في اغتراب وانكفاءالمرأة العربية



شاكر فريد حسن
2009 / 9 / 2

الاغتراب او الاستلاب بأبسط معانيه هو الانسلاخ عن المجتمع والشعور بالاضطهاد والاحساس بالوحدة والابتعاد عن الأعراف والقيم السائدة ، وهو ظاهرة ملازمة لكل مجتمع يحتوي على أشكال وألوان مختلفة من القهر والظلم والغبن والكبت والاستبداد والاستغلال .
واذا كان اغتراب الطبقة العاملة الكادحة مصدره حرمانها من وسائل الأنتاج واستغلال قوة عملها وبما يرافقه من قهر أيديولوجي وطبقي واذلال ومهانة ، فأن قطاعات وشرائح واسعة في المجتمع الرأسمالي تنحرف باتجاه الهروب من مشاكل ومعضلات المجتمع، وعدم التوافق والاتزان النفسي والتكيف معه. وهناك ثمة اغتراب اشد كثافة وفتكاً وبؤساً وتدميراً، هو اغتراب المرأة التي تعاني اضطهاداً وظلماً وتمييزاً وقهراً انسانياً مزدوجاً ومضاعفاً . ولو نظرنا الى المجتمع العربي فسنجد عوامل كثيرة تزيد من اغتراب المرأة وانكفائها.
اولا:النظرة الاجتماعيةالدونية السلبية تجاهها، فمنذ ولادتها تواجه نظرة تمييزية مختلفة عن الذكر ولا تعامل بالتساوي مع أخيها في مرحلة الطفولة وتستمر هذه النظرة الى أن يحين زواجها.
ثانياً: الزواج التقليدي الذي ما زال سائداً في المجتمع العربي واعتبارها الة تفريخ ولأشباع الرغبة والشهوة الجنسية وأداة للمطبخ وليس انساناً له ارادة وطموح شأن الرجل.
ثالثاً: العمل والوظيفة وشروط العمل والأجور المتدنية .
رابعاً: الأخلاق البرجوازية السائدة، فبالمال تستباح المرأة وتمتهن كرامتها ويفرض الرجل سلطته وسطوته على المرأة، وينتشر الفساد والرذيلة ويتفشى الانحلال والتعري والتسيب والعلاقات خارج نطاق الزواج.
وفي الحقيقة أن هناك اغتراباً في البيت والعمل والشارع وفي بيت الزوجية وفي الذات الانسانية . وباختصار، أقول أن المفاهيم والعادات والتقاليد الاجتماعية البالية والبائدة، والتمييز الطبقي ضد المرأة والاستغلال البرجوازي والقيم الذكورية الخاطئة ، هي عوامل حقيقية وافرازات أساسية لنمو وأتساع ظاهرة الاغتراب لدى المرأة في المجتمع، وتسهم في جعلها منطوية وخاملة ومهزوزة وأنطوائية ومحدودة التجربة ومنكفئة على نفسها وذاتها، وتجعلها تخفي ألمها وهاجسها وعذابها وحلمها وأملها وسلبيتها وتمردها في أعماقها وصدرها.
أن الخروج من دائرة الاغتراب والاستلاب والانسلاخ عن المجتمع ليس بالأمر السهل والهين، واضطهاد المرأة الذي يقودها الى الاغتراب لن يزول الا بزوال أسبابه وعوامله، وفي صلبها العادات والمفاهيم الرجعية البائدة والاستغلال الطبقي والقهر اليومي، ولذلك فأن نهوض المرأة ومشاركتها في القضاء على هذه العوامل وتصفيتها وفي بناء المجتمع المدني التقدمي الديمقراطي الحضاري القائم على العدل واحترام كرامة الانسان، مهما كان لونه ودينه ومذهبه، هي الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل والمقدمة لتحرر المرأة من اسر الخوف والتبعية والأحباط والاغتراب والعزلة والانكفاء، بعزيمة صلبة وأرادة لا تستكين.