المرأة العربية بين تأله الذكر و الاله البشر



حنان بن عريبية
2013 / 7 / 31

المرأة العربية بين تأله الذكر و الاله البشر

رغم ملكة الفهم للعقلانيين العرب ووعيهم أن وضعية المرأة العربية تعيق التقدم نحو مسار الحداثة و التمدن، و رغم محاولة السعي الدائم لإخراجها من متاهة الفقه الذكوري، تبقى النزعة الدونية للمرأة متجذرة في اللاشعور العربي تقطع مع كل تيار فكري ينصفها جاعلا منها موضوعا للبحث و محررا إياها من جدلية دينية و مجتمعية تصب كلها في منظومة الجسد.
من أهم العوائق الابستيمولوجية وجود نساء يتفاخرن بعبوديتهن و اذلالهن، مرحبات بكل الأذواق الفقهية التي تمارس عليهن و التقليل من شأنهن. وهو ما يدعو لتساؤلات عديدة : لم ترسخت نظرية الاحتقار للمرأة في الضمير الجمعي على المستويين الديني و المجتمعي رغم وجود عناصر من شأنها أن تطلق المرأة العربية من قمعها و تحررها من عقدة الانصياع التام لأهواء جلادها، بدءا بحديث الرسول "النساء شقائق الرجال" وصولا لدحض فكرة النقصان التي كانت جلية في سورة النمل في وصف رجاحة عقل ملكة سبأ رغم كفرها، إضافة للحادثة الشهيرة في رجوع الرسول لأم سلمة في أمور المسلمين رغـم دقة و أهمية الموضوع انذاك المتعلق بصلح الحديبية. هل هو الخوف من المرأة أم الخوف عليها كما يروج الدعاة ؟ و هل أن صمت المرأة العربية و المسلمة بصفة عامة هو قصور في التبليغ عن ألامها و فكرها كانسان كامل أم الخوف من المجتمع الذي يعتبر صرخة المرأة خروجا عن الشرائع الدينية بإطلاق صفارات الأحاديث المنسوبة لرسول اعتبرها حسب ادعاءاتهم عنصرا غير مرحب به في أنشطة تجمع بينها و بين الرجل باعتبارها محتقرة و دون الذكر. فهي مصدر البلاء و الفتنة و الشرور بموروث عقائدي توراتي بحت يعتبرها الخطيئة الأولى و نجسة كما جاء في سفر اللاويين الاصحاح الثاني عشر 1-7، ليدعمه أبو هريرة بتصنيفها مع الكلب و الحمار اللذين يقطعان صلاة الرجل و معظم الفتاوى التي فيها حط و تحقير شديد لها. و لو أن الفقهاء في تبنيهم لرواية قطع الصلاة اقتصروا على حيثيتها الأولى مهملين معطى هاما مغيبا يتمثل في رد السيدة عائشة الذي فيه الكثير من السخط و الغضب على هذا التصنيف.
و رغم ثبوت أن النص القراني لم يحمل وزر نجاسة المرأة باعتبار جوهرها نجسا بل اعتبر حيضها عملية طبيعية فيه أذى يجب فقط التطهر منه حسب الآية 222 من سورة البقرة و هو شيء يتعلق فقط باحترام فيزيولوجية المرأة لا تحقيرا لها.
إن التمعن في كل التناقضات التشريعية خاصة تلك المنسوبة للرسول يقودنا الى ملاحظة عدم تطابقها مع النص القرآني الزاخر بالرموز و الإشارات و التأويلات، باعتبار القران المصدر الأصلي للتشريع الإسلامي. نجد في قراءة بدائية أو الأحرى قراءة الفقهاء الاخذ بحرفية بعض الآيات القرآنية التي فيها الكثير من اعتبار المرأة دون الرجل كالقوامة أو الميراث أو الضرب، مما يكون لدى المرأة شعورا بقمعها ككائن بشري كامل من قبل خالقها.
ان جوهرية النص و البحث في أسباب النزول تجعلنا على دراية تامة بالتفريق بين عقدة التأله البشري لدى الذكر و وبين اله البشر، مما يعطي شرعية لفكرة التدرج في النص القرآني و اعتباره نقطة انطلاق. و ما يدعم هذه الفكرة منظومة أسباب النزول، فالمتغيرات المجتمعية لا تجمع بين وضع المرأة في الجاهلية و بين امرأة القرن الواحد و العشرين، خاصة بالمقارنة بالمرأة في المجتمعات الغربية التي تحررت من الضغط الديني في كتابها المقدس المشبع بالكثير من التحقير لشأنها.
بالرجوع للقران الذي فيه جوهر الإنصاف و تساوي المرأة و الرجل بخطاب الله للمؤمنين و المؤمنات القانتين و القانتات و الحافظين و الحافظات، خطاب تكليف لا يفرق بين الذكر و الأنثى باعتباره الها عادلا رحيما و منصفا بالنقيض من الذكر الاله الذي أنتج لنا فقها ذكوريا مستند في معظمه إلى موروث توراتي كما أشرت سابقا.
إن تمازج الجانب الديني بالمجتمعي في معاملة المرأة العربية فيه الكثير من الفضح لهشاشة الرجل الشرقي خاصة عندما تعامل المرأة كأداة تغلق عليها جميع منافذ الخروج من إطار سلطة الرجل. و هذه الهشاشة و الهزال الفكري يبدوان جليان في تموقع السلطة الأبوية التي مع الأسف لم تتحرر منها الشعوب المسلمة، خاصة في تجذر هذه الفكرة عند المرأة نفسها التي تسعى دوما للسير في فكرة المغلوبة على أمرها و تطبيقها في تمييز الابن على البنت لتتوارثها الفتاة من أمها و تكبر بذهنية المستعبدة لا الحرة، مما يزيد تشعب الهيمنة و السيطرة الذكورية عليها و الحط من شأنها، مما يفسر استشراء جرائم الشرف و العنف المادي و المعنوي المسلط على المرأة، أين تتحول فيه الضحية متهمة عليها تحمل قهر الرجل و عدم المساس بحرمة المجتمع الذكوري ذي المنطق ألفحولي الذي لا يغلب. هذه المنظومة التي ترفض المرأة المتزنة و الحرة التي تجد في الرجل المهذب و الرقيق و المحترم لكينونتها كإنسانة كاملة ملاذا نقيضا لنظرية المستعبدة، و التي تجعل من صراخ الرجل و قمعه و افتخاره بعدم تكافؤ ميزان القوى العضلية إعجابا بفحلها خاصة و أن الفقه الذكوري يتهم الرجل الذي يرحب بفكرة المساواة بنعته بالديوث. وهو فضح أخر لعجزه. فالرجل الشرقي يخاف المتمردة و الحرة التي تفضح ضعفه، و هذا محصلة ذهنية الذكر الفحل لا ذهنية الرجل الإنسان.
المرأة ككائن يشارك في عملية الإبداع والخلق هي مشروع مؤجل لبناء حقيقة تمس فحولة الرجل و تهز عرش السراب الذي يتربع عليه و يتوهمه. لذا نجده دائم السعي لغلق منافذ الحقيقة التي يستبطنها اللاشعور عنده والتي تتفرع إلى الخوف من المرأة عن طريق تأصيل فكرة الدونية. فاللاشعور المرضي هو من يجعل قطعة قماش تدل على العفة و الطهارة ، و لو أن عمليات التحرش و الاغتصاب التي تقع على رضيعات و قصر بمن في ذلك محجبات و منقبات فيها الكثير من الارتجاج لهذه المنظومة.
إن المرأة العربية هي من يجب أن تبادر إلى معالجة اللاشعور المرضي لفكرة الدونية لدى الرجل و المجتمع و جعله يطفو على السطح بما أنه أصل المرض كما جاء في التحليل النفسي الفرويدي و تحررها هي أيضا من فكرة النقصان لتخرج بكل ثقة صارخة ثائرة، لا خانعة خاضعة لفكرة الملكة التي يهديها ملكها سجنا ترى أنه قلعة العز و المجد.
و بالرغم من انتشار التحرش و الاغتصاب وهي مسائل تصنف ايضا في اطار التابو نرى كيفية تأصل الفكرة الدونية و ضربها لكل التجارب الفردية للمرأة التي تجمع بين الحسي و الأخلاقي ابتداء بالبيت وصولا لمرحلة التمدرس و الخروج للمجتمع و التكتم على الأفعال التي تنخر مؤسسات المجتمع بتجذر الدونية عند من يفترض أن يجعل منها امرأة تواجه مجتمعا ذكوريا متربصا بها لنطالب في ما بعد بتربية سوية و امرأة مجتمع حقيقية و متزنة. نحن أمام مسألة حساسة في غاية الأهمية وهي ذهنية المرأة الشارع بقطعها فقط للشارع فالمرأة تشكل خطرا و فتنة وجب حمايتها بمنطق الرجل الشرقي بتشويه كل معالم الجمال الحسي و الروحي لديها لتتغذى بلعنة أنها امرأة أنثى.
بقلم حنان بن عريبية