قرار مجلس محافظة الكوت يحط من قدر وقيمة المرأة العراقية



مصطفى محمد غريب
2009 / 11 / 28

كل شيء معقول في ظروف العراق الحالية بعدما ابتلى بعقلية القرون الظلامية، بعقلية من يريد أن يبقى التخلف والجهل يعم كل شيء لكي يستطيع الهيمنة والاستئثار، والا ماذا يفسر جعل المرأة ضعيفة لدرجة الإساءة والحط من قيمتها بحجة أنها طالبت بمحرم يحميها من الرجال في مجلس المحافظة وكأنهم فاسدين متربصين بالنساء بدون الشعور بمسؤولية أن هؤلاء يتحملون عبء البناء وتقدم المحافظة فضلاً عن وجود تقاليد وعادات في مقدمته حماية المرأة وصون شرفها لأنهم بالأساس أصحاب زوجات وأخوات وبنات.. الخ لا يسع المرء وهو يتابع ما يجري إلا أن يقول أو يسأل بكل استغراب ـــ هؤلاء هم الذين سيبنون البلاد ...؟ ـــ هؤلاء هم الذين سيساهمون في تربية جيل يتحمل المسؤولية الاجتماعية والوطنية ونقل البلاد من التخلف والدمار إلى التقدم والازدهار !!؟ لا أظن أبداً ! وهم خصيصا يساهمون في إعادة الوعي الاجتماعي إلى مئات السنين، ثم كيف سيكون الأمر إن عينوا بعد ذلك بواسطة أحزاب الإسلام السياسي الطائفي في مجلس النواب ! أليس هي الكارثة التي جعلت من هؤلاء قيمون على الدين والقوانين والأنظمة وحقوق الإنسان وكأنهم يستمدون قوتهم من الولاء للطائفية تحت قبة الدين، وهل يكفي استنكار واستياء البعض من الوطنيين الشرفاء في البرلمان وخارجه من النساء والرجال أو منظمات المجتمع المدني لقرار محافظة الكوت، هذه المحافظة المشهودة بنضالها ومقارعتها للطغيان وتقديم الشهداء من اجل الحرية والاستقلال وفي مقدمتهم شهداء الحي المعروفين في 1956 وغيرهم، أية مصلحة عامة يشم المرء من ورائها رائحة القرار 115 الصادر من مجلس المحافظة بتاريخ 27/11/2009 ؟ هل لمصلحة المرأة ؟؟؟ أو مصلحة من يريد أن يجعل من المرأة إمعة لا حول لها ولا قوة؟ أم مصلحة الجيوب التي لا تمتلئ من النهب أبداً؟ بالتأكيد ولا يخفى ما وراء الكواليس أن مصلحة الجيوب تدق المزامير والطبول بتعيين أقرباء من الظهر الأول أو الثاني براتب ( 200 ) ألف دينار يأخذ عيني عينك من صندوق دعم الكوت، من يعتقد أن القرار لا يتجاوز على حقوق المرأة العراقية ولا يحط من قدرها وقيمتها فهو مخطئ، وبخاصة عندما أعلنت امرأة مثلهن لذر الرماد في العيون " أن الطلب مقدم منهن " وهذه طريقة جديدة للخداع بالتأكيد أن صوت المرأة الذي يطالب بالحقوق مسموع ويجب أن ينفذ!! لكننا نعتقد أن التناغم ما بين طلباتهن وحثهن على الطلب برغبات رجالية باطنية تتعايش في قلوب أل ( 17) عضو الموافق بغض النظر عن المتحفظ الوحيد أي بالمعنى الواضح هذه المرة أن المرأة هي التي تريد أن تكون ناقصة عقل ودين وليس الذنب ذنب الرجال، لكن التصويت العلني يدل على أن الأمور قد سويت قبل إصدار القرار، وإلا لماذا لم يجعلوا التصويت سرياً كما هو الحال في كثير من الدول التي تتبنى الديمقراطية حتى لو شكلياً، المحير لنا هل سيدخل سيادة المحرم إلى اجتماع المرأة كي يحافظ عليها من الرجال أعضاء المجلس البالغ عددهم 18 ؟ أم أنهم سيقفون عند باب قاعة الاجتماع ويضعون آذانهم على الباب والحائط لسماع ما يجري حتى أن جرى التجاوز يهبون للإنقاذ الفوري؟ وهل سيقوم وزراء أحزاب الإسلام السياسي بتعيين محارم للمديرات والسكرتيرات والموظفات والعاملات في وزاراتهم باعتبارهم يطبقون التعاليم الدينية ووفق الأعراف والتقاليد؟ وكيف سيكون الأمر مع البرلمانيات إذا صدر قرار بضرورة وجود محارم معهن فهل سيسمح لهم الدخول إلى اجتماعات البرلمان والأكثرية من النواب رجال غرباء عنهن!! لكن المشكلة الكبرى التي ستواجه المحرمين وأعضاء المجلس إن عضوات المجلس انتخبن من قبل آلاف الرجال عدا النساء فكيف يمكن التعامل مع هذه المجاميع إذا جاءوا وأرادوا مقابلة ممثلتهم في المجلس لسبب ما؟ أما ما صرحت به سندس الذهبي رئيسة اللجنة الإعلامية في مجلس المحافظة ( بالتأكيد شملها المحرم!!) " إن القرار 115 الصادر من مجلس محافظة الكوت جاء لمقتضيات المصلحة العامة وبناء على طلب تقدمت به عضوات المجلس والمتضمن حاجتهن إلى مرافقين شخصيين من المحارم نظراً للظروف الاجتماعية والعرفية السائدة في المحافظة" جميعهم يتكلمون بحرص على المصلحة العامة لكنهم يعملون بالضد منها، حيث أشارت أن رجال الحماية المنسبين لهن " ليسوا من أقاربهن " وإذا دققنا يا سادتي في حديث سندس الذهبي المنتمية للقائمة العراقية بقيادة علاوي! وتابعنا عدد العضوات في المجلس الموقر البالغ (9) بالتمام والكمال فذلك يعني تعين (9) محرمين يعني دفع (200 ألف دينار أي ما يعادل 171 دولار) لكل واحد من أقارب الدرجة الأولى والثانية، إما الحجة المعلنة للتعيين في قولها المأثور"وافقنا على ذلك من باب التقاليد الاجتماعية، حتى تستطيع المرأة العضو في المجلس ممارسة نشاطاتها، لان المحرم سيكون معها دائما وسيدخل منزلها ومكتبها" وهي تعني بالتأكيد أما زوجها أو والدها أو أخيها أو عمها أو خالها فهل توجد طرفة تضحك على ذقونا أكثر من هذه الطرفة! وتضيف من جهتها آلاء إسماعيل حاجم وهي من الحزب الدستوري " إن النائبات الأخريات طالبنا بإقرار هذا الأمر من باب ديني كونهن ينتمين إلى أحزاب إسلامية ووجود المحرم ضروري للإناث في البلدان التي تطبق الشريعة الإسلامية حيث تمنع المرأة من التحرك دونه" لا يا آلاء ابنة إسماعيل حاجم هناك عشرات الآلاف من العاملات والموظفات والمعلمات والطبيبات والعاملات في السلك الدبلوماسي وغيره كيف يستطعن التحرك بدون محارم؟ ثم عن أية شريعة إسلامية تتحدثين ولماذا لا تطبق بحق الحرامية والسارقين من المسؤولين الذين يسرقون ليل نهار من المال العام والمال الخاص العائد للمواطنين؟ لكن نقول لك لماذا لا وكل شيء له ثمن وإن كان من المال العام ووفق أصول قانونية وقرارات جماعية، ثم ما دامت المرأة بحاجة إلى محرم وحماية في الوقت نفسه كيف ستستطيع تأدية واجباتها الوظيفية في خضم عشرات الآلاف من العائلات التي تقاد من رجال يجعلون من بيوتهم سجون تتعلم فيه النساء فنّ الطاعة العمياء والتهديد بجهنم والعقاب الإلهي إذا لم يطعن أو يطالبن بحقوقهن المشروعة وفي المقدمة كونهن بشر، أن قرار 115 الصادر من مجلس محافظة الكوت يا سندس الذهبي ويا آلاء ابنة إسماعيل حاجم وبالرغم من تصريحاتكن " أن القرار جاء بعد طلبهن" أنما هو قرار مأفون يحط من قيمتكن وقيمتهن مهما قيل عنه، وإنه إهانة وانتقاصاً من المرأة بالتشكيك أنها لا تستطيع القيادة وتولي مناصب حكومية أو وظائف مهمة أو حتى المشاركة في الانتخابات إلا بوجود مرافق محرم وما تأكيد الناشطة في حقوق المرأة إسراء الموسوي إلا صرخة بوجه القرار المجحف " يشكل إسفيناً في القاعدة التي تطالب بمزيد من الحقوق والامتيازات للمرأة في وقت تتطلع الناشطات إلى لعب دور أوسع في قيادة العملية السياسية وتبوأ مناصب عليا " هل ستعي البرلمانيات إني اشك والنائبات في مجلس المحافظة أشك أكثر مخاطر دفعهن باسم الدين للانتقاص من حقوقهن ومن إنسانيتهن كبشر.
أقول للرجال قبل النساء وبكل صراحة أن القرار المار الذكر ليس إهانة للمرأة العراقية فحسب بل إهانة لكل وطني عراقي شريف يؤمن بالمساواة والعدالة وحقوق الإنسان، وبالتأكيد نحن نؤمن إيماناً مطلقاً أن الحياة ستزكي الصحيح وسوف تتخلص المرأة العراقية من الاضطهاد المزدوج في البيت وفي أماكن العمل وفق رؤيا إنسانية متحضرة وسوف يندحر الفكر الظلامي المتخلف.