كل شىء بالسيف.. إلا المحبة بالكيف



امال قرامي
2013 / 4 / 16

يومئ المشهد الفايس بوكى التونسى إلى تحوّلات كبرى على مستوى أشكال التفاعل مع الأحداث والأخبار ومواقف الفاعلين السياسيين بالانتقاد الصريح أو التلميح أو التشهير أو السخرية. عاد البعض إلى المخزون الثقافى يستلهمون منه ما يمكن أن يمثّل وسيلة مقاومة: أمثال وحكم تبدو لهم متطابقة مع ما يجرى، تهوّن عليهم مظاهر نشاز تبرز تشوّهات أصابت الأذواق والخطابات، وتركيبة الشخصيات... فى حين آثر البعض الآخر الرجوع إلى الأغانى يبثّون منها ما تيسّر، علّهم بذلك يتجاوزون الركاكة والفجاجة ...أمّا الفئة الثالثة فقد رامت توجيه رسائل «تطمينية» فى شكل صور منحوتات ورسوم فنيّة إبداعية وغيرها.

وتمثّل صور الفوتوشوب شكلا آخر من أشكال التفاعل والمقاومة وهى علامة دالة على الابتكار الفنىّ المنظور إليه فى بلادنا وفق معايير لم تواكب بعد ما قامت عليه ثقافة التغيير (الراب، الغرافيتى...) من أسس.

لم يسلم الفاعلون السياسيون الذى اشتهروا من خلال أقوالهم أو مواقفهم أو أفعالهم أو حتى مظهرهم من يد محترفى فنّ الفتوشوب فبدا الغنوشى فى أثواب متعدّدة تجول بنا فى ربوع أفلام الرعب والـ«أَكشين» action والخيال السادس، بطلا يستهزئ من التونسيين تارة، يهدّدهم بامتصاص دمائهم تارة أخرى، وحدّث ولا حرج عن المرزوقى وبن جعفر ومحرزية العبيدى وسهام بادى وغيرهم.

ولا يذهبنّ فى الاعتقاد أنّ «المعارضة الراديكالية البغيضة «هى الطرف الوحيد المحرك لهذه العبة إذ برزت كتائب النهضة مسخّرة لمقاومة من سوّلوا لأنفسهم العبث بالمقدّسات والتطاول على قداسة الشيخ راشد، فلا غرابة أن تشوّه صورة قائد السبسى الذى بدا شيخا متصابيا حينا وداهية آت من الزمن البعيد حينا آخر، ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى الناشطة السياسية مى الجريبى التى أبرزتها صور الفوتوشوب فى مظاهر شتّى تنوس بين الطفلة العاجزة عن بلوغ الرشد وصولا إلى اليهودية المتآمرة ضدّ البلاد.

وما إن صدرت أوامر رئيس الجمهورية المنصف المرزوقى تتوعّد من تسوّل له نفسه التطاول على دولة قطر حتى انطلقت طاقات المبدعين من عقالها. فأمير قطر بدا اليوم فى صورة راقصة شرقيّة قبيحة ومبتذلة: كتلة لحم بشعة لا انسجام فى الأعضاء ولا تناسق فى الحركات، وأمير قطر لقب «بالبغل» وهو معدّ للتسليع والبيع ترافقه فى ذلك «موزة بنت سند...، وأمير قطر ترفع فى وجهه: «أنا نتطاول على أمير قطر... وإنت وقتاش»، وأمير قطر يواجه فى صورة أخرى بـ«بداية الذلّ...قطر».

الصور كثيرة ولا يتّسع المجال لعرضها غاية ما أردنا الإشارة إليه أنّه ما عاد بالإمكان فى ظلّ عولمة الثقافة وتعدّد وسائل التواصل والتعبير، تكميم الأفواه وترغيب التونسيين تحت التهديد، فى أمير قطر. ما كان أغنانا عن هذه الحرب الفايسبوكية ضدّ أمير قطر ومن يتوعّد المتطاولين من أبناء بلاده بالعقاب مذكّرا بـ «بكلّ حزم»... ألم يكن من الأجدر معالجة قضايا تتصل بالسيادة التونسية فى ظلّ تبعيّة باتت مرئية، والنظر فى المديونية، والعنف والإرهاب وقضايا المهمّشين والعاطلين والاغتيال السياسى، والافلات من العقاب.... وغيرها.

كنّا ننتظر من رئيس دولة أن يخبرنا عن الاجراءات المتّخذة لمعاقبة من يتطاول جهرا وبالفعل على قيم الجمهوريّة، وسيادة القانون، واستقلال القضاء،ومن يهدّد أمن العباد والبلاد، كنّا ننتظر أن تكون معالجة أزماتنا الداخليّة تتصدّر أولويات رئيس الدولة، وكنّا نتوقّع منه أن يكون أشدّ حرصا على حماية كرامة التونسيين والتونسيات... ولكن ولئن تغلّب حبّ قطر على حبّ تونس لدى بعضهم فإنّه ليس بإمكان التونسيين الوقوع فى غرام أمير قطر فـ«كلّ شىء بالسيف.. إلاّ المحبّة بالكيف».