معاناة مقدسية(1)!



أسماء صباح
2012 / 3 / 13

تشتد في كل يوم الهجمة الصهيونية على مدينة القدس، في محاولة لتصفية الوجود العربي في هذه المدينة المقدسة، اذ يسعى الاحتلال الى جعل الوجود العربي في القدس لا يتجاوز الـ20% حتى عام 2020 حسب خطة 2020.

ويشارك المستوطنون في البلدة القديمة في هذه الهجمة على كل المستويات وتوفر لهم الحكومة كل ما يحتاجون اليه لمضايقة العرب ودفعهم الى الهجرة خارج اسوار المدينة.
ان السلطات الاسرائيلية لا تميز في هذه الهجمة وغيرها من الهجمات التي تشنها على الشعب االفلسطيني عامة بين الرجال والنساء أو الاطفال والشيوخ والشباب والشابات والمسلمين والمسيحيين وحتى الشجر والحجر، فكل هؤلاء في العذاب والاذى سواء.

وبالرغم من المساواة في القمع والاذى بين السكان العرب في اسرائيل الا ان اثره يتغير بتغير المتلقي له، فالمرأة تتفاعل مع العنف بطريقة تختلف عن تفاعل الرجل والقريب من الحاجز يتفاعل معه بشكل يختلف عن الذي لا يقطعه كل يوم، من هنا اردت ان اسلط الضوء في مقالي هذا على معاناة المرأة المقدسية.

عام 1948 قسمت القدس بعد احتلالها لشرقية وغربية واعترف المجتمع الدولي أو بعضه بان القدس الغربية جزء من اسرائيل مما جعل سكانها ينتقلون قسرا الى الجهة الشرقية من المدينة، او الى مخيمات اقيمت في الضفة الغربية، أو في بعض الدول العربية طلبا للعيش الكريم.

وبعد نكسة 1967 زادت اسرائيل في ممارساتها القمعية ضد السكان محاولة افراغها من سكانها العرب ليتسنى لهم اعلانها كعاصمة لدولة اسرائيل، واسوء هذه الممارسات كان جدار الفصل العنصري الذي يحيل حياة الفلسطينين والفلسطينيات الى جحيم ويحرم كثيرا من سكان الضفة الغربية من دخول البلدة الا وفق شروط صارمة وضعتها الدولة العبرية.
وسط هذا القمع والظلم تبقى المرأة المقدسية، بالرغم من معاناتها، واقفة كشجرة الزيتون، كلما حاولوا قطعها نمت من جديد أكثر قوة واعطت لاسرتها دروسا في الصبر على المحن.
"أحلام" شابة مقدسية في الثلاثين من العمر، متزوجة من شاب "ضفاوي" يعيش الان في قلقيلية بينما تعيش هي بين القدس والرام، هي واحدة من كثيرات حكم عليهن الاحتلال بالتشرد، وعدم الاستقرار العائلي.

لا يمكنها "لم شمل" زوجها ومنحه الهوية المقدسية، وان حدث فانه يتطلب الكثير من الجهد والوقت والمال، فلطالما ارادت اسرائيل قطع علاقة سكان القدس بالفلسطينين الذين يقطنون في الضفة الغربية وقطاع غزة، فحرمت على سكان المدينة الاختلاط بغيرهم من مواطنيهم الفلسطينين من خلال اجراءات كثيرة اتخذتها على مدى سنوات طوال.
تروى "أحلام" معاناتها واصفة أياها "مش معاناتي انا لحالي بلعكس هاي معاناة كتير من المقدسيات اللي متزوجات من شباب في الضفة".

في القدس تسعى اسرائيل الى منع الفلسطينين من التوسع المعماري، بينما تبنى مستوطنة كل يوم على اراض كانت اصلا عربية، وتجعل من الحصول على ترخيص للبناء حلما مستحيلا للكثير من سكان المدينة من خلال تصعيب هذا الامر وجعله مكلف جدا، مما يجعل منه مستحيلا لذوي الدخل المحدود وحتى الطبقة المتوسطة وما فوقها، وفي حال تملك أحدهم بيتا هناك فأن الضرائب ستجعله يعرض بيته للبيع اجلا ام عاجلا.

تقول احلام "أبوي حاول من زمان يبنيلنا بيت عشان يعيش هو واخواتي الشباب لما يتزوجوا فيه، بس طبعا قعد سنين وهو يستنا في الترخيص وفي الاخر رفضوا يعطونا رخصة بحجة انو الارض فيها اثار، هم كذابين ودايما بختلقوا اعذار عشان ما يخلوا المواطن العربي يبني ويستقر في المدينة".

فيما عرض عمها منزله ودكانه للبيع بسبب كثرة الضرائب التي تحتم عليه دفعها مما جعله مديونا للدولة وكان من الممكن ان يتم مصادرة أملاكه من اجل سداد الدين ففضل بيعه لعربي يعرفه بدل من ان تصادره الدولة العبرية "عمي فكرمنيح وقال بدل ما يوخدوه اليهود ببيعو لحدا عربي وبيسدد ديونه وانتقل مسكين وهلا بيعيش بالاجار".

ومن بين الاليات التي تتبعها اسرائيل لتهويد القدس، مصادرة البيوت العربية بالقوة ليحل محل ساكنيها العرب مستوطنون يهود، بذريعة صكوك ملكية مضى عليها مئات السنوات كما يحدث في حي الشيخ جراح "وحدة صاحبتي عايشة هي واهلها في الشيخ جراح، اجاهم امر من المحكمة باخلاء البيت، ولما راحوا واخدوا محامي قالولهم انو الارض اللي مبني عليها البيت مبيوعة من زمان كتير لحدا يهودي، وانهم مهما عملوا ما رح يقدروا يوقفوا مصادرة البيت، حاولوا كتير يستأنفوا ويوقفوا محامين بس فشلوا لانو اصلا هم واقفين قدام قضاء اسرائيلي بدو مصلحة اليهود وبس، اما احنا العرب النا الله" تعطي أحلام مثالا.

وبالرغم من هذه الممارسات غير المحتملة نجد المرأة المقدسية تحاول التأقلم مع الظروف السيئة التي اراد لها الاسرائيليون العيش فيها من اجل كسر ارادتها، وبكسر ارادة المرأة تنكسر الاسرة الفلسطينية، الا ان المقدسية تفاجاهم كل يوم بقدرتها على الصمود والتحايل على قوانينهم "أنا بروح ايام من الصبح بوقف على باب الداخلية ومعي الاوراق المطلوية عشان اعمل لم شمل لزوجي واسجل اولادي في هويتي، ما بكل ولا بمل، لانو هم هاد اللي بدهم اياه، بيطلبوا اوراق كتير واثباتات عشان يزهقوا الواحد، واللي بيزهق وبيتعب من المتابعة بتروح عليه وما بيصدقوا ويسحبوا هويتو" تعلن احلام اصراها على القدوم يوميا لو لزم الامر الى وزارة الداخلية صيفا وشتاءا من اجل ان لا تخسر حقها في الاقامة في المدينة المقدسة.