المرأة العربية في إسرائيل



يوسف عودة
2005 / 5 / 23

تمارس إسرائيل ومنذ إعلانها عام 1948م، سياسة عنصرية ضد الأقلية العربية في إسرائيل. وهذا بالطبع منافي للديمقراطية التي تدعي إسرائيل إنتهاجها، فهي تعتبر نفسها الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمارس الديمقراطية وتعتبرها نهج حياتها. وهذا غير دقيق اطلاقا خاصة وان معاملتها لبعض فئات سكانها تمتاز غالباً بالعنصرية، والعرب في إسرائيل هم جزء من هذه الفئات، فمع نشوب حرب 1948 طرد الكثير من الفلسطينيين والفلسطينيات من أراضيهم وديارهم ولم يبقى في الأراضي الفلسطينية إلا (150) ألف عربي من مجموع ما يقارب المليون، كانوا يعيشون في أراضيهم التي أحتلها اليهود في تلك العام. وبهذه الحرب فقد تحطم الوجود العربي الفلسطيني خاصة في المدن، ومن هذا نستنتج أن العرب الذين بقوا داخل أراضيهم هم من سكان القرى، حيث كانت حياة هؤلاء السكان تمتاز بضعف الروابط الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وحتى السياسية، وذلك لأنهم ومنذ 1948 وحتى عام 1966 كانوا تحت نظام الحكم العسكري، الذي نجح في عزل الأقلية العربية عن أي نشاط اقتصادي، إجتماعي، سياسي...الخ، ولكن على الرغم من هذه الفترة القاسية، وعلى الرغم من النجاح في عزلهم إلا أنها لم تنجح في دفع العرب إلى ترك أراضيهم واللجوء للدول العربية المجاورة أسوة بسابقيهم، بل العكس ازداد العرب تشبثا بأرضهم وبدأوا بعد العام 1967 بالعمل على خلق هوية مستقلة لهم مما أدى بالحكومة الإسرائيلية آنذاك إعطائهم بعض الاهتمام خوفا من أن يتم تطورهم بمعزل عن المصلحة الإسرائيلية.

وبهذا بدأ العرب بأخذ بعض حقوقهم التي لم تصل إلى حد المساواة مع اليهود حتى الآن، وفي منتصف السبعينات بدأ العرب بالمطالبة بحقوقهم، وتجلى ذلك بوضوح من خلال احتجاجاتهم، كما حدث في مظاهرات 30/3/1976، والتي أصبحت تعرف فيما بعد بيوم "الأرض"، ولكن وعلى الرغم من هذه الاحتجاجات إلا أن حقوقهم بقيت منقوصة حتى يومنا هذا، وبالطبع المرأة العربية في إسرائيل عانت كما عانى الرجال من هذه السياسات العنصرية والتي امتدت منذ نشوء إسرائيل وحتى وقتنا الحاضر، ويتضح هذا من خلال التقارير التي صدرت عن المنظمات غير الحكومية في إسرائيل وغيرها من مراكز الأبحاث، والتي تدور حول تطبيق إسرائيل لميثاق الأمم المتحدة والمتعلقة بإزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة على الرغم من مصادقة إسرائيل عليها (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عام 1991). حيث ان هذه الاتفاقية تنص على أعطاء المرأة حقوقها كاملة أسوة بالرجل، وعدم التمييز بينها وبين الرجل في أي مجال، وذلك لأن وجود مثل هذا التمييز يعتبر بحد ذاته انتهاكا لمبدأي المساواة وكرامة الإنسان، ولكن في إسرائيل الوضع يختلف كثيرا عن الدول الأخرى، ويظهر هذا الاختلاف بوجود هوة كبيرة بين وضعية النساء اليهوديات وبين النساء الفلسطينيات في إسرائيل في كافة المجالات، ولعل السبب الرئيسي في ذلك يكمن في عدم وجود قانون، دستور ينص بشكل واضح على حقوق المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، وبالطبع هذا الشيء يحول دون إعطاء المرأة العربية حقوقها أسوة بالمرأة اليهودية.

فعلى الرغم من أن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل يشكلون نحو 20% من سكان الدولة، إلا أنهم لا يشكلون إلا 5.5% فقط من القوى العاملة في خدمات الدولة حسب إحصائيات العام 2003. هذا وقد هبطت نسبة النساء الفلسطينيات العاملات في خدمات الدولة من 2% إلى 1.7% في العام 2003، ووصلت نسبتهن في العام 2004 كأعضاء في مجالس الإدارة في الشركات الحكومية إلى 1.3% فقط. ويتضح من هذا أن مشاركة المرأة العربية بالقوى العاملة في إسرائيل قليلة مقارنة بالمرأة اليهودية، وذلك حسب الإحصائيات الرسمية، وبالتالي فأن هذا يعني وجود فوارق عميقة بين النساء اليهوديات والنساء العربيات في شتى المجالات.

فمثلاً تزيد نسبة النساء العربيات العاملات في مجال التعليم عن النساء اليهوديات (38% للنساء العربيات مقابل 19% لليهوديات) ولكن هذا على العكس من مجال الخدمات المالية والتجارية، والتي تبلغ 7% للعربيات مقابل 17% لليهوديات. والسبب في ذلك يعود إلى أن النساء العربيات في إسرائيل يواجهن تحديا كبيرا ينجم عن كونهن أقلية في إسرائيل هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هو كونهن نساء في المجتمع العربي التقليدي. وبالطبع هذا الشيء مكن أصحاب العمل في إسرائيل من التمييز في الاختيار، ليس هذا فحسب، بل فرضوا على العاملات أجور قليلة وشروط سيئة دون مستوى المعايير التي حددتها الدولة في القانون الدولي لحقوق الإنسان.

ولعل التمييز بين النساء العربيات والنساء اليهوديات في مجال العمل يظهر بوضوح من خلال عملهن في مجال الخدمات الحكومية، حيث تبلغ نسبتهن في هذا المجال 97.3%، تعمل 82% منهن في وزارة الصحة، هذا ولا تعمل أي أمراة عربية في الوزارات التالية: العلوم، الخارجية، الأمن الداخلي، الموصلات، البنى التحتية، البناء والأسكان، السياحة والإعلام. فقط تعمل موظفة عربية واحدة في كل من وزارة الأديان ووزارة جودة البيئة، وهنالك عربيتان فقط تعملن في وزارة الصناعة والتجارة.

وأما بالنسبة لعمل النساء في الجهاز القضائي، فأن إحصائيات العام 2003 تشير إلى أن نسبة العاملات في هذا المجال وصلت إلى 40.9%، بينهن 198 أمرأة يهودية (80.2%)، وست نساء عربيات فقط (2.4%).

وأما في المجال التعليمي في إسرائيل، فأننا نرى أن هنالك فارق كبير بين تعليم النساء العربيات ونظيراتهن اليهوديات. فمثلاً تبلغ نسبة الأمية بين النساء العربيات 14.7%، في حين لا تتجاوز 4.5% بين النساء اليهوديات حسب إحصائيات العام 2003. وأما التعليم الجامعي، فأننا نلاحظ ان نسبتهن أقل مما هو عليه لدى مجموعات السكان الأخرى، فمثلاً 7.1% من العربيات تلقين 16 سنة من الدراسة أو أكثر، أما اليهوديات اللواتي تلقين نفس الفترة من الدراسة فتبلغ نسبتهن 19%.

وأما في المجال الصحي، فنرى أن نسبة متوسط أعمار النساء العربيات يقل بأربع سنوات عن النساء اليهوديات، وبالطبع هذا نتيجة عدم حصولهن على الفحوص التشخيصية الملائمة المتعلقة بقضايا الصحة النسائية والتي هي أقل من نظيراتهن اليهوديات، فقد أظهر استطلاع للرأي أجري من قبل الاتحاد الأوروبي وبمساعدة وزارة الصحة الإسرائيلية، أن 31% من النساء العربيات الفلسطينيات في إسرائيل اجرين فحصا للكشف عن سرطان الثدي مرة واحدة على الأقل مقارنة بـ 49.5% من النساء اليهوديات. هذا عدا عن التقصيرات الصحية في القرى غير المعترف بها من قبل الحكومة حتى العام 2001، والتي تم فيها أفتتاح 6 عيادات للأم والطفل في كل واحدة فيها طبيب وممرضة، وذلك بعد الدعوى القضائية المرفوعة من قبل هذه القرى لمحكمة العدل العليا في إسرائيل.

وأخيراً نستطيع القول ومن خلال هذه الإحصائيات بأن إسرائيل تمييز بين مواطنيها على أساس القومية، وعليه فأنها تمييز بين المرأة العربية والمرأة اليهودية، وذلك لأن علاقتها بالمواطنين العرب لديها هي علاقة إحتلالية، خاصةً وأنها ترى أن مشاعرهم وأحاسيسهم تختلف كثيراً عن مشاعر وأحاسيس اليهود. لذا فأن قطاعات كبيرة في إسرائيل تدعو إلى عدم تطوير أوضاعهم، وقد أيد هذا موشيه آرنس "أحد أقطاب الليكود ووزير الدفاع السابق" حين أكد أن اندماج العرب في إسرائيل يعني أن عليهم الشعور بالانتماء للدولة ولطابعها اليهودي، وكذلك الشعور بأهمية التجربة اليهودية زمن الاضطهاد النازي.