الزواج والطلاق العرفيان يسودان مناطق التوتر



إيمان أحمد ونوس
2014 / 1 / 27

مما لا شك فيه أن الأزمة السورية التي ما زالت نيرانها مشتعلة حتى اليوم، قد أثقلت المجتمع السوري بأزمات وكوارث لا حصر لها، مما أرهق أفراد هذا المجتمع على كافة المستويات والاتجاهات صغاراً وكباراً من حيث خلخلة البنية النفسية والفكرية والاجتماعية، حتى بات المختصون الاجتماعيون والنفسيون، وكذلك القانونيون أمام مشاكل وأزمات يصعب التعامل معها والوصول إلى نتائج شبه إيجابية على المدى المنظور. فالأوضاع الاجتماعية التي تخلخلت خلال سنوات الأزمة قد عززت الكثير من السلبيات التي كانت تعرقل سعي المجتمع باتجاه التطور والتقدم الاجتماعي من خلال الحدّ من وجودها ومحاولة سيادة القانون على بعض الأعراف الاجتماعية المتخلفة التي تُعيق وصول النساء إلى حقوقهن القانونية والإنسانية مثل سيادة الزواج العرفي الذي كان شائعاً في المناطق والأرياف البعيدة والمتشددة دينياً.
واليوم نحن أمام واقع مرير يعمل على تعزيز تلك الممارسات التي تهدر الكثير من حقوق المرأة والطفل على كافة المستويات. فنتيجة للأوضاع الراهنة وصعوبة الوصول إلى المحاكم الشرعية من جهة، وتعزيز قناعة بعض المتشددين الذين يسعون لسيادة شريعتهم على القانون من جهة أخرى، فقد ساد الزواج والطلاق العرفيان في كثير من المناطق المتوترة والبعيدة عن مراكز المدن، وهذا لا شكّ له انعكاسات خطيرة على المرأة بشكل خاص وعلى المجتمع بشكل عام من خلال ضياع حقوقها المادية والاجتماعية، وبالتالي مواجهتها لمصير مأساوي في ظل مجتمع لا يرى فيها سوى أداة للمتعة والإنجاب، إضافة إلى أنها دائماً رهن المشيئة الذكورية التي تراها تابعاً ناقص الأهلية والعقل والدين. ففي حالة الزواج العرفي ليس هناك من توثيق رسمي لحقوق المرأة، ولا للآثار الناجمة عن هذا الزواج كالأطفال ونسبهم وحقوقهم، حيث أن هذا النوع من الزواج أشبه برحلة غامضة المعالم تقود في كثير من الأحيان لمصير قلق ومتوتر من حيث استسهاله والنظر إليه بسهولة واستخفاف أكبر من حيث هو مجرد ورقة وشاهدين ورجل دين يدعي تخصصه في قضايا الزواج والطلاق دون النظر للآثار المترتبة على هذا الزواج كالأطفال الذين سيكونون خارج القيود الرسمية، وبالتالي ضياع حقوقهم التربوية والتعليمية لأنهم حكماً مكتومي القيد في السجلات الرسمية التي تؤهلهم لخوض الحياة بكافة اتجاهاتها، وهذه بحد ذاتها جريمة كبرى بحق الطفل والمجتمع، جريمة ستكلّف لاحقاً جهداً ووقتاً من أجل إثبات النسب هذا إن قبل الزوج بنسبهم إليه في حال الطلاق، كما ستخلق لأولئك الأطفال أزمة مواجهتهم الحياة عندما يصبحون في سن الالتحاق بالمدارس حتى لو لم يحدث الطلاق، وبالتالي هم أمام أزمات نفسية تفقدهم الثقة بالمحيط الاجتماعي والانتماء للأسرة ، إضافة إلى شيوع الأمية وارتفاع نسبتها في مجتمع يعاني منها أصلاً. أما في حال الطلاق الذي سيكون أيضاً عرفياً، فإن المرأة ستكون في مواجهة مصير مجهول ومقلق لأنها خارج نطاق الحماية القانونية رغم أن القانون أيضاً وفي كثير من الحالات لا ينصف المرأة في حالات الطلاق والحضانة والنفقة وما شابه، فكيف الحال مع زواج وطلاق عرفيان فيهما من المآسي ما يفوق حالات الطلاق والزواج الرسمي..؟ أجل، ستتحمل المرأة منفردة نتائج زواج ربما كان خارج إرادتها لأنها لم تغادر بعد ملاعب الطفولة، زواج أشبه بورقة في مهب الريح سرعان ما تتطاير أمام أية أزمة عابرة مخلّفة وراءها عاصفة من المشاكل الاجتماعية والنفسية والمادية التي يصعب حصرها والتعامل معها لاحقاً حين ضرورة اللجوء للقضاء الذي كان بعيداً خلال مسار هذه العلاقات.
فهل يعي الأهل أولاً أن هذا النوع من الزواج مهما حمل من مكاسب مادية، فإنه لا يمكن أن يحمل للفتاة سوى المآسي وضياع الحقوق والعمر بلا ثمن..؟ وهل يعي القيّمون على هذا النوع من الزواج أنهم يرتكبون المعاصي والجرائم بحق المرأة والطفل اللذين يُعتبران الشرائح الأضعف في المجتمع في السلم والحرب..؟
وهل يعي أطراف النزاع الدائر منذ ثلاث سنوات وحتى اليوم أن حربهم لم تجلب للمجتمع سوى الخراب الروحي والثقافي والاجتماعي والمادي بكل الاتجاهات والأبعاد لنكون مستقبلاً أمام مجتمع متفسخ خالٍ من القيم والأخلاق التي تعمل على تطوره ورقيّه..؟ هل يعي أولئك ضرورة وقف تلك الحرب المجنونة التي أطاحت بكل القيم الإنسانية والجمالية والأخلاقية ليحلّ مكانها قيم غريبة عن مجتمعنا تعمل على خلخلة بنيانه وتخلفه وعودته إلى عصور لا تجاري الحضارة ورقيّ الإنسان فيها..؟