إهانة النساء إهانة لنا جميعًا



سهيل قبلان
2011 / 12 / 28

ثارت ضجة في الدولة في (18/12/2011) ليس على تنكر الحكومة لمتطلبات السلام الضامنة بتحقيقها كاملة، ولادته ونموه ورسوخه واحتضان الناس بجماليته وفوائده، وليس على رفع الاسعار وبالتالي حرمان الفئات الفقيرة من متطلبات الحياة الاولية والضرورية، وليس على حرمان الناس من العمل، وليس على زيادة ميزانية الحرب والاحتلال والاستيطان والقمع وزيادة تكديس القنابل والالغام والصواريخ ووسائل القتل على حساب القضايا الاجتماعية، وانما على جلوس فتاة علمانية في المقعد الامامي في حافلة نقل الركاب في حي غفعات شاؤول في القدس، ورفضها لطلب المتدينين الرجوع الى المقعد الخلفي في الحافلة والجلوس عليه لانها انثى، ووصلت القضية الى طاولة الحكومة للتداول فيها، ومنذ تلك الحادثة تصاعدت مضايقات واحتقارات واهانات المتدينين المتشددين في مدينة بيت شيمش، للمرأة فبصق عدد منهم على امرأة في الثانية والاربعين كانت تقف على محطة انتظار حافلة الركاب للسفر الى منزلها، بحجة انها كانت تقف في مكان في المحطة ليس للنساء، وبعد ذلك جرت اهانة طفلة في الثامنة من العمر، بحجة ان لباسها غير محتشم، والفصل بين الرجال والنساء لا يقتصر على الفئات الدينية فقط، فقد وصل قدر ما تسعفني الذاكرة الى الكنيست في نادي التمرينات وكذلك في العديد من المؤسسات والنوادي والمراكز في الدولة، والى المصانع، فالعاملة التي تعمل الساعات نفسها وتبذل الجهود وتنتج الكميات ذاتها واكثر مما ينتجها العامل تتقاضى راتبا اقل لانها انثى، والسؤال الذي يطرح نفسه، طالما هذا الاحتقار للامرأة ورؤيتها كدمية يحلو لهم التلاعب بها كما يريدون، فلماذا يتزوجون ويعيشون معها، والاصرار على التعامل معها "كضلع قاصر وناقصة عقل ودين" وعليها تغطية الرأس والاحتجاب ومكانها السرير والمطبخ، هو اهانة فظيعة للانسان بشكل عام وليس للمرأة وحدها، فارتداء النقاب والحجاب وعدم المخالطة خاصة في مناسبات عامة، هي امور ثانوية، فالشرف والكرامة واثبات الذات والسمعة الطيبة ليس بالزي والمظهر وطول الفستان وتغطية الوجه كليا، وقد تمادوا في اكراههم الديني في كل مكان، لدرجة ان في العديد من القرى ومنها بيت جن على سبيل المثال، المصافحة بين الملثمات واقرب الاقرباء من العلمانيين ممنوعة، والأم التي تنتظر زفاف ابنها عندما يأتي الى البيت بعد خروجه من الحمام حيث كان مدعوًّا، فاذا زغردت مبتهجة به فتعاقب دينيا، كذلك حرموا عرس الفرح والزفاف وغير ذلك من الامور التي تسيء الى انسانية الانسان، لقد نمونا ونحن نتفرج صغارا ونشارك يافعين في سهرات الاعراس والدبكة والرقص المختلطة، فكيف كانت يومها محللة ومقبولة واليوم صارت من المحرمات والممنوعات؟ لقد تمادوا في الاكراه الديني الذي هو بمثابة عنف و ليس ايديولوجيا، فما هو الافضل غرس وتنمية وابراز المزايا الطيبة والرائعة في الامرأة كانسان كامل متكامل وليس كضلع قاصر وليست كناقصة عقل ودين، انسان له طموحاته للوصول الى القمر لانه كيان قائم بذاته له كرامته وشعوره وافكاره وقدراته، ام تهميشه واحتقاره واقتصار دوره على المطبخ والانجاب؟! ماذا جنت المرأة من ذنوب لكي يحتقرها الرجل ويتسلط عليها ويا ويحها اذا خرجت عن طوعه، هل لمجرد كونها جميلة، وعندما يظل الرجل على موقف عدم جعل المرأة عنصرا فعالا في المجتمع او في هذا الموقع او ذاك واشعارها وتحسيسها انها غير مؤهلة موضوعيا لانها انثى ولان تكون مسؤولة عن نفسها او هنا او هناك، فهذا احتقار للرجل نفسه اولا، وعندما تجري عملية الانجاب فهل انجاب طفلة هو انجاب نعجة او قطة وانجاب طفل هو انجاب جواد او اسد او فارس صنديد؟ ان الرحم ذاته في كل امرأة وعندما يعطي الى الحياة يعطي الانسان الانسان، ولكن المجتمع هو الذي يقرر كيفية التعامل مع هذا الانسان الذي قدم الى الحياة ليعيش بكرامة واحترام وليس ليهان او يحتقر او يجري تهميشه، وما هو الفرق بين وجود رجل ووجود امرأة على مسرح الحياة، كلاهما شخصان بنفس التكوين والفروق الوحيدة هي فسيولوجية، والتركيز على ان الرجل هو حامي المرأة وكأنها غرض من الاغراض اعطاه الحق للتسلط والحماية لهذا الغرض من ان يسرقه احدهم، هو اهانة للانسان؟، وازاء تعمق الاكراه الديني في كل مكان، لا نستبعد ان يبادر المتعصبون من رجال الدين الى منع وضع كتاب لشاعر او اديب او روائي الى جانب كتاب لشاعرة او اديبة او كاتبة على الرف ذاته في مكتبة عامة، وهكذا الامر في سجل الناخبين ممنوع وضع اسم ناخبة قبل او بجانب اسم ناخب، ومنع جلوس نساء في الصفوف الامامية في اجتماع عام وقبل صفوف الرجال، ان الاختلافات الجسمانية بين الانسانين طبيعية والعلاقة بينهما حتمية لاستمرار النوع الانساني، فما هو الافضل، ان تكون انسانية جميلة يميزها الاحترام المتبادل ام فوقية ودونية اذا ارادوا احترام المرأة كانسان كامل متكامل وقادر انسان له استقلاليته وكيانه وهنا ليس رجال فقط فهل اصحاب الارباح على استعداد لعدم انتاج كل انواع البهرجة والزينة والتجميل والمساحيق وهذا يتطلب التعاون من المرأة نفسها، فالعين ذاتها في الرجل والمرأة بغض النظر عن الشكل والزي والمظهر. أخيرا، ان كلمة ماما التي تنطقها الطفلة بعد الولادة باشهر هي نفسها التي ينطقها الطفل، فقد آن الاوان لاحترام المرأة كانسان كامل وليس كجسد للمتعة.