تونس و مشروع جرائم الشرف الذكورية



حنان بن عريبية
2013 / 11 / 26

تونس و مشروع جرائم الشرف الذكورية


"قضت المحكمة الابتدائية بالمنستير المنتصبة للقضاء في مادة الأحوال الشخصية بإيقاع الطلاق بين الزوجين للمرة الأولى بعد البناء بموجب الضرر اللاحق بالزوج من زوجته و تغريم هذه الأخيرة لفائدة الزوج لقاء ضرره المعنوي"

انطلاقا من هذا الحكم يتجلى لنا بوضوح رؤية استباقية لانتشار عقلية دخيلة و هجينة في المجتمع التونسي تسمى "جرائم الشرف" بحيث تم تكييف طلاق الضرر على أنه ألحق ضررا معنويا للزوج انطلاقا من عدم عذرية الزوجة. و يحتوى الحكم الصادر في طياته العديد من التساؤلات المخيفة و المربكة منها هل أن القضاء يحكم بتجرد أم هو امتداد لأعراف رائجة بالمجتمعات التقليدية ؟ هل تعد البكارة شرطا أساسيا من أركان مؤسسة الزواج ؟ هل أن الضرر المعنوي الحاصل هو جراء المساس برجولة الرجل و فحولته أم مساس باستقرار المجتمع المدني ؟ هل أن هذا الحكم يعد فتحا لباب جرائم الشرف؟؟؟

كلها أسئلة لا تؤخذ بجدية في المجتمعات التي تطغى عليها الرؤية الضيقة لمفهوم الشرف زيادة على أن الخطر الحقيقي لحكم مماثل هو عدم الإلمام بخطورة النتائج و حصر ردود الفعل أمام الضرر فهناك من يلجأ للتقاضي كما فعل هذا الزوج و هناك من يتعامل مع الوضع على أنه أمر يخص المرأة لوحدها إلا أن الأخطر من ذلك هو أن هناك من سيلجأ للعنف و حتى إزهاق روح المرأة بتعلة الضرر المعنوي الذي لحق الزوج أو الأقرباء أو العشيرة. كما أنه يمكن توقع الاعتماد على هذه السابقة الخطيرة لامكانية فرضية افتضاض بكارة الزوجة من قبل الزوج ثم لجوء الأخير إلى القضاء بالطعن في شرفها و طلب الطلاق بحجة الضرر المعنوي استجابة لمزاجه و أهوائه . و يمكن تخيل ماذا سيكون حكم القاضي أمام ظاهرة لقت رواجا في المجتمع واستمدت شرعيتها من حكم مماثل و إباحة لردود أفعال لا يمكن احتسابها أو تخيلها أمام عدم العذرية.

من ناحية أخرى كيف يكون التعليل القانوني من قبل المحكمة اعتمادا على اعتراف خطي من الزوجة بعدم عذريتها و بإقرارها أنها بهذا الصنيع قد أضرت بزوجها. هنا تكمن حلقة مفقودة هل أن اعتراف الزوجة كان بدون إكراه مادي أو معنوي ؟و ما الذي أجبرها على اعتراف مماثل؟ و هو ما يجعل الناحية الواقعية و المنطقية فاقدة لكل مصداقية.

إن المستقى من الأحداث و الوقائع بخصوص هذه القضية تطغى عليه أخلاقيات ذكورية و أعراف تقليدية تموقعت بصورة رهيبة في المجتمعات المتخلفة وهي امتداد لتبرير العنف ضد المرأة. فنحن أمام عدالة تحكم بأخلاق المجتمع لا بأخلاق القانون وهو ما يعد اختلاطا لعقليات مجتمعية بالقضاء. فمثل هذا الحكم هو فتح لباب جرائم الشرف على مصراعيه بتكييف بطلان الزواج استنادا على ما يهم عادة المرأة لوحدها.

كيف للمحكمة أن تستنج باعتراف الزوجة بعدم عذريتها ما اعتبرته إلغاءا للقيم في مضمون ما احتواه عقد الزواج من حسن المعاشرة و الاحترام المتبادل و الثقة في تصرفات كل طرف بحيث اعتبرت أن الاعتراف المسجل على الزوجة صلب كتب الاعتراف المذكور ينهي كل تلك القيم و يجعل استمرار الحياة الزوجية أمرا مستحيلا بعد أن فقد الزوج طعمها و لذتها قبل بدايتها بموجب تلك الاعترافات و الاستنتاج أنها تضع في الميزان مصداقية الزوجة و شرفها و تقضي على كل أمل في الاحترام و الثقة بين الزوجين..

نلمس تعسفا على شروط عقد الزواج بالفصل 3 من مجلة الأحوال الشخصية و إدراج أشياء لم يتضمنها حتى الفصل 23 بتنقيح قانون 74 المؤرخ في 12 جويلية 1993 في إطار فيما يجب لكل من الزوجين على صاحبه. و نستخلص هنا مساسا -من معنويات و كيان الزوجة الإنسانة باعتبار الحكم عليها احتوى ضمنيا فسادها و ضرب مصداقية الزوجة و شرفها. و الاستنتاج أنه لا أمل في الاحترام و الثقة بين الزوجين. نلاحظ هنا اعتماد قاعدة أخلاقية وهو ما يجعل الحكم باطلا من الناحية القانونية. كما أن تغريم الأخيرة يعد تعسفا على القانون فليس هناك ما يجبر الزوجة على دفع غرامة مالية إذ أن المشرع لم يشترط العذرية للزواج و لم ير أن عدمها يعد ضررا معنويا يستوجب التعويض. لو أخدنا كذلك باستنتاج المحكمة سيصبح عنصر الثقة ملزما للطرفين و بالتالي وجب ايضا على الزوج أن يثبت بكارته. لأن الثقة كما ذكرت سابقا تخص الأطراف ولا تخص القاضي في حكمه على المتقاضين و ليس له أن ينسب لأحدهما الثقة من عدمها و إلا سنكون أمام مساس من حياد القاضي.

وما لحق الزوجة هو الضرر المعنوي بعينه إذ ضرب مصداقيتها و شرفها بصورة مباشرة و أفقدها ثقة الناس بها و أعدم لديها كل أمل في العيش بدون عار دائم يلحقها طالما كان الحكم استجابة لرؤية المجتمع تجاه المرأة التي فقدت عذريتها. من ناحية أخرى فان الزوج لم يلحقه أي ضرر معنوي بمجرد عدم عذرية الزوجة لأن عدم عذريتها لم يكن خيانة له بل مجرد تخمينات و استنتاجات تحمل الكثير مما نخرته العقليات السائدة حول الشرف. و حتى بالرجوع إلى التشريع الإسلامي نجد اختلافا فقهيا حول مسألة تعويض الضرر المعنوي بمقابل مالي و الحال لدينا أن الضرر المعنوي للزوجة تحول أكبر من الضرر المعنوي للزوج اعتمادا على استنتاج المحكمة. بل و يمكن أن يعرض المرأة لأضرار جسدية خطيرة وهو ما يجعل الحكم باعتماد الضرر الحاصل استنادا لعدم عذرية الزوجة تأكيدا على أنه حجة أخلاقية بحتة و غير عادلة و منصفة لكلا الطرفين. بل اقتصرت على رؤية لم تتخلص منها جميع المجتمعات العربية بعد بحصر مسألة الشرف بغشاء البكارة. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ان لا يكون دينار ولا درهم.

أخيرا هو حكم أخلاقي نابع من عقلية المجتمعات التي تطغى عليها السيطرة و الهيمنة الذكورية. وهو ما يبتعد عن أخلاقيات القضاء الذي يجب أن يتحلى بقيم العدالة و القانون و اجتناب التمشي في أخلاقيات سائدة في المجتمع أو التأثر بها و اعتمادها في إطلاق الأحكام و إلا سنجد أنفسنا يوما أمام انتشار جرائم الشرف التي تطغى عليها النزعة الذكورية...!!! وهو ما اعتبره صراحة محاولة للنيل من طلب المساواة بين المرأة و الرجل و تعمدا لترسيخ النظرة الدونية للمرأة بصفة مستمرة و دائمة .

ملاحظة: التعليق استند الى ما نشرته المواقع الالكترونية و تداولته و ليس تحليلا فيه مساس من الهيئة القضائية وهيبتها.