العنف السايكو سياسي ضد المرأة في العراق على خلفية إقصائها من المناصب الوزارية !!!



عامر صالح
2010 / 12 / 28

" المرأة أبهج ما في الحياة "
كونفوشيوس
شكل إقصاء المرأة العراقية عن تسلمها لمناصب وزارية هاجسا مؤلما لدى كل الكتاب التقدميين والديمقراطيين بمختلف انتماءاتهم عبر إدانتهم المتواصلة لهذا السلوك الذي أقدمت عليه الحكومة العراقية الجديدة بتشكيلتها الغير مألوفة في تقاليد العمل السياسي الديمقراطي, والتي تثير الشكوك حول أدائها المستقبلي في الكثير من التكهنات الأولية, وقد أقدمت هذه الحكومة على تجاوز دستوري يقضي بان تبلغ نسبة تمثيل المرأة في مجلس النواب ومجلس الوزراء ومجالات أخرى 25% بالإضافة إلى مواد أخرى في الدستور كالمادة 14,16,20 ذات الصلة ببعض الحقوق المتكافئة بين كلا الجنسين.

أن المشهد السياسي العام في العراق ليست ذو طبيعة مسالمة, وان كانت شكلياته تبدو هكذا من حيث الإقرار الشكلي لمبدأ التداول السلمي للسلطة, واللجوء إلى الدستور لحل النزعات والبث في القضايا الخلافية , إلا انه لم يجري لحد الآن لا تداول سلمي سلس للسلطة ولا العودة للدستور للاستماع إلى رأيه, وان واقعة إقصاء المرأة من المناصب الوزارية تشكل انتهاكا ورميا للدستور عرض الحائط. أن المشهد السياسي العراقي يمثل حالة من العنف الكامن الذي لا يمكن استئصاله من ذهنية السياسيين العراقيين, حيث يمثل إحدى دوافع اللاشعور العنيفة والقوية, والتي تعبر بدورها عن نتاج العنف المكبوت الذي تعرض له الشعب بصورة عامة والسياسيين " الطليعة " بشكل خاص عبر عقود من حكومات القمع والإرهاب والتنكيل, تلتها سنوات عجاف من الاحتراب السياسي ـ الطائفي والديني والعرقي بين قوى لا تمتلك قناعة حقيقية بالتداول السلمي للسلطة من حيث النهج والفكر والممارسة, مما كرس أخلاقيات الإقصاء السياسي بمختلف الوسائل وفي مقدمتها الوسائل المسلحة.

فكيف تكون الحالة مع العنصر النسائي السهل بطبيعته المسالمة على الإقصاء وغير الحامل للسلاح, والذي لا يمتلك في اليد حيلة, عدا الدستور الخامل والذي لم ينشط إلا بفقراته التي تصب في خدمة السياسيين وامتيازاتهم, والتي تستهدف تبضيع العراق وليست فدراليته والاستحواذ على ثرواته. ويعبر إقصاء المرأة عن المناصب الوزارية ومناصب أخرى تجسيدا لديمومة العنف السائد في العراق, والذي يتخذ واجهات ومبررات سياسية, واجتماعية, ودينية واقتصادية, قائمة في مجملها على النظرة القيمية الخاطئة والمقيتة والتي لا ترى في المرأة كونه إنسان كفيء عندما تسنح الفرصة لذلك؛ وكذلك التخلف الثقافي العام وما يفرزه من جهل بمكونات الحضارة الإنسانية ومسيرتها الطويلة والقائمة أصلا على هذه القطبية الثنائية " رجل ـ امرأة " المتكاملة في وجودهما والمتنوعة في أدائها في إطار وحدة النوع الإنساني والكيان البشري؛ وكذلك التوظيف السيئ للسلطة من قبل رجال السياسة, فحال فوزه في الانتخابات يبدأ بمسلسل التنكيل, أما بحليف "صغير الحجم " أو التنصل عن حقوق العنصر النسائي ليعبر عن "غريزته " العدائية العالقة في ذهنه وسلوكياته باعتبار المرأة " اضعف خلق الله أنسانا "؛ إلى جانب تأصل التقاليد والعادات الاجتماعية الخاطئة التي تقف حجر عثرة وعكازه يستند إليها في محاربة المرأة وحرمانها من المساهمة في الانجازات الاجتماعية؛ إضافة إلى الحروب والكوارث والإرهاب والصراعات الدينية والطائفية والقبلية والاثنية, والتي أشاعت ثقافة العنف المستديم, وكانت المرأة في مقدمة الضحايا: مقتولة, أرملة, يتيمة,أمية, عاطلة عن العمل ومحرومة من كل فرص المساواة !!!!.

أن مظهر العنف العام في العراق, والذي يشكل العنف السياسي احد أبعاده ناتج في بعض من تجلياته من تلازم النظرة الدونية للمرأة كإنسان مع حرمانها من مكانتها الوطنية ضمن الدولة العراقية, والتي لا يستطيع حتى الدستور الذي كفل بعض منها أن يحميها, وقد صح من قال أن الحروب تبدأ في العقول وليست في ساحات القتال, فأن عقول السياسيين العراقيين الجدد هي الأخرى تعتقد إن المرأة كيان ضعيف لا يستحق المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية, وبالتالي فأن حرمانها من تسلم مناصب وزارية وغيرها يجسد ذهنية متخلفة أولا, قبل أن يكون إجراءا سياسيا ذو منافع شخصية, ويشكل الأخير مظهرا من مظاهر العنف السياسي ضد المرأة وانتهاكا للكرامة الإنسانية وخرق للمواثيق الدولية, ففي المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان(1993) وفي الفقرة(38) أكد ما يلي " يشدد المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان بصفة خاصة على أهمية العمل من اجل القضاء على العنف ضد المرأة في الحياة العامة والخاصة والقضاء على جميع أشكال المضايقة الجنسية والاستغلال والاتجار بالمرأة والقضاء على التحيز القائم على الجنس في إقامة العدل وإزالة أي تضارب يمكن أن ينشا بين حقوق المرأة والآثار الضارة لبعض الممارسات التقليدية أو المتصلة بالعادات والتعصب الثقافي والتطرف الديني", ويمثل سلوك الحكومة العراقية الجديدة في إقصاء المرأة من المناصب الوزارية حالة من حالات عدم تطبيق العدالة على أساس الجنس والواردة في النص أعلاه " وعلى الأقل مخالفا لما ورد في الدستور العراقي !!!!.

أن محاربة العنف السياسي ضد المرأة والمتمثل بإقصائها من مناصب الدولة العليا وغيرها هو عملية تكاملية وليست فقط ما ورد في الدستور " وان كان بالتأكيد مهما تثبيته " كافيا لإحقاق الحق, حيث أثبتت التجربة انه عمل معقد ويجب أن يستند إلى الدعم اللامحدود من السلطات القضائية وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني لكي تسهم حقا بخلق وعي نوعي صوب إنصاف المرأة عبر مختلف المشروعات التربوية والثقافية لعموم المجتمع وبمختلف شرائحه السياسية والاجتماعية, إلى جانب التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتربوية الشاملة والقادرة على انتشال المرأة من أوضاع التخلف والأمية والعوز الاقتصادي, بالإضافة إلى ذلك ضرورة توعية المرأة بدورها وحقوقها الإنسانية والوطنية وكيفية الدفاع عنها وعدم التباطؤ والتهاون والانكفاء الذاتي واعتبار عدم المساواة قدر محتوم !!!.