المرأة المصرية وثورة 25 يناير!



أسماء صباح
2012 / 5 / 23

بدءاً من 25 يناير وحتى 11 فبراير من عام 2011 خرج ملايين المصريين الى شوارع القاهرة والاسكندرية والسويس وغيرها من المدن المصرية، مشحونين بهمة عالية ومؤمنين بنجاحهم في اسقاط النظام خصوصا بعدما نجح التونسيون في التخلص من رئيسهم في 14 يناير وبعد اسابيع معدودة من التظاهرات.

كانت الصورة الاكثر رسوخا في عقل متابعي تلك الانتفاضة الشعبية هي رؤية مجموعات المتظاهرين يشتبكون مع قوات الامن والبلطيجية الذين كانوا يمتطون الأحصنة والجمال والتي اطلق عليها بعد ذلك "موقعة الجمل".

كانت الثورة تحمل شعارات تنادي بالحرية والعدالة وانهاء حكم الرئيس مبارك الذي جثم على قلوب المصريين لمدة 30 عاماً، الا ان الثورة ايضاً حملت احلاما غير الاحلام السياسية اذ طالب المصريون بما يسمى "الكرامة للمصريين"، ومن شعارات التحرير كان "مصري وافتخر" شعاراً يردده الكبير والصغير في مصر وشعار اخر "ارفع راسك فوق انت مصري" في اشارة منهم الى الرغبة في ان يحترم العالم كله، ومن بينهم الحكومة المصرية القادمة، المصري كمصري لانه يستحق هذا الاحترام.

لقد كانت الثورة المصرية تمثل رغبة جماعية لتحرر الامة المصرية، وكان العلم المصري سيد الموقف، فالاعلام في كل مكان باحجام مختلفة كبيرة وصغيرة واخرى مرسومة بطلاء على الجدران والوجوه، وكان لافتاً في هذه المشاهد صورة لمجموعة من الشباب يحملون علماً مصرياً ضخماً كتب عليه "بلدي، انا آسف تأخرت عليكي".

لم تكن هذه الثورة ثورة حزب سياسي ولا حتى ايديولوجيا واحدة أو طبقة اجتماعية بعينها، لقد كانت ثورة لكل المصريين شباباً وشيباً، مسلمين واقباط، رجالا ونساء، وكانت النساء بارزات بمشاركتهن على اختلاف اعمارهن ومستويات تعليمهن ولباسهن وطبقتهن الاجتماعية في وسائل الاعلام، لقد كن متواجدات بكل أشكال وتجليات المرأة المصرية في المجتمع.

لقد شاركت المرأة بجانب الرجل في اقناع كافة اطياف الشعب بالتظاهر، قادت المظاهرات، عالجيت المصابين والجرحي، تحدثت الى الاعلام والهبت حماس المتظاهرين وشجعتهم، حمت المتظاهرين من هجمات فلول النظام السابق، ومن بين الشهداء كانت هناك نساء شكلن رمزاً للبطولة أبرزهن سالي زهران ذات الـ 23 ربيعاً.

نادت النساء كالرجال في هذه الثورة بالحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، وليس بحقوق المرأة، وكان شعار الثورة "الشعب يريد اسقاط النظام"، وفي الثورة الحالية ان جاز لنا تسميتها ب"ثورة" يطالب الشعب بسقوط حكم المجلس العسكري الذي قتل برأيهم الكثير من الثوار الابرياء، وكذلك سقوط الحكومة التي استعمل الامن فيها بأمر من وزير داخليتها العنف الشديد تجاه المتظاهرين "المدنيين" الشباب.

عانت المرأة كما عانى الرجل من تبعية الدكتاتورية والتسلط والظلم الاجتماعي، لكنها عانت أيضا بطرق اخرى، فكانت المرأة كزوجة وأم تعاني من صعوبات جمة عندما تحاول ان تصرف ميزانية المنزل بذكاء وتعقل على اسرتها خاصة في ظل الارتفاع الشديد في اسعار المواد الغذائية والذي بدا ظاهراً جلياً عام 2005.

والجدير بالاشارة هنا الى ان الحد الادنى للاجور في البلاد بقي كما هو منذ 26 عاماً، مع ارتفاع الاسعار وغلاء متطلبات الحياة أصبح ما يقارب من نصف المصريين، والذين يحصلون على دخل ثابت، يعانون من مشاكل وصعوبات في الحصول على متطلبات الحياة الاساسية، وحتى العائلات التي تعيش على دخل شخصين اقتربت من حد خط الفقر أي انها كانت تجني ما مقداره 12 جنيها مصرياً في اليوم.

ومن أجل سد الفجوة بين قلة المعاشات والغلاء اتجهت المرأة للعمل في المجال الخاص، فهناك نسبة لا بأس بها من النساء اتجهت للعمل في مصانع الاسواق الحرة، حيث يحصلن على اقل الاجور، لذلك كانت المرأة مشاركة وبفاعلية في حركات الاضراب العمالية التي حدثت عامي 2007 و 2008، وطالبت برفع الاجور وتحسين ظروف العمل.

وفي ذات الوقت عانى الرجل المصري من البطالة وضعف الدخل، هذا بالاضافة الى الاهانات التي كانوا يتعرضون لها بسبب النظام البوليسي الذي أهان انسانيتهم ورجولتهم، لذلك كان لابد لهم من المطالبة بالكرامة ليس كمصرين فقط وانما كرجال، لهذا واجه هؤلاء الرجال االنظام في التحرير بكل شجاعة وقوة واصرار، فحمل البعض لافتات تشيد بالموت في سبيل مصر والكرامة.

هذه الظروف التي واجهها كل من الرجال والنساء خلقت الكثير من المشاكل بين الجنسين، مما أدى الى اتساع الفجوة بينهما واصبح كل منهما يرى نفسه الأفضل في ظل تغذية نظام مبارك للنعرات الطائفية والمشاكل الاجتماعية.

الا ان الثورة جاءت بالامل لكل المصريين وجعلتهم يؤمنون بامكانية تغيير الحال والاحوال، راغبين باعادة بناء البلاد، الا ان الانتخابات البرلمانية الاخير التي حدثت بعد الثورة اجهضت حلم الكثيرين بامكانية التغير ولا سيما بعد سيطرة حزب واحد على المقاعد البرلمانية مما ينذر بعودة حزب وطني جديد وهذا ما يخشاه المصريون رجالا ونساءاً ولا سيما ان الدولة الدينية اكثر قسوة من الدولة البوليسية.

وفي النهاية لا بد من الاعتراف ان المرأة المصرية تعرضت للخيانة من نظراءها الذكور الي استغلوها مرتان، الاولى كانت عندما جعلوا منها داعماً لهم في سبيل التخلص من الحاكم الظالم وبعد ذلك طالبوها بالعودة الى منزلها واستأثروا هم بمكتسبات الثورة، والمرة الثانية عندما استغل صوتها من أجل صعود الاسلاميين الى الحكم على حساب حقوقها والتي سيبددون حتى الذي حصلت عليه منها بعد جهد سنوات ونضال عقود.
ان المرأة المصرية لا بد ان تقف في وجه كل من يحاول ان يسرق حلمها وثورتها، وان لم تقف الان فعليها ان تصمت للابد لحين ثورة جديدة لربما قد تأخذ 20 او 30 عاماً اخرى، من اجل ان تنال حقوقها كاملة وتعامل كمواطنة لها نفس الحقوق كالمواطن الرجل.