ثبان بدوان أقصر من ثبان جيسي ولا إحراج .



سعيد الكحل
2013 / 6 / 7


أثار ظهور المغنية جيسي جي بثبانها على خشبة موازين وشاشة القناة الثانية انتقادات تذهب من السخط والغضب إلى السخرية والتهكم . وما يهم من كل السيل المتفق لتعاليق الفيسبوكيين هو عمق الشرخ السكيزوفريني الذي تحمله الشخصية العربية عموما والمغربية على وجه الدقة . وقد عبرت بعض تعليقات الفيسبوكيين عن هذا الفصام بعرض صور مركبة تظهر فيها البطلتان المغربيتان : نزهة بديوان ونوال المتوكل بلباسهما الرياضي لحظة الفوز بالسباق ، إلى جانب صورة المغنية جيسي جي بثبانها الذي لا يختلف في شيء سوى اللون عما ترتديانه البطلتان ، بل ثبان بدوان أقصر . وتحت الصورة برزت عبارتان تشير إحداهما لثبان بدوان "هذا حلال" فيما العبارة الثانية تشير إلى ثبان جيسي بـ "هذا حرام" . ويستفاد من ردود الفعل أن موازين التعامل مع جسد النساء ولباسهن يختلف باختلاف الوضعيات . مما يعني أن الوضعية التي توجد عليها الفنانة تختلف جذريا عن تلك التي توجد عليها السبّاحة أو العدّاءة أو المتزحلقة على الجليد أو سائحة أجنبية . كل هذه الوضعيات تستدعي خلفية فكرية وثقافية معينة تجعل المشاهد/المتفرج يتفاعل مع الهيئة التي تظهر عليها المرأة (البطلة أو المغنية أو السائحة) إيجابا أو سلبا ، عاطفيا أو غريزيا ، عقلانيا أو شهوانيا . فأن يتتبع الجمهور المنافسات النسائية في العدو أو السباحة أو القفز العلوي وهن بلباسهن القصير تتراجع النظرة الغريزية/ الشهوانية لصالح النظرة العاطفية /الوطنية الجياشة التي تستبعد كل خلفية جنسية . فتصبح البطلة رمزا للوطن لا رمزا للجنس . فلو ظهرت جيسي جي بنفس "الكولوط" كبطلة رياضية على أرضية الملعب الأولمبي بالرباط ، ما كانت لتثير هذا السيل من الانتقادات . فالعيون هي العيون ، والجمهور هو الجمهور . فالذي "صدم" في جيسي جي جزءا من الجمهور ، ليس "الكولوط" بالتحديد ، بل مخالفتها للمتوقع منها على خشبة الغناء . فالبطلات الرياضيات لا يفاجئن الجمهور بلباسهن الرياضي لأنه مألوف ومُتوَقّع ؛ بل قد يفاجئنه بلباس مخالف . فكذلك خطيب الجمعة الذي يتوقع منه المصلون أن يظهر بلباسه التقليدي (الجلباب) سيصدم المصلين لو اعتلى المنبر بسروال قصير يستر ما بين الصرة والركبة . والمفاجأة قد تكون مفرحة وقد تكون مقرفة حسب المتوقع من الشخص المعني . والأساسي مما إثارته الفنانة جيسي جي بثبانها أنها وضعت الجمهور وعموم الشعب المغربي أمام مفارقات صارخة أبرزها :
1 ــ الانتصار للفضيلة وهي هنا "ستر عورة المرأة " يوحي بأن المواطنين أشد حرصا على احترام المرأة في أبعادها الجسدية والنفسية والعقلية والعاطفية . لكن الممارسة اليومية تثبت أن هذه المرأة ضحية لكل أشكال الاستغلال : الجنسي ، الاقتصادي ، الاجتماعي . فالذين يرفعون أصواتهم تنديدا بثبان جيسي جي هم من تمتد أيدي وألسن غالبيتهم تحرشا بالمرأة ونهشا لأعراضها في الشارع العام . ولعل معدلات العنف ضد النساء ، أو حالات الاغتصاب أو زنا المحارم تكشف فصام الشخصية المغربية ونزعتها الأخلاقوية .
2 ـ الانتصار للقيم الأخلاقية والدينية يقتضي ترجمتها في السلوك والمعاملات . فكثير من ردود الفعل المستنكرة لثبان جيسي جي استندت إلى التحديد الدستوري للدولة المغربية كدولة إسلامية . بمعنى أن ما قامت به هذه الفنانة يتنافى مع الأسس الدينية والدستورية للمغرب . في حين لم يسأل المستنكرون أنفسهم عن مدى تمثلهم للإسلام كدين ومبادئ وأخلاق في سلوكهم اليومي ومعاملاتهم ، بدءا من إماطة الأذى عن الطريق وإمساك المرء يده ولسانه عن أذية الناس وانتهاء بالوفاء بالعهد وأداء الأمانة/المسئولية .
3 ـ شعار الحداثة لا يتجاوز الحلقوم والمظاهر دون أن يتحول إلى قيم وقناعة تسمو بالأفراد من وضعية التبعية والوصاية حيث يفقدون الاستقلالية الفكرية ، وبالتبعية الكرامة والإرادة ، إلى وضعية المواطنة الحرة التي تضمن للفرد كرامته وتصون حريته في إطار المسئولية الأخلاقية والقانونية . فمن يخرق الصف في الإدارات ليتقدم غيره ، ومن يتخطى رقاب المصلين في المساجد ليحتل الصفوف الأمامية ، ومن يتسلط على غيره أو يستبد برأيه لا يمكنه الحديث عن الأخلاق ولا ادعاء الغيرة على الدين أو الوطن ، ولا حتى رفع شعار الحداثة أو التغني به .
4 ـ إن مظاهر الانفتاح التي نراها في الشارع العام والبرامج المتلفزة لا تصل إلى عمق الإنسان المغربي فتحقق له الانسجام الفكري والنفسي . وقد أظهرت ردود الفعل على لباس جيسي أن المجتمع المغربي "مجتمع محافظ" ومتشبث بقيمه الأخلاقية . وهذا جواب قوي للذين ينصبون أنفسهم أوصياء على المجتمع وحراسا للأخلاق وسدنة للقيم . فمهما تعددت مظاهر الانفتاح (اللغة ، اللباس ، الموسيقى الخ) فإن المغربي ، في عمقه محافظ . ولعل إثارة الضجة حول لباس الفنانة جيسي جي يكون من بين أهدافه الرئيسية تصفية الحساب مع الجهة المنظمة "لمهرجان موازين" . إذ في كل دورة من دورات هذا المهرجان تثار ضجة ضد حادث ما . وقد عكست تعاليق الفيسبوكيين ألا فرق بين الحداثي وبين الإسلامي من حيث زاوية الانتقاد للمهرجان وللباس جيسي جي . فكلاهما وظفا الدين والأخلاق والتبذير لمهاجمة المهرجان .