حين يغدوا مبرر الشرطة اقبح وابشع من فعل الجناة!



فارس محمود
2014 / 1 / 15

بعد ان اعتدى ستة اشخاص على فتاة في السادسة عشر من العمر، فتاة من سورية هربت من نار الاسد وداعش والنصرة والحرب والقتل والذبح والدمار، اختطفها 3 شباب وبعد الاعتداء عليها، لم يكتفوا بذلك، بل امعنوا في جريمتهم هذه، حيث اتصلوا بثلاثة اخرين من اصدقائهم لياتوا ايضاً ويواصلوا اعتدائهم على الفتاة واغتصابهم لها، وبعد ان انهوا فعلتهم القبيحة هذه، تركوها في البرية خارج المدينة! لقد حدث هذا في الاسبوع المنصرم في مدينة اربيل. تمكنت الفتاة بعد هذا من ايصال نفسها الى اقرب بيت بثياب ممزقة وحالة من الرعب والانكسار والخوف يرثى لها بكل معنى الكلمة، ليتم ايصالها للشرطة.
كان كل خطئها "القاتل" هو انها كانت تعمل في محل لتعيل عائلتها النازحة من جهنهم الاوضاع في سوريا وبؤس الاوضاع المعيشية في كردستان. اضافوا بفعلتهم هذه وحشية اخرى على كل الماسي التي راتها وتراها فتاة بعمر الزهور.
فرحت كحال الكثيرين لخبر تمكن الشرطة من اعتقال الاشخاص الستة المعتدين على الفتاة، والتحقيق معهم واقرارهم بجرمهم. فمن لايفرح ان تتمكن الشرطة من القاء القبض على الجناة واقرارهم بجرمهم هذا وتقديمهم للعدالة. بيد ان فرحتي لم تدم طويلا للاسف. وهو امر متوقع جداً. ارسلت الشرطة الفتاة التي هي وضع هستيري ومنهار للفحص الطبي، لترتكب اهانة اخرى بحقها، لفحص عذريتها (!!) وبعد معرفة نتيجة الفحص، قال متحدث باسم الشرطة وعلامات الارتياح بادية على محياه: "نظراً لان لم يصب غشاء بكارة الفتاة ضرر، وتاكدنا من سلامته، فانهم سيتعاملون مع فعلة الستة على انه "سوء تصرف" (!!)، اي لايروه اغتصاباً!
فقط سوء تصرف!!! انه كمن يرمي عقب سيكارة في مكان غير مكانه المخصص! انه كمن يرفع صوته على احد ما في مكان عام! لقد تم غفران هذه الجريمة، جريمة لم يرتكبها شخص واحد، بل ستة! بقصد وعمد واضحين! لا لسبب الا لان هذا "الغشاء المقدس"، رمز العفونة الذكورية والشرقية وهذا العالم المعادي للمراة، لم يُمس!! لم يرد في خلدهم الرعب الذي أُدخل في قلب فتاة في السادسة عشر من العمر، والكابوس الذي مرت به، والاثار والمعنوية والنفسية الذي يتركه، والاثار الاجتماعية والحياتية على فتاة تعيش في مجتمع تقطر فيه قيم التخلف، لم يفكروا في غد الفتاة تلك والخ قط. لاينتظر المرء كثير من طرف فاقداً للشيء!
انه مبرر مقزز جداً. انه نموذج سافر على الاستهتار بالمراة التي رهنوا كل كرامتها بـ"غشاء"! رهنوا كل حقها وحقوقها بهذا "الغشاء"، غشاء العبودية وهدر الكرامة الانسانية قبل كرامة المراة. ان الاغتصاب اغتصاب. الاغتصاب هو اعتداء جنسي، جنس بالقسر. ليس هذا وحسب، بل ان اي شكل من من ممارسة الجنس بدون رضا احد اطرافه يعد اغتصاباً حتى اذا كانوا ازواجاً، الرضا الحر والواعي وبدون اي ضغوطات مادية او معنوية. فالجنس والعلاقة الجنسية هي امر مرتبط باتفاق حر وواعي بين طرفين بالغين.
ان مثل هذه الاعمال، وقبل ان تكون جراء الكبت وطيش الشباب وغير ذلك، فهي جراء شيوع امر دونية المراة في المجتمع، وعلى صعيد السلطة والقوانين والثقافة الدرجة الاساس. ان السلطة (ومعها الثقافة التي تشيعها هي قبل غيرها ولها مصلحة مادية في ذلك) هي التي تفسح المجال لشيوع قيم دونية المراة، وهي التي تدفع بالمجتمع وتوفر الارضية في المجتمع نحو انتهاك كرامة المراة والاعتداء عليها.
ويبقى هناك سؤال يطرح نفسه: اي ربط للاغتصاب باي جزء من الجسم قد الحق به الضرر؟! اننا امام تعريف اخر تزكم رائحته الانوف للاغتصاب، تعريف السلطة والقانون العشائريين للاحزاب القومية المليشياتية الحاكمة التي ارست حكمها وتديمه عبر اشاعة هذه القيم البطريركية القرووسطية.اننا امام تعريف اخر، متخلف ورجعي ومعادي للمراة، للاغتصاب.
انه امرا متوقعاً من سلطة وشرطة تستند الى احد القيم العشائرية والبطريركية والمتخلفة. ان السلطة وشرطتها اكثر اجراماً ووحشية بحق الفتاة من المجرمين الستة! ان ردهم على الضرر المادي والجسدي والمعنوي والروحي على الطفلة هو "تكريم" الجناة وذلك لان "لم يصب عذريتها ضرر". تف على سلطتكم وقوانينكم الرجعية والمتخلفة التي لاتساوي قيمة "غشاء" مثل هذا عند اي انسان يحترم انسانيته، اي صفر.
ان الشرطة والحكومة والقانون في كردستان، وبدل من ان يعطوا رسالة واضحة للمجتمع بهذا الصدد، وبدلاً من ان تشعر اي فتاة وامراة انها في امان، مثلما هم يدعون، فانهم بتعاملهم هذا يطلقون العنان لنهش اجساد الفتيات في كردستان، يطلقون العنان لكل مستهتر ويحشوا ادمغة كل مستهتر بان الاعتداء على جسد الفتيات ليس جريمة، امر يمكن غض الطرف عنه، طالما لم تمس ذاك "الغشاء المقدس". انهم بدلاً من توفير الامان للفتيات، يطلقون ايادي عديمي الانسانية من امثال هؤلاء.
ان مبرر الشرطة هو اقبح وابشع الف مرة من جرم الجناة! ان سلطة وحكومة مثل هذه لامكان لها في القرن الحادي والعشرين. ان مجتمع كردستان اكثر تقدما بكثير من قوانين وسلطة مثل هذه.