيا ترفض الإنجاب، ولا تجد بنفسها القدرة على ممارسة دور الأم أو دور الأب، ولهذا تتجنب انجاب ولد يعتقدون أنهم سيسببون له التعاسة ولا يستطيعون أو غير مؤهلين لتقديم مايلزمه وما يسعده، بينما نجد فقراءنا ومن لا يملكون شروى نقير يفخرون ويتباهون بكثرة الأبناء وتعدد الزوجات!، على سبيل المثال قرأت منذ فترة قصيرة على صفحات الصحف السورية والمرصد السوري، خبر مفاده أن أب فلاح معدم في الشمال الشرقي من سورية متزوج من أربع نساء طلق واحدة منهن وأبقى على ثلاثة لديه " أربعين ولدا" أعمارهم تتراوح بين 25 عاما لأكبرهم وسنة ونصف لأصغرهم، ويقف بالصورة مع نسائه وأولاده وأحفاده !
عدد سكان سورية حسب آخر احصائية 22 مليون إنسان!..ماهي موارد هذا البلد؟ وماهي مشاريعه الانتاجية والمائية التي يمكن أن يوفرها لهذا التكاثر الهائل؟ وماهي خطط الدولة للحد من هذه النسبة المرتفعة ، والتي لن يطول بها الزمن ليأكل بعضهم لحم بعض.
" تكاثروا لأني مباه بكم الأمم"!!..تكاثروا ليكثر فقركم، وتزواجوا لتكثر مشاكلكم، ولتكثر جرائمكم الاجتماعية، وابقوا على ما أنتم فيه من مواقف تبيح هذا وتمنع ذاك وتقف من الانسان مواقف ترفع وتخفض وتميز وتفرق ، والعالم يتقدم ويسارع ويقفز، ينتج ونستهلك يبدع ونحرق، يعيش ونحفر قبورنا وقبور أبناءنا..لأننا لا نفكر، بل نتكل، فقد تعودنا على إلغاء العقل والاتكال على الغيب والمجهول وإدارة الظهر للمرئي والمحسوس والمعلوم.
باريس 21/4/2009