اللاقانوني في القانون الجعفري



سمير عادل
2014 / 3 / 5

في البداية يجدر الاشارة بأن طرح القانون الجعفري يستمد جرئته من الدستور وخاصة ديباجته التي كتبت بنفس شيعي وتحديدا جعفري. وقد مرر الدستور في غفلة من الزمن وحيث يتناقض العديد من بنوده مع عدد اخر منها، ومع المعايير الدولية لحقوق الانسان. ولذا لا نستغرب ابدا ان يطرح القانون الجعفري في مثل هذا الوقت بالذات الذي يعتبر دون اي شك عدة خطوات الى الوراء سواء على صعيد تأريخ المجتمع العراقي او على صعيد تطور المجتمع الانساني على مستوى العالم.
اي بعبارة اخرى تتناقض بنود القانون الجعفري حتى مع المعايير القانونية والانسانية التي لدينا عليها نقد ولم تصل الى مستوى تحقيق المساواة الكاملة للمرأة في المجال الاجتماعي والسياسي والقانوني مع الرجل. ومن كان له فرصة للاطلاع على القانون الجعفري يستشف بكل سهولة انه رسالة واضحة الى التيار العلماني والتحرري في المجتمع العراقي اضافة الى انه وضع للحط من مكانة المرأة وقدرها من الناحية الانسانية بالدرجة الاولى. وقد تحدثنا عن الجانب السياسي للقانون في كلمة "الى الامام" التي نشرت في العدد الاخير 234، وسنوضح في هذا المقال بعض الجوانب المتناقضة في القانون الجعفري من الناحية القانونية والحقوقية مقارنة مع ما توصلت اليه البشرية من فهمها ووعيها ونضالها من تثبيتها للقوانيين التي تنظم الزواج والطلاق والحضانة والميراث. مع العلم اننا على ادراك تام بأن القوانين هي ثمرة توازن قوى بين الطبقات المسيطرة والحاكمة وبين الطبقات المحرومة من حقوقها الاقتصادية السياسية والاجتماعية والتي تعبر عنها بنضال الحركات التحررية والعمالية والاشتراكية والانسانية في المجتمع. وفي العراق لو تمكنت القوى التحررية بالحاق الهزيمة بالاسلام السياسي لاصبح القانون الجعفري في خبر كان.
بأعتقادي ان مهمتنا لا تكمن في التهجم على القانون الجعفري دون وضع بنوده تحت المجهر وشرحها امام المجتمع كي يتسنى للجميع فهم مخاطر القانون على الصعيد الحقوقي والانساني للمرأة ومن ثم يسهل العمل لنا في تعبئة كل القوى الانسانية والتحررية لاسقاط هذا القانون.

التحرش الجنسي بالاطفال:
القانون الجعفري يتعامل مع المرأة منذ طفولتها حيث يبتدا معها من عمر التسع سنوات وحتى عندما تكون بالغة سواء لم كانت غير متزوجة او زوجة او أم او مطلقة او ارملة بأنها سلعة جنسية ويحق للرجل ان يتصرف بها.
فالمادة 16 من القانون الجعفري تعتبر الطفل الانثى الذي يصل من العمر تسع سنوات بالغ في حين ان سن الرشد في العديد من دول العالم هو 18 عام وهناك دول تعتبر سن البلوغ 16 عام. واي واحد منهما كان فهو يتناقض مع سن البلوغ 9 سنوات والتي تعتبرها المعايير والقوانيين الدولية لحقوق الانسان بأنها طفلة وقاصرة واي مداعبة جنسية تحت اي عنوان او اي ستار هو انتهاك للطفولة وتحرش بالاطفال وعقوبته صارمة. وعلاوة على ذلك اصبح مجرد متابعة الاطفال جنسيا على صفحات الانترنيت جريمة. وهناك اقسام تشكلت في الشرطة في كندا وامريكا وعدد من دول اوربا لمتابعة هذا النوع من الجرائم وهناك تنسيق عالمي على غرار التنسيق حول الارهاب لمكافحة هذا النوع من الجرائم. وتبيح المواد 48 و50 و154 من القانون الجعفري الزواج من القاصرات وبهذا يضع القانون الجعفري ومسنيه انفسهم في قفص الاعتداء الجنسي علي الاطفال.

التمييز الديني والجنسي ضد المرأة:
واذا انتقلنا الى المادة 63 فأنه "لا يجوز نكاح المسلمة من غير المسلم مطلقا، ولا يصح نكاح المسلم نكاحا دائميا من غير المسلمة مطلقا". ولنتوقف هنا قليلا، فالمرأة المسلمة تعتبر حق مباح للرجل المسلم لان الرجل "المسلم" هو (خير الرجال اخرج الى الارض) فلذلك لا يجوز "تدنيس" المرأة المسلمة بغير المسلم. لان في فلسفة القانون الجعفري وكما هو واضح في بنوده المرأة لا تتعدى اكثر من سلعة جنسية واحدى مقتنيات الرجل سواء كان اب او اخ او زوج ما دام مسلما وجزء من ملكيته الخاصة التي لا يجوز التعدي عليها من قبل الرجل غير المسلم. اما الرجل المسلم فله حق الزواج من غير المسلمة ولكن ليس بشكل دائم. كما تبين هذه المادة التمييز الذي يبديه ضد المرأة غير المسلمة والامتياز الذي يمنحه للرجل المسلم. فأستخدام كلمة "مطلقا" في الشطر الاول من المادة مع كلمة "دائميا ومطلقا" في الشطر الثاني يعبر على ان المرأة الغير مسلمة يجوز استخدامها جنسيا ولكن ليس بشكل دائمي من قبل الرجل المسلم بينما لا يجوز استخدام المرأة المسلمة جنسيا من قبل الرجل غير المسلم. وهكذا فالمادة 63 تستخدما شكلين من التمييز، التمييز الديني ضد غير المسلمين والتمييز الجنسي ضد المرأة. وهذا يذكرنا بالقرار الذي اصدره مجلس قيادة الثورة في سنوات الحرب العراقية-الايرانية عندما منح مكافئة لكل شخص يحمل الجنسية العراقية من تطليق زوجته التي تحمل الجنسية الاجنبية. كما منع زواج المرأة التي تحمل الجنسية العراقية من شخص يحمل جنسية اجنبية. وكافئ المرأة العراقية التي تطلقت من زوجها الاجنبي. بشكل اخر ان نظام صدام حسين استخدم القومية سياسة التمييز اما حكومة المالكي التي مررت القانون الجعفري الى البرلمان تستخدم سياسة التمييز الطائفي.
ويعني ان حق الاختيار للشريك مسلوب في القانون الجعفري وهو الاخر يتناقض مع الحقوق الانسانية المعروفة في العالم.

عبودية المرأة جنسيا:
واذا ذهبنا الى المادة 101 من القانون المذكور فمن حق الزوج على زوجته الاستمتاع بها في اي وقت يشاء وان لا تخرج من بيت الزوجية الا بأذنه. والمادة 126 تنص على عدم وجوب النفقه من الزوج على زوجته اذا كانت صغيرة او كبيرة وغير قادر على الاستمتاع بها جنسيا اي ان النففة تكون مقابل الاستمتاع بالزوجة. اي تتعامل المادتين المذكورتين بشكل واضح مع المرأة وحكمت عليها طوال العمر على انها بائعة جسد مع فارق واحد ان بائعة الجسد لها الحق في ان تترك الرجل التي تبيع جسدها له مقابل سعر معين في حين المرأة المتزوجة في القانون الجعفري تظل عبوديتها ابدية وتقتني عيشها من بيع جسدها للرجل الزوج. وبهذا سجل القانون الجعفري براءة اختراع تحسب لوزير العدل وواضعيه حيث اوجد اسلوب انتاج جديد للعيش يختلف على مر العصور التي مضت مثل العبودية والقنانة والعامل الاجير.
ان المادة 101 تتناقض كليا مع القانون الذي فرضته الحركة التحررية والنسوية في البلدان الغربية ويقول ان مجرد النظرة الى المرأة أذا أعتبرتها مضايقة جنسية فهي تصب في خانة التحرش الجنسي حتى وان كان الذي بادل النظرة هو زوجها ويحاسب عليها. فما بالك ان يقوم الزوج كل يوم باغتصاب المرأة تحت عنوان زوجته؟
اما المادة 126 هي مادة تحول المرأة الى جليسة للبيت وليس لها حق العمل، وعملها الوحيد تقديم السلعة التي اشتراها الرجل لمتعته الجنسية. في حين ليس هناك مثل المادة المذكورة في القوانيين في البلدان المتقدمة او في مواثيق الامم المتحدة. واي عصر نحن فيه الذي تكون المرأة ملازمة في البيت لتقدم الخدمات الجنسية فقط!
ومن الملاحظ ان المادتين 101 و126 متلازمتين ولا يمكن الفصل بينهما فهما تعبران عن حرمان المرأة من حق العمل علاوة على ما اشرنا ايه وهي اداة للمتعة الجنسية. ومن البديهي ان المرأة التي تتمتع باستقلال اقتصادي يَحولْ للرجل في القانون الجعفري ان يتمتع كما يشاء بجسد المرأة التي هو ينفق عليها. وتنقلب طرفي المعادلة حيث بأمكان المرأة هذه المرة ان تشتري الرجل وتتمتع به جنسيا وخاصة اذا كان الرجل عاطل عن العمل وفي العراق حيث تسجل نسبة البطالة اكثر من 27% حسب الاحصاءات الرسمية ونعتقد الرقم اعلى من هذا بكثير، او ان يكون دخله لا يكفي.

المرأة مجردة من المشاعر والاحاسيس:
واكثر المواد التي تثير الاستغراب والسخرية هي عدم الاعتراف باللجان الطبية لكشف العيوب سواء كانت عند الرجل او عند المرأة وهنا نقصد العيوب باقامة علاقة متكافئة جنسيا. فالمواد 77 الى 86 تثبت بشهود. وتحدد عيوب الرجل كما جاءت في المادة 79 اما هناك قطع في العضو التناسلي او بعدم الانتصاب. ولكن عيوب اخرى مثل الانتصاب غير الكامل او القذف السريع ..الخ فليس واردة في اي من تلك المواد او لم يتم الاشارة لهما. فواضع القانون اما كان يبغي اخفاء هذه الحقائق كي لا يكشف عن عيوبه ويفضح سره امام المجتمع، او انه واثق بأن فحولة جميع الرجال من طائفته يتمتعون بفحولة مطلقة ولا تشوبها تلك العيوب التي لم تشر اليها المادة. من جانب اخر بأغفال تلك العيوب يكشف من جديد ضرب حقوق المرأة الجنسية بعرض الحائط والدوس عليها وكأنها خلقت وفقط خلقت لمتعة الرجل.
وما يثير الغرابة كي يثبت الرجل على ان عضوه ليس فيه اي عيب وقابل للانتصاب هو ان يثبت امام شاهدين من الرجال قدرته الجنسية؟ ولا نستطيع ان نعي هذه الحالة واي رجل بأمكانه ان يظهر عضوه الذكري منتصبا امام الشهود. واذا استطاع الرجل ان يرشي الشاهدين فبأمكانهما تزوير الواقعة واثبات فحولة الرجل الوهمية، ويخرج صاغ سليم امام ذويه واقربائه. وبهذا تدفع المرأة الثمن من جديد في استلاب حقوقها الجنسية.
بالنسبة للمرأة ففي المادة 78 خصص لها 6 فقرات عيوب في حين خصص فقرتين للرجل ومن تلك الفقرات هي الجنون والجذام والبرص والعمى والعرج والعفل "لحمة تنبت فوق الرحم وتكون مانعة للحمل". اي اذا كان الرجل فيه العيوب الستة التي حددت للمرأة فلا يجوز للمرأة حق الانفصال عنه ولا تعتبر عيب، في حين نفس العيوب التي ثبتتها المادة 78 يجوز للرجل الانفصال عن المرأة او طلاقها اذا عرف بها بعد عقد الزواج. وهنا تورد مسألتين الاولى كيف لا يرى الرجل عيوب المرأة تلك الواردة في المواد المذكورة قبل الزواج. او بعبارة اخرى عن اي عصر تتحدث تلك المادة التي لا يلاحظ الرجل عيوب شريكته قبل الاقتران بها؟ وهنا يبين ان واضعي القانون يعيشون في العصور المظلمة وما زالوا لم يبرحوها. والثانية تتعامل تلك المواد بشكل تمييزي سافر ضد المرأة. فهي تقول بكل صراحة اي المادة 78 انها لا تريد للمرأة الاستمتاع مثل الرجل بجمال الجسد والصحة والحالة الجنسية السليمة للشخص الشريك. ومرة اخرى تتعامل تلك المادة دون اي لف ودوران بأن المرأة فقط اداة جنسية وليس اكثر. وحتى في حالة اعتبارها انسانة اختزلت الرجل الى عضو ذكري في تفكير المرأة مجرد من الجمال الانساني وظيفته جنسية يشبع للمرأة حاجاتها فقط. وهكذا اختزل الجنس من كل المشاعر الانسانية والجمالية والعاطفية وعاملته تلك المواد مثل تعامل الحيوانات مع بعضها ما عدا شيئا واحدا وهو اعطى حق الرجل في اقتناء سلعة فيها كامل المواصفات.
طبعا هناك مواد اخرى مثل الميراث والوصايا وتعدد الزوجات وزواج المتعة....الخ لم اتناولها في هذا المقال لكوني تناولتها مقالات سابقة.