كابوس مزعج



حياة البدري
2012 / 2 / 20

تجوب شوارع البيضاء طولا وعرضا، ثم تعيد الكرة لعلها تجد ضالتها، إلى أن فرغت حقينة سيارتها من البنزين وسط الطريق، فتسمرت بداخلها وبدت مشدوهة من المنظر العام الذي بات يسيطر على هذه المدينة الغول، التي كانت رمز الاختلاف والحرية، يفعل فيها المرء ما يشاء وترتدي النساء ماتخترنه بدون رقابة الآخر أو تدخله...تتساءل في نفسها عما حدث بهذه المدينة، وما سبب عدم ظهور النساء بشوارعها؟؟...أين هن وأين رحلن، هل قضت عليهن أياد غادرة وسلطة جائرة؟ ! وهل أخرست أصواتهن بفعل فاعل أم أن هناك جمع نسائي كبير يهم فقط النساء من أجل التغيير نحو الأحسن والمناصفة ورد الاعتبار للمرأة المغربية، بعد الخطأ الذي ارتكبته الحكومة البنكيرانية في حق النساء، باختيار امرأة واحدة ووحيدة ضمن التشكيلة الحكومية التي عقبت دستور 2012؟... كثرت تخميناتها وتهيؤاتها... أخرجت هاتفها المحمول من جيبها بغية طلب المساعدة لملء حقينة سيارتها بالبنزين، لكن بدون جدوى، فلا مجيب ولا مساعدة ! بدأت تفكر في الحل الأنسب للوصول إلى عملها في الوقت المحدد، هاتفت زوجها، لكن صدمتها كانت أقوى وأقوى، هاتفه لأول مرة مغلق؟ لعبت الوساوس أكثر وأكثر برأسها، حاولت إعادة الكرة العديد من المرات ...لكن لا حياة لمن تنادي، أدارت مذياع السيارة لعلها تجد خبرا أو أغنية رقيقة قد تخرجها من محنتها، فوجدت فقط أغان دينية وبأصوات ذكورية، غيرت الإذاعة فلم تجد غير الأذكار؟ حاولت تغيير القنوات ولم تجد فقط سوى الفتاوى الدينية أو القران الكريم الذي تفضل أن تثلوه وتقرأه في أوقات معينة وخصوصا بعد أداء صلاة العشاء وليس وقت العمل أو في الطريق إليه !

نزلت من سيارتها ، أحكمت إغلاقها بعدما تركت علامة " الأمبان " خلفها وحاولت التوجه إلى أقرب مقهى لعلها تجد أجوبة لأسئلتها، وبينما هي تهم للدخول إلى المقهى، لاحظت أن كل الجالسين بها ذكورا ملتحين؟ !! فركت عينيها جيدا ثم أجالت ببصرها في كل أركان المقهى، فوجدت فقط الرجال، والقناة التي تشغلها هذه المقهى أيضا، اقرأ وما شابه...؟ ! خيمت عليها الحيرة أكثر وأكثر... هل توفيت شخصية جد هامة والكل حزين عليها أم أنها في بلد ليس ببلدها؟ ! غيرت الاتجاه ولم ترد التحدث مع هؤلاء الذكور واتجهت نحو جهة أخرى للسؤال عن أقرب مزود لغاز السيارات، فوجدت دكانا للمواد الغذائية هو الآخر كل زبائنه أطفال ورجال ذكور، انتظرت حتى تصل دورتها، فلاحظت كيف يرمقها الرجال وكأنها حالة شاذة أو مجرمة هاربة من القضبان، وهي في الطابور حاولت مها تفة زوجها من جديد، لكن بدون جدوى، الحال على ماعليه؟ !!وهي غارقة في وساوسها، سمعت رجلا يخبر أحد الواقفين بالطابور، لقد أغلقوا كل شيء تقريبا، النزل و"الأوطيلات " وكل الجرائد التي تدعي إلى المساواة والحريات، والتي تضع الصور العارية للنساء وعلى رأسها جريدة "الأحداث المغربية "واعتقلوا كل مسؤوليها وأحرقوا كل الكتب والروايات التي اعتبروا أنها تنشر الرذيلة ومنعوا النساء من العمل وفرضوا عليهن جميعا الخمار ... آنذاك اهتز قلبها من بين ضلوعها وعرفت سبب عدم رد زوجها عليها بالهاتف وسبب "توهان" هذه المدينة، متسائلة كيف حدث هذا وكيف جرف هذا الطوفان كل ماهو جميل... وكيف خيمت هذه العناكب على المدينة كلها و بالتالي على البلد وعلى العالم العربي الكبير وكيف خرجت خفافيش الظلام نحو النور وخيمت عليه بهذه الطريقة الغريبة وأسدلت كل أجنحتها القاتمة على الفكر المتنور؟ !!! وبينما هي في حيرة من أمرها، صاح أحد الرجال، اهربي سيدتي، هيئة النهاية عن المنكر والأمر بالمعروف، ستفتي في حقك لعدم ارتدائك الخمار، آنذاك استيقظت مرعوبة وحمدت الله أن هذا مجرد كابوس مزعج ناتج عن تراجع نسبة مشاركة المرأة في اتخاذ القرار وصعود الجناح الإسلامي سدة الحكم وتربص أتباع عبد السلام ياسين واقتناصهم للفرص والصيد في الماء العكر.