هل الحجاب حق من حقوق المرأة؟



نادية محمود
2004 / 6 / 26

في شهر حزيران، كان لموضوع الحجاب أصداءا واسعة في العديد من وسائل الاعلام العربية و الاوربية، في اليمن تظاهرت- كما ورد في الاخبار- 20 الف امرأة امام البرلمان اليمني احتجاجا على قرار الحكومة برفع النقاب، و ارتداء الحجاب الابيض. في لندن عقدت منظمة النساء المسلمات مؤتمرا صحافيا في احدى غرف البرلمان البريطاني، ليعلن حملة الدفاع من الحجاب. في مدينة لوتون في بريطانيا، طالبة في الخامسة عشر خسرت معركة قانونية ضد مدرستها من اجل ارتداء الجلباب. و النساء في تلك الاماكن تحدثن عن حقهن في ارتداء الحجاب.

فما الذي يجري في الشرق و الغرب حول الحجاب؟ هل اخر ما توصلت اليه النساء في نضالهن من اجل التحرر و المساواة هو التظاهر دفاعا عن الحجاب و شن الحملات، واقامة الدعاوى القضائية للدفاع عن "حق الحجاب"؟ هل حجاب المرأة هو " حق" كما تروج تلك النساء و يروج له اليسار الاوربي، ومحافظ لندن كين ليفنغستون.

انا لم اسمع عن اية تظاهرة لنساء اليمن او الجاليات " الاسلامية" في لندن، ،يدافعن فيها عن اي مطلب نسوي: لا حق الاجور المتساوية، حق العمل، التعلم، الاختلاط، اختيار الشريك، السفر، الارث المتساوي، حضانة الاطفال، الزواج والطلاق، التنظيم، قيادة السيارات، الحرية الفردية في المنزل، الحق في الحماية من العنف المنزلي، ماهو النقص البايولوجي و السايكولوجي الذي يجعل النساء من الجاليات" الاسلامية" لايدافعن عن عشرات الحقوق المنتهكة والحريات المسلوبة، الا حق الحجاب!

انا لم أسمع عن تظاهر ألفي امرأة، بل قل عشرين امرأة في اليمن، من اجل اي مطلب نسوي في اليمن، فكيف اتفق ان تخرج عشرون الف امرأة الى الشارع؟ اية قوة تنظيمية نسوية تمكنت ان تستنفر النساء، للخروج بهكذا زخم الى الشارع؟

تقول النساء المدافعات عن الحملة، "اليسار الاوربي" و محافظ لندن هذه الحقوق، ان منع الحجاب في المدارس هو انتهاك لحقوقهن، كحقوق للنساء من الجاليات العربية والشرق اوسطية، فهل رجم النساء بالحجارة اذا اقمن علاقات جنسية, و القتل على اساس الشرف و ضرب النساء و هجرهن في المضاجع، و نصف حصة الرجل في الارث، وعدم اعطاء النساء حق الولاية، والحرمان من المشاركة السياسية حيث ان النساء ناقصات عقل ودين، والفصل بين الجنسين، وتعدد الزوجات، وقرارات تأديب النساء و الطاعة للرجال، والخ من هذه الوصفة الاسلامية المتكاملة لتبضيع و وضع المرأة في مكانة دونية، هي لائحة حقوق ألنساء في اللائحة الاسلامية؟

ان الحجاب هو فقرة من فقرة قانون العقوبات الاسلامي للسيطرة على جسد المرأة، على جنسية المرأة، مثله مثل الرجم بالحجارة، والفصل بين الجنسين، والهجر في المضاجع، واعطاء الفرص للرجل على الزواج عليها مثنى وثلاث و ما ملكت ايمانهم.

فهل سيذهب "اليسار" كتفا الى كتف مع جمعية مسلمي بريطانيا- الفرع الاوربي، لحركة الاخوان المسلمين- ومحافظ لندن، لتثبيت هذه الحقوق الواحد بعد الاخر، بل وانتزاع الاقرار بها من عيون المجتمعات الاوربية، التي فصلتها قرون من النضال الدموي من اجل حق التصويت وانهاء حرق النساء، كما طبق في القرون الوسطى، التي يطلقون عليها اليوم، القرون المظلمة؟

الا يعلم" اليسار الاوربي" ومحافظ لندن، اذا ما حدث ان دافعت المرأة من الاوساط الاسرية الاسلامية، عن حقوقها الشخصية، فانها توضع امام خيارين، اما ان تخضع لما رسم و خطط لها، وتحشر نفسها في القالب الدوني الذي وضعوه لها، او انها تتعرض لشتى انواع التهديد والعنف واعادتهن الى بلدانهن، تزويجهن ضمن زيجات منظمة، او قتلهن عند اقتضاء الضرورة كما قتلت هيشو عبد الله، و صبحية نادر و سهام قيراني، ومهاباد و فاطمة سيهندال؟

ان كل تلك الروايات لاتمت بصلة لحقوق النساء، لا من قريب و لا من بعيد. ان كل تلك الوصفة معدة ومرسومة لقمع النساء، لوضعهن في مكانة دونية، لان الرب حين خلقهن، قرر لهن تلك المكانة، استنادا الى التركيب الجسماني للمرأة!! ليس في اجندة منظمة الاخوان المسلمين في بريطانيا، بل من ايران و افغانستان، والعراق، قضية اسمها"حقوق المرأة" واذا هم يتباكو اليوم على حقوق المرأة، لماذا لم يتفهوا بكلمة حين كانت النساء تعتقل و تعذب في ايران و افغانستان، لانهن مارسن حقهن في "عدم ارتداء الحجاب"!!.
ان مصطلح " حقوق المرأة" مصطلح حديث مرتبط بنضال الحركة النسوية من اجل مطالب المساواة و الحرية، فما شأن الحركات الاسلامية به، ولماذا تريد تفريغه من محتواه، و سكب المحتوى الاسلامي الرجعي فيه؟

حين وضع محمد في كتابه، تعاليمة بتحجيب النساء، لم ينطلق من كون هذا الامر، حقا للنساء!! بل انه فرض ديني، يطبق شاءت النساء ام ابت، يطبق بكل حال، بطبق مهما كان الثمن، حتى وان دفعت النساء ثمنا له من حياتهن.

انها حركة الاسلام السياسي الذي يهدف في خضم الصراع السياسي على السلطة الى فرض اجندته على النساء و الاطفال و الشباب، و على الجميع بقوة الارهاب، ولا شيء غير الارهاب. ليس هنالك قوة الاقناع المنطقي، ليس هنالك حرية الاختيار ولا حقوق الانسان، ناهيك عن حقوق المرأة، بل هنالك رب في السموات، و عبيد على الارض، يأتمروا بما يقوله الرسل الاسلاميين، افغان وسعوديين و ايرانيين و عراقيين و جمعية مسلمي بريطانيا، و صليل السيوف فوق الرؤوس، والايات القرانية تشكل خلفية المشهد الدموي!

لقد جررنا بفضل الاسلام السياسي وبفضل اليسار المناهض جدا للامبريالية، الى الوراء، بدلا من ان ندفع عجلة نضالنا الى الامام، اضطرونا ان نعود عقودا للخلف، شكرا للتحالف الغربي، لاميركا ومساندتها لحركة طالبان ضد السوفيات، لليسار الشرق الاوسطي، الذي التف حول الخميني، عدو الامبريالية، لحزب العمال الاشتراكي البريطاني، الذي يرى في اعمال القاعدة الارهابية الاسلامية في العراق، مقاومة للامبريالية، لمحافظ لندن الذين اعطته جمعية مسلمي بريطانيا بضعة اصوات في انتخابات المحافظة، فرد لهم الجميل بتنظيم مؤتمرا عالميا للدفاع عن الحجاب!

ان دفاع عدد من النساء الاسلاميات عن الحجاب، هو حركة سياسية، حركة الاسلام السياسي، حركة توظف وتبتز ألشباب الساخط العاطل عن العمل في بلدان الشرق لتعطيهم بندقية، و تقرأ في اذانهم الشهادة، حتى تغسل ادمغتهم من كل ما هو انساني، وتنفذ لهم اعمالهم الارهابية. بدلا من ان تنظمهم من اجل الحصول على فرص عمل في مجتمع معاصر متمدن. فان لهذه الحركة هيمنتها على النساء، اما بالقوة وقوة السلاح و الارهاب، كما في ايران، افغانستان، والعراق، او بدماغوغية تنفيذ تعاليم القرآن!

ستكون الثورة ضد الجمهورية الاسلامية في ايران، ثورة نسوية- كما قال منصور حكمت. حيث ان رأس حربة الاسلام موجهة لكل حق من حقوق المرأة، لوضع نصف المجتمع في مكانة دونية على اساس الجنس، فان حرق الحجاب في جامعات طهران، هو شرارة اندلاع الثورة.

نعم من حق المرأة ان ترتدي الحجاب اذا شاءت، كما ان من حقها ان لا ترتديه، الا ان الاسلاميين، نساء و رجال، لا يمتلكوا الحق في ان يجعلوا معتقداتهم، نمطا للحياة. ان اضطهاد النساء ليس حق.

يجب ان يحمى المجتمع من هذه "الحقوق". انها مسؤولية المجتمع حماية افراده من الافكار المضرة، غير الصحية و غير الصحيحة، سواء كان قائلها محمد، الله، عيسى او موسى، او كائنا من يكون. يجب ان تشرح مخاطرها كما تشرح مخاطر التدخين، على حد تعبير منصور حكمت. انها خطر على حياة وامن البشر، ويجب ان توقف.

يجب ان نطوي مرحلة صراعنا مع هذا التيار الذي اعاد نضالنا للخلف، بسرعة. تحدث الرجال والنساء في الشرق الاوسط، منذ اوائل القرن العشرين عن حق السفور، الا انه بعد قرن من نيل حق السفور، نعود للنضال هذه المرة، ليس ضد الزي التقليدي الشعبي كما في اوائل القرن المنصرم، بل الى زي ديني، اسلامي، يفرض بقوة الارهاب على النساء لارتداءه.

ان حركة الدفاع عن حجاب المرأة، ليست حركة للدفاع عن حقوق المرأة، بل حركة الاسلام السياسي في صراعها الحالي من اجل الهيمنة العالمية، من اجل تحتل مكانا وموقعا في السيطرة و الهيمنة على سكان الكوكب، تمظهر في ارهاب شعب افغانستان وايران، ومرة في ضرب ابراج نيويورك، و هذه الايام في قطع رؤوس الاجانب الابرياء في بغداد و يظهر بحركة تدافع عن" حق النساء في الحجاب" في بريطانيا.