إلى روح الفقيدة فدوى العروي .



سعيد الكحل
2011 / 3 / 9

لا أملك إلا أن أنحني إجلالا لروح الفقيدة وأدعو الله لها بالمغفرة ولذويها بالصبر والسلوان ، وأعلن انضمامي إلى حملة الدعم التي أطلقت تحت شعار "لن ننسى فدوى العروي" الفقيدة التي اضطرتها ظروفها الاجتماعية المأساوية إلى الاحتجاج عبر إضرام النار في جسدها . ولم تكن الفقيدة سوى واحدة من ساكنة سوق السبت بإقليم الفقيه بنصالح التي ضاقت ذرعا بسياسة التهميش والإقصاء والتجاهل التي اعتاد عليها المسئولون المحليون في التعامل مع حاجيات المواطنين البسطاء في السكن والعيش الكريم . وبعد أن سدت كل السبل في وجه فدوى الفقيدة عنوان الاغتصاب المركب الذي هتك عرضها وكرامتها وحُلمها في قطعة أرضية صغيرة صغر حلمها في مسكن بسيط يؤويها وطفليها من غدر الزمان ؛ اضطرت إلى حمل ضيمها وغبنها وحُݣرتها إلى حيث مقر المجلس البلدي الذي من مسئولياته الأولى والأخيرة خدمة مصالح المواطنين . كان هدفها الضغط على المجلس إياه لمنحها بقعة أرضية من البقع الثمانين التي تناهى إلى علمها أنها لم توزع بعد . صدها الرئيس بقوة قانون لا يراعي إلاّ ولا ذمة ولا يأخذ في الاعتبار حق الفروع وظروفهم وأوضاعهم الاجتماعية في وجود الأصول . كذلك كان جواب الرئيس للفقيدة "نحن لا نمنح السكن للفروع ،بل للأصول" . هو قانون يسري على البسطاء ليزيد من "حُݣرتهم" وغبنهم وهم يعلمون علم اليقين أن ما من تجزئة إلا ولأصحاب الحظوة منها نصيب وافر بغض النظر عن استيفائهم الشروط ، هم وذويهم، أو كونهم من الأصول لا الفروع . واقع الظلم هذا الذي حملته الفقيدة غصة في صدرها إلى مكتب المجلس لا تطلب منه سوى حقها في السكن والستر لها ولطفليها ، فجر في دواخلها بركان غضب جعلها تضرم النار في جسدها أمام عيون الحاضرين بالعشرات دون أن تأخذهم رأفة بها وبجسدها العشريني الذي التهمه النار تحت عدسات الهواتف النقالة التي آثر أصحابها التصوير دون التدخل لوقف المأساة . وشاءت الأقدار وسياسة التهميش أن تحتفل المرأة المغربية هذه السنة بيومها العالمي على وقع مأساة فدوى العروي التي هي أول امرأة مغربية تحتج على واقعها عبر إضرام النار في جسدها . إنها مأساة واحدة تعانيها فئة واسعة من النساء المغربيات بصور شتى تختلف في أشكالها وتتوحد في معاناتها . وكل هذه المآسي ينتجها الإهمال والتهميش كسياسة ظلت منتهجة لعقود من الزمن . وهذه نماذج للذكر فقط :
1ـ تزويج القاصرات الذي لا زال ظاهرة متفشية في الوسط القروي على وجه الخصوص ، والذي تترتب عنه آثار نفسية وجسدية واجتماعية خطيرة تكون الأم هي الضحية الأولى . ورغم الجهود المبذولة من طرف الدولة من أجل الحد من الظاهرة ، إلا أن الثغرة القانونية التي تركتها مدونة الأسرة لفائدة بعض الحالات الاستثنائية باتت تشكل قاعدة لنسبة هامة من الزيجات ، فضلا عن استمرار العمل بالزواج العرفي الذي يعتمد قراءة "الفاتحة" شرطا كافيا لشرعنة الزواج في غياب التوثيق .
2 ـ حرمان النساء السلاليات من نصيبهن في ممتلكات العائلة كعرف يشمل كل مناطق المغرب ضدا على أحكام الشرع في الميراث المعمول بها في توزيع التركة على الورثة . فالمرأة ، في حالات أراضي الجموع ، تحرم من نصيبها إما كوارثة أو كعضو ضمن الجماعة . ولا زالت الدولة تتردد في حل هذا المشكل رغم فتوى المجلس العلمي الأعلى التي تبيح للمرأة الاستفادة من نصيبها ضمن الأراضي السلالية .
3 ـ وفيات الحوامل بسبب ضعف أو انعدام الخدمات الطبية خاصة في المناطق الريفية والمداشر التي تفتقر إلى المسالك والطرق والمواصلات وحتى المستوصفات .إذ كشف التقرير الوطني لسنة 2007 حول مدى تحقيق أهداف الألفية من أجل التنمية ، أن المغرب ما يزال يعرف بعض التأخر في الميدان الصحي، . وأرجع التقرير أن أهم أسباب وفاة الأمهات، نتجت عن أسباب مباشرة بنسبة 80.8 في المائة (33 % بنزيف حاد ، 18 % بسبب ارتفاع ضغط الدم بعد 20 أسبوعا من الحمل، مع ظهور البروتين في البول، حالات التعفن بنسبة 8 في المائة، ثم 7 في المائة بسبب تمزق الرحم) . أما الوفيات الناتجة عن أسباب غير مباشرة فقدرت بنسبة 13.5 في المائة. ويرى معدو التقرير أن نسبة 85.7 في المائة من الوفيات بأسباب مباشرة كان بالإمكان تجنبها ، مقابل نسبة 46.3 في المائة عن تلك الناتجة عن أسباب غير مباشرة. مما يعني أن ضعف الخدمات الصحية وصعوبة الولوج إليها وضعف القدرة المادية للأسر من أهم أسباب ارتفاع نسبة الوفيات في صفوف الحوامل .
4 ـ الأمهات العازبات كفئة من المواطنين محرومات من الضمانات القانونية لحقوقهن في الأمومة ورعاية أطفالهن . وباتت هذه الفئة تمثل ظاهرة مثيرة ومشكلا حقيقيا قياسا لحجم انتشارها وطبيعة المآسي التي تترتب عنها . وطبقا لبعض الإحصائيات التي توفرها الجمعيات المهتمة والعاملة في هذا المجال ، فإن عدد الأمهات العازبات في مدينة الدار البيضاء وحدها بلغ حوالي 5 آلاف أم عزباء سنة 2008 . وهذا الرقم لا يعكس الواقع الحقيقي للظاهرة التي تذهب ضحيتها الفئات الشابة وفق الإحصائيات التي تتوفر عليها جمعية "إنصاف" ، حيث إن أعمار 55% منهن تتراوح ما بين 19 و26 سنة، بينما 36% منهن تجاوزت أعمارهن الـ27 سنة، أما 9% الباقية من الأمهات العازبات بمدينة الدار البيضاء تتراوح أعمارهن بين 14 و18 سنة . غالبية هؤلاء هن ضحايا سياسات حكومية أنتجت الفقر والتهميش والأمية والجهل ، وعممته على مناطق واسعة من مدن وقرى المغرب . فضلا عن الفراغ القانوني الذي يستغله الآباء الطبيعيون في التنصل من المسئولية ، على اعتبار أن مدونة الأسرة لا تراعي إلا حقوق من وقع حملها في فترة الخطوبة ، أما المغتصبات قسرا أو المغرر بهن فلا ضمانة قانونية ولا حماية .
ألف رحمة ومغفرة لروح الفقيدة التي جسدت بإحراق جسدها حجم المعاناة التي تتقاسمها معها فئات واسعة من البسطاء المهمشين نساء ورجالا لا يملكون من هذا المغرب بأراضيه الشاسعة وجباله الشامخة رماله الذهبية وسهوله الخصبة .. شبرا يبنون عليه قبر الحياة . فالمغربي لا يطمع في أكثر من سكن يؤويه وعمل يستره . فهل تستكثرون عليه أبسط أحلامه ؟