المرأة و السياسة



حميد المصباحي
2013 / 3 / 14

لازالت المرأة في العالم العربي,و كل المجتمعات المتخلفة تعيش وضع الحيف
و انعدام المساواة بينها و بين الرجل,مما أثر على حضورها في مختلف مجالات
الحياة,و كفعالية لازالت تتعرض للكثير من العوائق في حياتها المهنية و
وجودها اليومي,بل إن الممارسة السياسة تستبعدها,رغم حضورها القوي في
العمليات الإنتخابية,التي تكون المحدد الأساسي لاختيار النظم و واضعي
التشريعات المنظمة للحياة العامة,كما أنها صارت تفرض وجودها و تميزها في
العديد من الأنشطة,فهي مشاركة في صياغة التغيرات التي تعرفها
المجتمعات,رغم أن التحاقها بالعمل,مقارنة بالأخريات في المجتمعات
المتقدمة,لم يحدث إلا بشكل جد متأخر,لكن وضعها في العالم العربي فيه
الكثير من التفاوتات,سواء في الحياة العامة أو من خلال التشريعات
القانونية و المدونات المنظمة للحياة المشتركة كالزواج مثلا,و الحق في
الزواج من الأجانب,و حق الأبناء في مثل هاته الحالات في نيل حق الجنسية,و
قد سجل الشمال الإفريقي تقدما مهما مقارنة مع الدول الخليجية و حتى بعض
دول المشرق العربي,لأن الغرب الإسلامي كما سمي تاريخيا,حضور الإسلام فيه
لم يلغ الثقافات السابقة على الإسلام,بل تفاعل معها,و حافظ على بعض قيم
القبول بالأنثى و احترام اختياراتها الشخصية و العامة,و لم ينظر للمرأة
بتلك الدونية المعروفة إلا بناء على بعض التوجهات الدينية,ذات الفقهيات
الجامدة,التي ابتليت بها المنطقة بعد ظهور الإسلام السياسي,الذي عمل
رجاله على تأبيد مظاهر الحيف تجاه المرأة,و إلباس أحكامهم لباس
القداسة,لتصير المرأة رمزا لكل الشرور و المآثم.
1وضع المرأة في المغرب
بانتصار الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية,عرف وضعها تطورات
مهمة,على مستوى القوانين المنظمة لمؤسسة الزواج و يليه من شروط التزويج
التي لم تعد معلقة بيد الأب أو الأخ أو العم,فصار من حق المرأة تزويج
نفسها بنفسها,و اختيار شريك حياتها بدون إكراهات أو إلزامات لا تراعي
إحساسات المرأة,أما من حيث السن,فقد قنن في 18 عشرة سنة,و ربحت المرأة
المغربية رهان تقرير مصيرها الزوجي و اعترف لها بحقها في السفر خارج
الحدود و أن يكون لابنها من أجنبي حق حيازة جنسية أمه,كما هو معمول به في
كل التشريعات المتقدمة,لكن هذه الرهانات,لم تؤت أكلها سياسيا,فالقوانين
خدمتها لكن ثقافة المجتمع و تقاليده الذكورية امتدت حتى للسياسيين
أنفسهم,بل حتى الأحزاب التقدمية المناصرة لقضية المرأة لم تبادر لتبوئها
مكانة اعتبارية سياسية,بدون اللجوء للكوطا الحزبية,التي حملت بعض النساء
للمؤسسات التشريعية,رغم التضحيات الجسام التي قدمتها المرأة المغربية منذ
الإستعمار و حتى بعد الإستقلال,حيث عرفت العديد من السجون المغربية
معتقلات سياسيات,و شهيدات النضال الطبقي و السياسي في تاريخ المغرب,و رغم
ذلك تتحجج العقليات الذكورية داخل الأحزاب السياسية و خارجها,بعدم
المغامرة بأسماء نسائية في العمليات الإنتخابية,لأن المصوتين لهم مواقف
مسبقة من المرأة المغربية,رغم أن أغلب الأصوات المشاركة في هذه العمليات
هن من النساء,تصويتا و مشاركة في الحملات السياسية للأحزاب,و قد أثبتت
الأحزاب الدينية السياسية قدرة فائقة على توظيف الطاقات النسائية
لصالحها,و اللواتي لم يظهرن علنا,لكنهن حاضرات في التعبئة السياسية و
العمليات الإحتجاجية المنظمة نسائيا في العديد من مراحل الصراع بما فيها
مناهضة الخطة الوطنية في الشارع المغربي.
في تونس2
رغم الحقوق المدنية و السياسية المتقدمة التي حققتها المرأة التونسية,فقد
غابت نسبيا عن المشاركة السياسية لاعتبارات موضوعية,فقبل الثورة كان نظام
الحكم التونسي بوليسيا,حد من التناوب الديمقراطي,و قلص هامش الحريات
السياسية,لكنه رغم ذلك لم يتجرأ على حقوق النساء,اللواتي دافعن في عز
قمعية المؤسسات الحاكمة على حقوقهن كمكتسبات جد متقدمة مقارنة مع كل
الدول العربية و حتى الإفريقية,بحيث لم يسمح لدعاة المحافظة باستغلال
الدين الإسلامي كمبرر للتحامل على حق النساء في الإختيارات المهنية و
الشخصية,لكن بعد الثورة,تظل هذه الحقوق مهددة بالمد السلفي,الذي لن تضعفه
إلا الحركة النسائية التونسية بمعية التنظيمات الحية المدنية و السياسية
الحداثية و الإشتراكية و كل قوى التحرر و الثورة حتى لا تعود تونس للوراء
في اختياراتها الثقافية حول حقوق النساء التونسيات,القادرات على قلب
المعادلة و التصدي للفكر السلفي الذي يريد العودة بتونس للقرون الوسطى.
3في الجزائر
يعتري الغموض القانوني حول وضعية المرأة في الجزائر ,و يرجع ذلك لما
عاشته الجزائر من صراعات ضد التيارات الدينية,لكن رغم ذلك فاختيارات
الدولة معروفة,فلا مجال لمقارنتها بدول الخليج على سبيل المثال,غير أن
جروح الماضي التي عاشتها الجزائر,خلفت الكثير من الندوب في قضية
المرأة,حيث صارت قضية سياسية,قابلة لتوظيف الحركات الدينية لها,بغية
النيل من نظام الحكم,بالبحث عن مبررات اتهامه دينيا بالتحالف مع الغرب,و
الكل يعرف حساسية الشعب الجزائري المفرطة للتعامل مع قوى الإستعمار و كل
ما يبث لها بصلة,لكن الجزائريات مدركات لصعوبة هذا الرهان,و فاعلات,غير
أن حدود الفعل السياسي منحسرةنسبيا كما حو الحال في جيرانها,فلم نجد في
الإنتخابات من الفائزات في الأحزاب السياسية نساء,بفعل العقلية نفسها و
الخوف من استغلال التيارات الدينية لكل دعوة لتعزيز النشاطات السياسية
بالمزيد من الوجوه النسائية الموجودات فعليا في المشهد السياسي المغاربي
و الفاعلات إلى أقصى الحدود في معترك الصراعات السياسية,غير أنهن لا
يجنين مكاسب سياسية مباشرة تمثيلية و أساسية في مشهد المؤسسات السياسية
للدولة.
خلاصات
لا مجال للشك في ان معركة المرأة لم تنته بعد,فهي لتوها قد بدأت بظهور
قوى الظلام الدينية و المتحاملة على كل مكاسب النساء مغاربيا و عربيا,و
على المرأةأن تخوض معركتها السياسية بتنظيمات موازية للأحزاب السياسية
التقدمية و الحداثية,حتى تفرض نفسها أكثر و تنال نصيبها من المناصب
السياسية لتساهم في تدبير شؤون المجتمعات المغاربية و تقدم بذلك نماذج
حية تاريخية و سياسية لرفيقتها في الشرق العربي و حتى الخليجي.
حميد المصباحي كاتب روائي