المرأة..والثورة



فلورنس غزلان
2012 / 8 / 19

المرأة...والثورة :ــ
من يصنع لكم راياتكم..من يحيك لكم قمصانكم ممهورة بالمحبة مضمخة بالحنان...سواها ؟,,إن كانت أماً أو زوجة ...أو أختاً..لكنها في النهاية ..المرأة في حياتك وسر وجودك أينما استدرت..
لن تقبل أن تكون ظلاً..وترفض في تونس اليوم أن تكون "مُكَملة.ً"..لأحد..هي مساوية وعلى نفس القياس والمكانة ..تحتل نصف الطريق..تحتل نصف الحياة..تقف في نفس النقطة...فكيف تريدها أن تتبعك؟...وهل طلبت منك أن تتبعها؟ هل طالبتك بأن تكون ظلها؟ ..إنها معك تقود الكون وتمنح الحياة..تهبها ..تصنعها..تعطيها أرواحاً ..وحباً وعواطفاً..وعملاً...لكنك تريدها أن تكون لك..ملكية حصرية موروثة ..ومورثة...جزءاً ..لا كل ..ولك حرية أن تقَّيَمِّ وتحدد مساحة وحجم هذا الجزء ودوره في حياتك وحياتها!!
لكنك نسيت أنها غادرت ثوب الأَمَة.!. كسرت الضلع الأعوج ..وخرجت من جَرة أمها..وصَدر عمتها..وعادت لأنوثتها..لكينونتها ..مُلكاً لذاتها ...لإنسانيتها..التي لاتختلف عن إنسانيتك...لكن نظرتك التربوية والمجتمعية والقانونية والدينية، مازالت بقاياها وآثارها واضحة في سلوكك ،وعلاقتك بها تشي بقناعات مهزوزة لاتحملك على الثقة بها..ولا ترى فيها سوى..ضلعك المعلق...سوى موضوعاً من مواضيع الجنس...والرغبة..سوى قطعة من جمال خُلِق لتتمتع به..ولتحويه وتضعه في بيتك.. صورة جميلة ساكنة.. تعلقها في غرفة نومك..تطلبها فتذعن..وترفضها فتطيع....فقط حسب رغباتك..متحركة نشطة ..ساهرة على خدمتك...وتأمين راحتك ..تحركها بكبسة زر من يدك، وبإشارة من رأسك تنفذ الأوامر!.. في الوقت نفسه ..يمكنك التكرم عليها..فالرجولة في بعض الأحيان تدفعك لتقوم بما يجعلك الكريم المسامح..المؤمن بالمرأة ، صاحب الخطاب الحضاري..المتخلص من تراث التقليد والتهميش!..فتمارس سلطة الملك المتسامح ..الملك المعطاء!! فتعفو عن بعض المكاسب ،..تسمح لها ببعض الفضاءات المحدودة والمحاصرة.. ... فتطلق يدها في مجالات تجعل منك بطلاً وحضارياً..لكنها تبقيك رجلها..بعلها...وهي حرمك المصون...تابعك وكلبك الوفي الأمين..مفرخة لسلالتك..ومخدة لراحة رأسك...حاضرة في كل مراحل حياتك..تدفعك لما تحب وتدافع عنك فيما تكره ويُكرهك الآخرون عليه...هي آلتك المطيعة..هي هذا وكل ذاك ..حقوقك فيها محفوظة بقوانين قديمة تضمنها لك الشرائع وتحميك من شرورها وحيلها ومكيدتها..كل الأحجيات والكتب ..والبراهين ..التي تدل على تفوقك..وسيادتك..ودونيتها وتبعيتها!!!!!
لكنك لا تسال كيف يكون عليه موقفها وعقلها منك!...لاتعرف أو لايريد البعض منكم أن يعرف...ماذا تقول هي فيكم وعنكم ، وماذا تريده منكم ومن الحياة والمجتمع والقانون...!وكأني بهذا البعض يقول: " ليس مهما ماتريده..وكأنها مغيبة ..وعليها أن تظل الغائبة الحاضرة!...إنما مانراه من صيحاتها في الشوارع العامة، وحضورها الفاعل في حياتكم وثوراتكم ..يقول لكم ...توقفوا..إنها المرأة المساوية لكم...على قدم وساق منكم..فلا أحد بينكم قوام عليها..ولا أحد منكم يفوقها حنكة وقدرة ومساواة...بل كثير منها يفوق كثير منكم والعكس صحيح، دعوا إذن الحرية للجميع والواقع هو من سيثبت مكانة وكفاءة كل فرد بغض النظر عن جنسه.
ثم لا تنس أن كل القوانين وضعية أم شرعية المنشأ...ذكورية بجدارة في عالمنا ..العربي / الإسلامي!، إذن كل ماتصل إليه المرأة وتحصل عليه سيعود فضله في النهاية لك!..وتمسح نضالاتها.. وكل ماقاساته ودفعته من عمرها ..وما بذلت لأجله جهوداً وتضحيات كي تصل إلى مستوى المساواة...لاأشك لحظة أن في نضالات المرأة وساحتها رجال يفوق إيمانهم فيها ايمان الكثير من بنات جنسها..فكم من امرأة كانت وبالاً على مثيلاتها ..وبالاً على بناتها وأحفادها..أساءت لموقعها أكثر مما يفعله المجتمع أو القوانين بها ، وساهمت معه في اضطهاد ذاتها وبنات جنسها..وذلك نتيجة لكونها ـ على الغالب ـ ضحية تربية خاطئة..تربية العبد المطيع لسيده والمتماهي معه..تماماً كما هي حال مجتمع مقموع يعيش في ظل ديكتاتور مستبد..فيتحول خطابه الوطني لببغاء تنطق بما ينطق به الديكتاتور مالك العصا والقذيفة والطائرة...بل مالك الوطن والشعب، وحين يثور الشعب على الملك الديكتاتور..تنقلب الموازين..وتخرج للعلن الكثير من الخبايا والخفايا، فمولود الربيع العربي مازال رضيعاً..ويحتاج للكثير من الهزات والخضات حتى يقف على قدميه ويتقن الحبو ثم السير بثبات..أما أن ينمو ويكبر فالأمر يحتاج بعد لطريق نضالي طويل وشاق، وهاتتبدى فصوله وتظهر ملامحه للعلن في تونس ومصر تلحق بها..وستلحق بها سوريا ، وإن بطريقة مغايرة وأكثر تعقيداً...لأن ثورتنا أخذت وقتاً ومنحى..تعددت فيه الأطراف سواء في الصراع السياسي، أم تحوله لصراع عسكري..وفي المستقبل لصراع بين ماهو مدني وحضاري وحقوقي...مع صراع غيبي يريد أن يشل المجتمع ويبقيه واقفاً معاقباً على قدم واحدة ..معتمداً عليها في تطوره ونموه وهي قدم الرجل وحده دون المرأة ، فإن تطرقت لما يجري اليوم على الساحة التونسية، ــ ومع ثقتي الكبيرة بقدرة المرأة التونسية على الإمساك جيداً بتلابيب مكتسباتها وعدم تنازلها عن حقوقها في مساواتها مع الرجل.ــ .لكن الخشية تبقى مشروعة ويجب الإشارة إليها والوقوف مع المرأة التونسية في حقها بالوجود الإنساني السليم..وخاصة أننا نمر بما ينذر بإشعال فتيل حرب من نوع آخر في المستقبل القريب...لكننا بانتظار نور الحرية والدولة المدنية الديمقراطية في سوريا ، التي نرجو ونحلم أنها ستساوي بين الرجل السوري والمرأة السورية...وتعيد لدورها الفاعل في الحياة العامة نصابه ..ومكانتها ..ومساهمتها في بناء مستقبل الوطن، الذي يحتاج منا لجهود كل فرد مهما ضعف أو صغر..
تحية لكل امرأة في الربيع العربي
تحية لنساء تونس ومصر
تحية إكبار للمرأة السورية في محنتها
وثورة ثورة حتى الحرية والنصر
ــ باريس 19/8/2012