تحرش



حنان محمد السعيد
2012 / 10 / 29

عندما تختل المفاهيم وتزدوج المعايير في مجتمع بالكامل فلا نهاية يمكن توقعها لإنحداره .. يظل يسقط في هوة سحقية لا نهاية لها مفارقا كل ما يمت الى التحضر والأخلاقيات والقيم الانسانية بل والمنطق والفطرة السليمة بصلة .. هذا ما بدا جلياً مع متابعة قضية التحرش التي أصبحت تثار بشكل دائم مع قدوم الأعياد .. فأن يوجد تحرش في مجتمع يدعي التدين فهذه درجة من السقوط .. وأن يصبح التحرش ظاهرة فهذه درجة اخرى .. وأن يتم تبرير التحرش بكافة أشكال المبررات كالفقر والبطالة وتأخر سن الزواج فهذه درجة ثالثة من السقوط .. أما أن يتم لوم الضحية وتوجيه أصابع الإتهام إليها مهما بلغت درجة احتشامها وجديتها واستقامتها لا بل وتجد بعض من يدّعون انتمائهم لتيارات دينية يوجهون الشباب لفعل ذلك بدعوى إجبار الفتيات على لزوم البيت أو الإلتزام بزي خاص فهذه كارثة .. أن لا يكون هناك تواجد أمني ومعالجة قانونية فعّالة وعقاب سريع ورادع لمرتكب هذا الفعل المختل المقزز فهذا هو السقوط بعينه .. أن لا يكون الفعل مرفوض ومجرم اجتماعياً فهذا خلل اجتماعي غير مسبوق .. فمن يقول بأن أسباب التحرش هي تأخر سن الزواج وعدم التزام الفتيات بالحجاب لم يشرح لنا كيف أن أطفال دون سن العاشرة يمارسون فعل التحرش وهم منتشين وسعداء معتقدين أنهم بهذا الفعل قد حققوا درجة من النضوج أو دخلوا في طور الرجولة مبكراً !! لم يفسر لنا لماذا يقوم بهذا الفعل بعض المتزوجين أو لماذا لا تسلم من هذا حتى من ترتدي أكثر الأردية احتشاماً وإخفاءً لمعالم الجسد !! .. وهذا المبرر غير مقبول بأي حال من الأحوال فالفقر لا يبرر السرقة .. والإعجاب بما يملكه غيرنا لا يبرر اعتدائنا على هذه الممتلكات بأي حال من الأحوال .. ولكن المجتمع الذي آعتاد أن يضخم أخطاء المرأة ويضعها تحت العدسات المكبرة ويلومها على كل قصور وكل مشكلة وكل خلل وكل فشل واجداً كافة المبررات للرجل لا بل ومهنئاً له على نفس الأفعال مهما كانت مشينة ومخجلة هو نفسه الذي يمكن أن تنتشر فيه مثل هذه الأفعال المريضة المفرطة في الإنحطاط دون أن يهتز أو يواجه نفسه بالخلل ويعمل على علاجه .. هذا المجتمع الذي آعتاد على أن يشير إلى عمل المرأة كسبب رئيسي للبطالة بدلاً من أن ينظر للأسباب الحقيقية من ركود وإهمال وعدم وجود مناخ اقتصادي صحي وسياسة اقتصادية سليمة تستوعب الأيدي العاملة بعمل مشاريع ضخمة وآستثمارات حقيقية وإنتاج له قيمة بعيداً عن التجارة والمضاربات واللإستثمار في مجال الاتصالات الذي لا يحقق إنتاج حقيقي على الأرض .. هو نفسه المجتمع المصاب بالإزدواجية المرضية والذي لا يتعدى التدين لديه المظاهر والقشور متغاضياً عن جوهره وروحه وأوامره بحفظ الحقوق وكف الأذى وغض البصر .. وفي النهاية بعض الإنضباط الذي يمكن أن تفرضه الدولة كفيل بالقضاء على هذه الظاهرة المخجلة .. فمن أولى حقوق المواطنة أن تكون أمن على نفسك ومالك وأن تجد من يقتص لك إذا ما آستحل أحدهم لنفسه الإعتداء على محيطك .. وإلا فإن أبواب الشر لن تغلق أبداً وكما هو حادث الأن سيضطر كل إنسان لتأمين نفسه والقصاص لنفسه بالشكل الذي يراه مناسباً .. وأعتقد أن غياب الأمن وضياع الحقوق كان أهم وأول أسباب الثورة ....

مازال هذا السبب قائماً جلياً.