الاعتداء والعنف ضد المرأة والحجاب المدفوع الثمن



مصطفى محمد غريب
2013 / 1 / 1

ان قضية الحجاب لم تكن يوماً من الأيام شاغلاً يشغل الحكومات العراقية ولا الشعب العراقي لأنها كانت ضمن الحرية الشخصية وتمارس بشكل طبيعي حسب تقاليد المنطقة ، وفي هذه القضية بالذات نجد أن العديد من الدول العربية والإسلامية لم تكن بصدد إصدار قوانين أو ملاحقات لفرض الحجاب ما عدا المملكة السعودية ودول الخليج ثم بعد ذلك إيران بعد سقوط الشاه واستلام السلطة من قبل الملالي، فالحجاب في العراق كان يعني أول ما يعني "العباءة" وهناك " الجرغد والفوطة، و البوشي*" إضافة إلى الزى الكردي الشعبي* "كل هذه الأحجبة كانت النساء ترتديها حسب المنطقة والموقع في المدن أو القرى أو الأرياف بدون ضغط بل بقناعة أو ارتباطاً بالتقاليد والدين، بينما في الجانب الثاني ( غير المحجبات ) نجد أن الآلاف من النساء في الدوائر الحكومية وغير الحكومية والجامعات والمدارس يتمتعن بالسفور بدون التهديد والوعيد بالقتل والتشويه أو الطرد والفصل من الوظيفة، هكذا كان الأمر طبيعياً ومثلما يقال كل من على سجيتهِ حتى في عهد النظام السابق الذي نعته أكثرية العراقيين بالنظام الدكتاتوري، إلا أن التغييرات التي شهدتها الساحة العراقية بعد عام 2003 مورست سياسة بتوجهات دينية وطائفية وباشرت هجوماً غير مسبوق على النساء السافرات حتى وصل الأمر بالاعتداء عليهن بطرق سوقية وغير أخلاقية والحجة عدم ارتداء الجادور الإيراني أو الحجاب الذي يدعي البعض أنه إسلامي ( النقاب ) والكل يعرف ان هذا الحجاب والجادور تقليعات جديدة دخلت العراق، ووصل الوضع إلى التهديد بالقتل والتشويه وحتى الاعتداء الجنسي، وبعد نجاح أحزاب الإسلام السياسي في الهيمنة على السلطة بدأت مرحلة أخرى حيث فرض رئيس الوزراء الجديد إبراهيم الجعفري الحجاب في ديوان مجلس الوزراء تحت طائلة التسريح والطرد من الوظيفة، وحذا عدداً من الوزراء والمدراء العامين والمسؤولين حذوه وطبقوا الفرض بطرق مختلفة باتجاه تطبيق البعض من الفتاوى أو تصريحات البعض من ر جال الدين، وتسلكات البعض من أحزاب الإسلام السياسي لفرض الحجاب ليس بالقوة أو العنف ظاهرياً لكن الحقيقة عبارة عن طرق تنديدية وتهديدية وإخافة الطالبات بدءً من المدارس الابتدائية وحتى الكليات والجامعات، أما عن طريق البعض من المدراء والمعلمات وبتشجيع مديرات المدارس الابتدائية أو عن طريق من يقف في طريقهن أو ينتظرهن في الشارع، أو حتى البعض من الطلاب داخل الكليات والجامعات والمعاهد .

مثال حي
ـــــــــــــ
أقدم مثالاً حياً كي نطلع عن كثب حول قضية العنف ضد المرأة وهناك عشرات القصص والحكايات وبعضها أفظع من المنقولة هذه وحتى أقول بكل صراحة أبشع وأقذر في الممارسة والأسلوب، ففي هذا المضمار قابلت العديد من الطالبات وجهاً لوجه أو عن طريق البريد الالكتروني وأكثرهن يحكين قصصاً اغرب من الخيال ووجدت أن انقل القصة التالية عن أحدى العائلات من المعارف حيث ابنتهم طالبة في أحدى الجامعات وهي سافرة كما أن أكثرية أفراد عائلتها وأقربائها من النساء سافرات.. بعد حوار لطيف عن الأوضاع في الجامعات وعن التعليم والدروس انتقل الموضوع تلقائياً عن الحجاب وقد سألت بعدما سمعت من أكثر من عائلة وطالبة بالضغوط التي تتعرض لهن الطالبات السافرات ومن هنا بادرت هذه الفتاة بالقول أنها تفاجأت من أحدى الطالبات بالجامعة مع ثلة صغيرة معها بالسؤال التالي
ـــ لماذا أنت سافرة إلا تخافين الله وأهل البيت، إلا تعرفين مصير السافرات في جهنم ، وعلى حد قول الفتاة فقد أجابتها ـــ أنها سافرة بحريتها حيث جميع أفراد العائلة سافرات وأكثرية أهل حيها من النساء سافرات، ثم أني لم افعل أي خطأ أو معصية تغضب الله حتى أخاف، ثم أني احترم الله ربي وأحبه ولا أخافه لأنه خلقني، أما جهنم فللكافرين والكاذبين والمنافقين.. ثم لماذا أخاف أهل بيتي ؟ فقالت الفتاة غاضبةً كأني أوقدت النار فيها فاهتزت أعصابها واستفزت وقالت بعصبية ـــ يبدو أنت منهم وتضحكين علينا ولكن سنقولها لك بصراحة سوف تدفعين الثمن إذا بقيتي سافرة، فقالت لها ــــ من تقصدين بالقول أنتِ منهم؟ من أنت حتى تهدديني سوف اخبر عائلتي وأهلي عن اسمك وعن تهديدك فإذا حصل لي أي مكروه سوف يكون الحساب أقسى مما تتصورين؟ وعلى ما رأيت أنها ارتعبت من التهديد وولت غاربة عن وجهي وتقول الطالبة ــ لكن والحق يقال ففي اليوم الثاني جاءت طالبتان من الذين كانتا بصحبة تلك الطالبة واعتذرتا قائلتين نحن لسنا معها ولكننا اكرهنا على القدوم ولقد هددنا قبلك وهناك الكثيرات ممن هددن وقسماً منهن انتقلن لجامعات أهلية ( للعلم أنا اعرف ذلك لكنني لم اكشف الأمر حينها، واعرف البعض من الطلبة الملتحين الذين يتربصون بنا نحن الطالبات السافرات ) ثم قالت الفتاة ـــ هناك البعض من مجاميع الطلبة يحملون السلاح وهم يهددون الطرف الآخر ويتدخلون في شؤون الطالبات حتى البعض منه يلوح بالاعتداء الجنسي ولكن بطريقة خفية وعندما قمت بالحديث مع البعض من الأساتذة حول ذلك ونيتي لقاء رئيس الجامعة أو أي مسؤول ومع الأسف الشديد نصحوني بعدم ذلك ثم قال البعض منهم ـــ"شلج بهل ورطة " تحجبي وخلصي نفسك منهم تره قسم منهم يعتدون ويشوهون... الخ
لكني صممت على المضي في طريقي لأني احترم نفسي واعرف قسماً من المحجبات كذباً وزوراً وبهتاناً يتصرفن بشكل مغاير لأخلاق الدين والأخلاق العامة ولا أستطيع أن اكشف كل شيء لان البعض منهن كن سافرات ولكن تم الاعتداء عليهن بأشكال مختلفة.
للعلم أنها عبارة عن حكاية من مئات الحكايات وهذه الطالبة المذكور ليست هي الوحيدة من هُددت، فهناك العشرات ممن اعتدى عليهن ولم يتم الكشف عن الاعتداءات خوف عائلات الفتيات من التشهير بهن، ولا أنهن الوحيدات بل هناك المئات ممن جابهن ظروفاً غير طبيعية بدء من التهديد والوعيد حتى الاعتداء أو تهديد عائلاتهن والكثير من العائلات مثلما نعرف احجبوا الكشف عن الأسماء أو حتى البعض من المنتمين إلى الميليشيات التابعة لبعض المنظمات السياسية الإسلامية العراقية.

الاعتداء والعنف
ـــــــــــــــــــــــــــ
إن المضي في معاقبة النساء والاعتداء عليهن قضية مستمرة ولم تنقطع يوما من الأيام فحسب التقارير الرسمية وتقارير منظمات المجتمع المدني التي تهتم بقضايا العنف فإن خُمس النساء العراقيات يتعرضن إلى العنف، وتؤكد منظمات حقوق الإنسان أن الكثير من النساء يتعرضن للعنف الجسدي والنفسي وتهضم حقوقهن ويمنعن من المشاركة في الحياة السياسية بما فيها فرض الحجاب بالقوة والعنف ومن خلال ملصقات وشعارات تحذر من لبس الحجاب بطريقة معاصرة أو بالألوان الزاهية ومنع الكعوب العالية أي بالمعنى الواضح ارتداء النقاب، وتجبر الفتيات في البعض من المناطق على الختان كما يتم تزويج الفتيات القاصرات دون السن القانوني قسراً، وقد سجلت العديد من حالات العنف باستهداف النساء في المحافظات الجنوبية والوسطية وقبل سنين أدلى العقيد عبد الجليل خلف بتصريحات كشف النقاب عن حالات عديدة من أعمال وأشكال العنف ضد المرأة بما فيها العثور على امرأة قطع رأسها وبجانبها طفلها البالغ (6) سنوات مقطوع الرأس أيضاً وأكد حينها إن " البصرة تواجه نوعاً جديداً من الإرهاب الذي يؤدي بحياة " 10 " نساء شهرياً على الأقل " وفي هذا الصدد يعثر على البعض من النساء وقد قطعت رؤوسهن وتم تشويه أجسادهن بيد مافيات وميليشيات التطرف التي تتستر بستار الدين وهي تعلن تطبيق الشريعة والتعاليم الإسلامية لكن الحقيقة أنها بالضد من هذه التعاليم والدين بريء منهم، ولم يكن الإقليم بمعزل عن هذه الجرائم فقد أعلنت شرطة اربيل مؤخراً وعلى لسان العقيد الحقوقي عبد القادر محمد عن تسجيل ( 531 ) حالة عنف ضد المرأة خلال عام 2012 وهناك دعوى قضائية سجلت بالضد من الفاعلين ولا نعرف الإحصائيات في المناطق الباقية ومن المؤكد وجود العنف بما فيها قتل النساء حيث تطلعنا الصحف في الإقليم باستمرار عن القتل أو انتحار البعض منهن.

خبر لطيف!!
ـــــــــــــــــــ
انقل لكم خبراً فريداً نقلته البعض من وسائل الإعلام عن الحجاب المدفوع الثمن أي مثل "بدل قصعة في الجيش سابقاً**" فقد ضج مجلس الشورى الإيراني على تصريح احد نوابه حول دفع بدلات الحجاب لمواطنات روسيات لأنهن يعملن في مفاعل بوشهر أو هن مع عائلاتهن وقال المندوب أن " بدل الحجاب " عبارة عن سخرية بالحجاب لأنهن يظهرن في أسواق وشوارع بوشهر " دون مراعاة الحجاب أو يرتدين " حجاباً سيئاً " أي نص ونص، أية عقلية إذا صح ذلك، أليس هو التخلف بعينه؟ أن تدفع للنساء الأجنبيات نقوداً لكي يتحجبن في مسرحية سرعان ما يغلق الستار عليها حتى يعود الممثلين إلى وضعهم السابق وهم يسخرون من عقلية متخلفة تسود وتحكم بلداً مثل إيران وشعباً له حضارة معروفة مثل الشعوب الإيرانية.
من يريد أن يبني بلداً حضارياً يتمتع الجميع بالمواطنة وبمساواة تامة لابد من أن تسن القوانين العادلة بما فيها عن حقوق المرأة المشروعة وتعاقب من يحاول التجاوز عليها لان المرأة المهضومة الحقوق لا يمكن آن تشارك بكل طاقتها الرجل في البناء والتطور، وقضية الحجاب تبقى ضمن الحريات الشخصية ولا يمكن فرضه بالقوة أو بالتهديد واعتباره شرف الرجل قبل المرأة لأن العديد من رجال الدين التنويريين لا يعتبرون الحجاب ( النقاب ) فرضاً دينياً ولهذا نرى في البلدان العربية والإسلامية تنوع الحجاب وعدم تطابقه في كثير من البلدان وهذا ما يدل انه أصبح تقليد وليس تشريع ديني الهي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ـــ البوشي: برقع اسود خفيف يغطي الوجه كان يستعمل في الموصل والبعض من مناطق العراق، وللنساء الكرديات زيهن الشعبي بما فيها غطاء الرأس
**ـــ بدل قصعة: يدفع مبلغاً بدلاً من طعام الجيش للذين لهم مهمات فنية في الجيش كالحلاقين والخياطين والمراسلين..الخ