قتل النساء فى ظل غياب القوانين



لمياء لطفى
2005 / 5 / 16

خرج للنور مؤخرا إحصائية عن منظمة الصحة العالمية تقرر أن 70% من القتلى سنويا نساء، ولا تشمل هذه الإحصائية القتلى فى ظروف الحرب والمجاعات وغيرها، وتطالعنا الصحف كل يوم بنساء يقتلن فنرى رجلاً يضرب زوجته حتى الموت لكثرة خروجها من المنزل، وآخر يقتلها ويعلقها فى مروحة السقف لخلافاتها الدائمة مع أسرته، وشباب يختطفون فتاة ويغتصبونها حتى الموت، وآخر يقتل سيدة انتقاما منها لأنها أهانته، ولم يغب عن الأذهان بعد حادثة سفاح البساتين الذى قتل زوجته وصديقه وأولاده الأربعة لشكه فى سلوك زوجته، ومؤخراً ارتكب رجل جريمة بشعة: قتل ثلاث أخوات، وعندما تم القبض عليه برر جريمته بالشك فى سلوكهن: وأصبحت هناك كلمات سحرية يأمل بها القاتل فى الحصول على حكم مخفف "الشك فى السلوك، الخلافات الزوجية، الإهانة أمام الأبناء ... الأمثلة لا تنتهى. كلها أسباب تبدو شديدة الاختلاف إلا أنها تقع تحت عناوين عريضة:
الموروث الثقافى الذى يبيح للرجل قتل المرأة لدوافع واهية باعتبارها ملكية خاصة،قتل النساء للشك فى سلوكهن حتى ولو لمجرد تكرار خروجهن، فيما يسمى "بجرائم الشرف"، غياب القوانين الرادعة لمرتكبى بعض جرائم القتل، غياب قانون يواجه العنف ضد المرأة يراعى خصوصية المرأة فى المجتمع.
هل هذه فقط هى الأسباب؟ هل للمتخصصين والمهتمين بقضايا المرأة رؤية مختلفة للموضوع؟ دعونا نضع القضية أمامهم، ونحاول معرفة أسباب ما يحدث، ربما أوصلنا هذا الى حلول، أو على الأقل إلى رؤية واضحة يمكننا تلمس الحقيقة من خلالها.
تعلق د. عفاف مرعى، استشارى التنمية وخبيرة الشبكات، على هذه الظاهرة بأن ظاهرة العنف ضد المرأة بشكل عام موجودة بقوة، وهناك العديد من الأسباب التى تجعل النساء أكثر عرضة للقتل، فهناك من يمتن نتيجة لعملية الختان أو التعرض للضرب المبرح من الزوج أو أحد أفراد الأسرة والذى يؤدى للموت، حتى إنه هناك ما يعرف بظاهرة اختفاء النساء، والتى تجعل نسبة النساء ستا وتسعين امراة لكل مائة رجل رغم أن النسبة الطبيعية هى 106 امرأة لكل 100 رجل، وهذه الزيادة الطبيعية تكون نتيجة للميزة البيولوجية الطبيعية التى تجعل النساء أكثر قدرة على تحمل الظروف الصعبة منذ كونها جنينا، وهذه الظاهرة تنبهت لها باحثة مصرية بعد نشرها فى تقرير التنمية البشرية الذى أصدره البنك الدولي فى أواخر التسعينيات، فقامت بعمل بحث اكتشفت من خلاله أن 11% من تعداد النساء متن لأسباب تميزية فى أعمار مختلفة ، وأسباب ذلك كثيرة سواء أسباب اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية. وهذه الظاهرة تظهر أكثر فى المناطق العشوائية فنسبتها حوالى 13 % وفى المناطق الراقية 4%.
وعن دور مؤسسات المجتمع المدنى تقول د. عفاف: إن قوة المجتمع المدنى تزايدت بعد مؤتمر السكان، ولكن تظل النسبة ضئيلة، فالجمعيات المهتمة بحقوق المرأة وتوعية المجتمع تعد بالمئات فى وسط آلاف الجمعيات الخدمية والدينية والتى تهتم بفتح عيادات ومستشفيات، فنحن بحاجة لزيادة عدد الجمعيات المهتمة برفع وعى المجتمع والمهتمة بقضايا المرأة، وأكدت د.عفاف على دور الاعلام وأهمية تبنيه لقضية العنف ضد المرأة، لأنه أكثر الوسائل تأثيراً على نطاق واسع من المجتمع؛ فالجمعيات تقوم بعمل لقاءات مباشرة مع المواطنين، ولكن سينتج عن هذه اللقاءات التأثير فى عدد محدود من المواطنين.. بضع مئات من بين ملايين، وستحتاج هذه الطريقه للكثير من الوقت والجهد.
وعن دور الجمعيات والاتفاقيات الدولية فى الحد من ظاهرة قتل النساء ترى د.عفاف أن لهذه الاتفاقيات دور كبير ولكنه يحتاج إلى وقت طويل لاحداث تغيير، وهذه هى سمة العمل الذى يهدف إلى التغيير الاجتماعى والثقافى، ومن أهم مميزات هذه الاتفاقايات إلزامها للحكومات لتغيير وضع المرأة، وفى رأيى أن من أهم لجان الأمم المتحدة لجنة "السيداو" التى تناقش باستمرار الحكومات فى الشراكة بينها وبين الجمعيات الأهلية وتوفير الدعم المادى لها ومشاركتها فى التخطيط والسعى لدعمها إعلاميا.

د. هدى ذكريا، أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة الزقازيق، تؤكد أولا على تحفظها على اعتمادنا إحصائية دولية للحكم فهى ترى أنها لا تمثل بشكل دقيق حال المرأة محليا وإقليميا؛ لذلك فهى ليست كافيه وحدها لإصدار حكم موضوعى، وعن أسباب كبر هذه النسبة تقول إن المرأة ضحية لبعض المفاهيم كمفهوم الشرف خاصة فى المجتمعات التى تعلق شرفها على جسد المرأة وعفتها، وتطالبها أن تكون حارسا على جسدها، فيصبح العنف مرتبطا بالبطولة والفخر، لذلك تظل عالقة فى الأذهان مقولات كمقولات يوسف وهبى " شرف البنت زى عود الكبريت، وتصبح جزءا من ثقافتنا. وهى ترى أن العنف فى المجتمع ناتج عن تقسيم العمل الاجتماعى فيتم حصر الرجال فى أدوار ومهن معينة، وحصر النساء فى أدوار ومهن معينة، وكانت نتيجة هذا الحصر أن حظى الرجل بالأدوار الأفضل فى المكانة والمادة، وحظيت المرأة بأدوار خدمية ثانوية لا توفر لها مكانة ولا تدر عليها ربحا، فارتبطت الملكية بالرجل وأصبح من حقه .. التعبير عن مشاعره سواء مشاعر الحب أو الغضب، واتسم هذا التعبير عن الغضب بالعنف الموجه للمرأة والأبناء خاصة مع فرض سيطرة الرجل على كل أشكال السلطة، فحتى الأبناء يملكون السلطة على أمهاتهم، وتطور العنف من لفظى إلى استخدام اليد فى الضرب وأصبح المجتمع يقبله، واستشرت تعبيرات مثل الرجل اللى قانيها أى مالكها، وهذا أعطاه حرية التصرف فى ممتلكاته، وترى د. هدى أن نسبة العنف الأكبر تحدث فى المجتمعات الأدنى فتزداد النسبة فى المناطق الفقيرة والعشوائية، وفى الريف أكثر من المدن.
وتنوه د. هدى إلى أن ارتباط العنف بالتأديب أعطى للرجل الحق فى ممارسة العنف علي النساء دون ان يتعرض لمساءلة، وأصبحت إدانة المجتمع لهذا العنف إدانة واهية، كما تقول د. هدى أن مسألة الرجولة والذكورة ارتبطت بالعنف، فإذا شعر الرجل بنقص فى رجولته نتيجة للضغوط الاجتماعية أو لتطور وضع المرأة اتجه للعنف لتكملة هذا النقص وليصبح مثالا مطابقا لمثال الرجل الذى يفرضه المجتمع، وأشارت فى هذا الشأن إلى أن هناك دراسة أمريكية أثبتت أنه كلما تزوج رجل من سيدة أعلى منه فى المكانة أو الدخل زاد معدل ممارسته للعنف ضدها.
ترى الأستاذة هالة عبد القادر، المحامية ومدير مشروع شبكة مناهضة العنف ضد المرأة بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، أن تهاون القانون وعدم ردع الجناة من أهم أسباب تفشى هذه الظاهرة، فمثلا فى حالة جرائم الشرف والتى تتيح للقاضى استخدام المادة 17 من قانون العقوبات، والتى تمنحه سلطة تقديرية لتخفيف العقوبة على الجانى فى حالة قتله أخته أو أمه أو زوجته أو إحدى قريباته فى حالة شكه فى سلوكها، تجعل العقوبة فى هذه الحالة غير رادعة مما يشجع الجناة على القتل. كذلك مادة الزنا، فهى تخفف العقوبة على من يقتل زوجته وتجعل العقاب غير مناسب للجريمة، مما يتيح للجانى الفرار بجريمته دون عقاب رادع، كما أن القانون يتعامل وكأن الوضع الطبيعى فى العام والمجمل أن الرجل حارس على المرأة سواء زوجته أو ابنته أو أخته أو أمه وفى هذه الحالة فهو مسئول عنها وهو الذى يقرر أهمية وجودها فى الحياة ومدى الجرم الذى ترتكبه، بل ويحدد العقاب الذى تستحقه. كما تحدثت عن غياب قانون يحمى المرأة ضد العنف الأسرى وإنما يخضع الجانى للقوانين العادية بإجراءات التقاضى المعقدة والتى تجعل كثيرا من النساء يتراجعن عن اللجوء للقضاء. وعن دور الجمعيات الأهلية تقول هالة إنه من خلال شبكة مناهضة العنف ضد المرأة سيتم تقديم مشروع لمجلس الشعب للمطالبة بتشديد العقوبة فى جرائم الاغتصاب، والزنا، وجرائم الشرف لتكون عقوبات رادعة تقلل من العنف ضد المرأة ومن ظاهرة قتل النساء