البئة الإجتماعية والثقافية تميز ضد المرأة



محمود فنون
2014 / 3 / 9

تحرير المجتمع بالثورات الإشتراكية يحرر المرأة والرجل معا
سجل تاريخ النضال أو الدعوة من أجل تحرير المرأة العربية شخصية الكاتب قاسم أمين كمدافع عن المرأة وذلك في نهايات القرن التاسع عشر واستمرارا في القرن والعشرين ، وقد تميز دفاع قاسم امين بميزتين شديدتي الأهمية :
الأولى : أنه كان شمولي الدفاع وذلك بوصفه من طلائع المصلحين الإجتماعيين في مصر وممن كانوا على صلة بمحمد عبده ومصطفى السيد وسعد زغلول وغيرهم . وكانت دعوته هذه في مصر وفي ظل ظروف مصر التي كان يسودها النظام الإقطاعي المتعفن في ظل التبعية للعثمانيين بقدر ما ونفوذ الإنجليز بقدر آخر . كان يدعو لتحرير المرأة وإصلاح المجتمع وتحسس بعمق الكثير الكثير من أسباب ومظاهر ظلم المرأة وقمعها . إن الموروث الإقطاعي وما يحفل به من مخلفات القرون كان ينيخ بكلكله على مصر والأمة العربية ويتطلب الدعوة إلى الإصلاح بل يتطلب الثورة .
الثانية : كان قاسم امين يطرح آراءه الجريئة في بيئة معادية له ولآرائه وذلك بوصفه طليعي متميز . وتلقى بذلك هجوم ابرز رجالات العصر من سياسين أمثال مصطفى كمال واقتصاديين أمثال طلعت حرب واجتماعيين ومتدينين . ومع ذلك ظل ينشر آراءه بثبات ويرد على منتقديه وآراؤهم النابعة من الواقع الإقطاعي وما يتحكم به من موروث فكري وثقافي وعقائدي وقيمي .
لم تكن المرأة في مصر متحررة من الإقطاع وضغوطه على مختلف الصعد وكذلك الرجل كان يئن تحت وطأة النظام الإقطاعي . وهنا لا بد لنا من تمييز الرجل عن الرجل والمرأة عن المرأة ومن هي المرأة في مصر . مع العلم ان هذا التمييز لا زال ضروريا حتى الآن في بلادنا :
المرأة : هي سكان المدن والمراكز وهي مع تفاوت في الدرجة هي نساء الإقطاعيين بدرجاتهم ورجال الحكم والدولة في رأس الهرم. ثم نساء الطبقة الوسطى في الصف التالي . هؤلاء هن المقصودات بالتوصيف سواء لجهة التحرير ومواكبة تطورات العصر أو لجهة التكبيل والسجن في البيت وتحت الخمار وبيت الطاعة والمرأة المطيعة... .
أما المرأة الفلاحة وهي الكادحة في الحقل وزريبة الحيوانات والبيت فهي على اية حال مشاركة للرجل في شقائه كله وتخرج للعمل معه كما تعمل إضافة إلى ذلك في الزريبة ثم تتفرد بأعمال البيت المختلفة .فهي من هذه الناحية لم تكن مقصودة للخروج من البيت والمشاركة في العمل الإجتماعي ، بل انها ربما لم تكن مقصودة لتنال حظا من التعليم بحكم عدم توفر المدارس في القرى والأرياف
هي من زاوية شريكة في الإنتاج والحياة الإقتصادية والفقر ، ومن جهة أخرى هي خاضعة للهرم القيمي وكل التقاليد البالية ولكن ليس إلى درجة ترف الجلوس في البيت وإرتداء الخيمة لأن هذا غير ممكن بحكم ظروف الحياة الكادحة والتي تحتاج إلى كل جهد.
هي إما زوجة القن التابع مباشرة للإقطاعي ،أو هي زوجة الفلاح الصغير الذي يكدح في حقله وبالكاد يحصل على قوته . وهذا الصنف يشكل ما يزيد على 80% من النساء
تبقى نساء المدينة ومنهن نساء الحرفيين والعمال والفقراء وحالهن حال الفلاحات القنات والحرات في التبعية للرجل والشقاء في العمل ومعاناة شظف العيش . ..
هنا لا بد ان ننتبه إلى الواقع الطبقي الذي يؤدي إلى ظلم واستغلال مضاعف على المرأة من الطبقات الشعبية الفقيرة : فهي تكدح مع زوجها وربما ما هو أكثر وأشد ايلاما ،وهي تعاني من القهر الإجتماعي والقيمي بوصفها امرأة تميز القيم والتقاليد والموروث الثقافي والقيمي ضدها وتضظهدها حال على حال .
لنقل أن المجتمع الإقطاعي قد باد وتحول المجتمع العربي مع الزمن تحولا جذريا إلى النظام الإقتصادي الرأسمالي . من المهم الإشارة هنا أنه تحول في ظل التبعية للإستعمار وتحت ضغط حالة تعميم النظام الرأسمالي الغربي على شعوب الأرض . لذلك حمل هذا التحول تشوهات كثيرة كما ظل يحتفظ بركام هائل من التخلف في نواحي الحياة المختلفة . هذا بالإضافة إلى توجه القوى السائدة قصدا للحفاظ على الموروث الرجعي بل وتعميمه على كل جنس النساء ومحاولة حشرهن في بوتفة متصورة يقدمها الرجل من خلال الناطقين في المجتمع والكراز باسم الدين من شيوخ ودعاة ومرشدين ومرشدات ...
إن التحول إلى نمط الإقتصاد الرأسمالي هو ضرورة للنظام الرأسمالي العالمي وكذلك بقاء التخلف إلى الدرجة التي تثبت الحال على ما هو عليه دفاعا عن نظم الحكم والتبعية للسيد الغربي والأرتباط به والإرتهان إليه . إن هذا لا يلغي أنه حدثت نقلة نوعية في مستوى المعيشة والتطور الحضاري ونشر التعليم وتحسين شروط الحياة بتأمين الخدمات التي أصبحت لا غنى عنها للحياة في كل مكان .
ولا ينفي حصول متغيرات هامة على وضع المرأة بالمعنى الإيجابي في كثير من البلدان العربية وقد أدركت نفسها ومنزلتها وعرفت عن الكثير من حقوقها ، كما ظهر من بينهن المشاركات في العمل العام ومبنى الدولة ونبوغ في الأدب والثقافة والفن ومجالات الحياة الإقتصادية والسياسية والروحية بتنوعها . نسوق ذلك كي نعرف عن أي امرأة نتحدث فنحن قد تخطينا حال مصر في نهاية القرن التاسع عشر كما وصفناه ونحن في القرن الواحد والعشرين وفي حال وظروف مختلفة دون ان نقصد أن مشكلة المرأة ومشكلة المجتمع ومشكلتها جزء منها قد حلت .
تعالوا لنرى بعض الصور التي تبث اليوم على الفضائيات وفي أماكن الوعظ والإرشاد :
الحجاب واللباس : يعمل فريق هائل من الوعاظ وعمل بشكل دؤوب منذ سبعينات القرن الماضي لفرض الحجاب علىى المرأة .. كانت المرأة إما انها تلبس غطاء الرأس الفلاحي التقليدي الذي تلبسه منذ آلاف السنين أو تلبس قطع قماش جميلة تسمى منديل تلف بها شعرها كي لا يظل يتطاير أو مكشوفة الرأس .
لقد أدخلت المدارس لبس الزي المدرسي وهو المريول إجباريا وفرض مدرس الدين إرتداء المنديل أثناء حصة الدين على البنات في الصفوف الثانوية تحت طائلة العقاب وخفض العلامات ولم يكن الجلباب ولا الترانشكوت موجود . ثم تحولت الفلاحات الدارسات إلى ما كان يسمى " اللبس المدني " بدلا من الثوب الفلاحي . علما أن الثوب الفلاحي أصبح مكلفا .
كان هذا الحال قد بدأ يأخذ مداه في نهاية سنوات الخمسينات وبداية الستينات مع توسع التعليم المدرسي للبنات، ولم تعد البنات إلى الزي الفلاحي التقليدي وأظن أن هذا الحال يتشابه في معظم البلاد العربية في الأردن وسوريا ولبنان والعراق ومصر ( مع فوارق في الزمن ) كما بدأ يتسلل إلى منطقة شبه الجزيرة العربية وخاصة الكويت ، كما في دول شمال أفريقيا . بهذا أصبحت النساء تلبس بشكل متشابه تقريبا مع أخذ الفوارق الطبقية بعين الإعتبار .
لقد حصلت ردة رجعية في المنطقة العربية بدأت من مصر في عهد السادات ، هذه الردة كما عكست نفسها على المواقف السياسية وعلى الفكر العربي الوحدوي والإشتراكي عكست نفسها كذلك على وضع المرأة . ففي حقبة الناصرية تعمق الحديث عن حرية المرأة وتأثر وضعها بحالة التقدم التي ميزت فترة عبد الناصر وبعض من انظمة الحكم في سوريا والعراق وليبيا والجزائر واليمن الجنوبي .
إن الإنقلاب على هذه الحقبة والذي بدأ بالحقبة السعودية الوهابية حقبة النفط والتذيل لأمريكا بعد أن كان شعار المرحلة التحرر من الإستعمار والتبعية والنضال ضد الإستعمار والتبعية
هنا تركز الحديث عن عودة المرأة للبيت وأن المرأة للببيت وللزوج والأطفال ، كما أنها يتوجب أن تلتزم بالحجاب وبشكل الحجاب وشكل اللباس الذي يكرز به الدعاة .
لقد مثل الدعاة دورا تحريضا قاسيا ضد المرأة وساهموا في إيغار صدور الرجال ضد النساء "نساؤنا كاسيات عاريات ! كيف سينصرنا الله ؟ والله إننا كلنا سندخل النار إن لم يتغير هذا الحال . وأنت ستدخلر النار بسبب ابنتك وزوجتك اللواتي يمشين في الشوارع وينظرهن الرجال فيتسببن بالإثم لهم ويقعن في الإثم ..." هنا سيتحرك الرجل البسيط لقمع النساء من حوله خشية من النار . بعد ذلك توصيف النساء بتوصيفات مثيرة للغضب عن البنت التي أحبت فريد الأطرش واستمعت لأغانيه وهي تبكي أو أخرى تبكي حبيبها عندما تسمع أغنية وبعد ذلك جاء الهاتف النقال الذي وصفت النساء اللواتي استعملنه في البداية بأنهن يصاحبن ويزنين ... نتخيل رجل يسمع مثل هذا التوصيف ثم يسمع جرس هاتف زوجته.. ثم يرى زوجته تأخذ جانبا وترد على الهاتف .. فيهجم عليها ويختطف الهاتف منها بسبب شكوكه التي تراكمت في رأسه من الدعاة في مناسبات متعددة .
عاد الرجل وفرض زيا خاصا على المرأة وأرغمها على لبس الحجاب . ربما تبادر واحدة اليوم إلى لبس الحجاب والجلباب وتقول أنا اخترت !! هي لم تختر هذا الزي إن التعبأة الإجتماعية هي التي اختارت .إن النقد اليومي المتواصل لها هو الذي إختار إن رغبتها في أن توصف بأنها ( مستورة وستر الله عليهالا ) هي التي فرضت عليها
ولنتصور طفلة في السنة العاشرة من عمرها وتكرز عليها امها وابوها وآخرون بأنها كبرت وأصبحت صبية ( مما يثلج صدرها )وأنه آن الأوان لترتدي زي النساء حجابا وجلبابا فتلبس وتزهو بنفسها حيث لبست قبل قريناتها فيتسابقن على الزي . إن الأجيال الحاضرة من الناس رجالا ونساء أخذو يتعاطون مع الزي المذكور وكأنه الأمر الدارج واصبحت النساء الأخريات هن الشواذ .
الذكورية : إن كل حديث عن حرية المرأة لا يطال الموروث الثقافي والقيمي الذي تشكلت فيه عقلية الرجل سيكون قليل الجدوى . نعم إن الرجال مع الزمن قد تأثروا" وسمحوا "بتعليم البنت في الجامعة وسمحوا لها بالعمل . بمعنى أن الذي يرسل ابنته للجامعة لم يعد يتلق اللوم والملاحقة كما كان الحال سابقا ( لا زال البعض لا يرسل ابنته للمدرسة بعد سن معين ولا زال من يحول دون ابنته والتعليم المدرسي مكتفيا بتعليمها القراءة والقرآن في تعليم معين ).
إن الرجل هو المساهم الأكبر في تحرير المرأة ذلك أنه هو وجنس الرجال والنظام الإجتماعي الذكوري من يضطهدها ويعاملها بدونية ويقمعها سترا لنفسه من النار أوتحقيقا لذكورية سائدة أو استمرارا على ميراث لا زال سائدا .
لقد كانت المرأة قبل آلاف السنين هي السيدة دون إضهاد للرجل ثم تغير الحال وساد الرجل وعلى الفور ما أن تمتع بالملكية الخاصة حتى اتبع المرأة ، وكان ظهور العائلة البطريركية الأبوية أول عنوان مؤسسي لإخضاع المرأة واستمر الحال في العصر العبودي والإقطاعي و وحتى اليوم وبشكل اخف في العهد الرأسمالي .
يعود الرجل من العمل في الحقل متعبا وتعود معه المرأة . هو السيد يجلس ليستريح أو يذهب لبعض شأنه بينما هي عليها استكمال أعمال كثيرة رتيبة ومضنية هكذا كان حيث كانت تجلب الحطب للوقود والتدفئة وتجلب الماء من عين الماء ..الخ
إن الذكورية هي حالة إجتماعية سائدة وتبدو للوهلة الأولى وكأنها نتاج طبيعي مع نشوء المجتمع وتبدو للرائي أنها واقع الحال الأبدي مع انها ظاهرة نشأت وتبلورت وحصل لها أطوار كثيرة ثم أخذت تتبدل وتتغير مع تغير النظام الإجتماعي كتابع له ولكنها تتغير بشكل بطيء وهي من السمات المحافظة ويسعى دعاة كثيرون في المجتمع للمحافظة عليها ، كما أن الكثير من جوانبها مدعمة بالقيم الإجتماعية والدينية ، وحتى أن المرأة يمكن أن تدافع عن قوامة الرجل وحقه في تعدد الزوجات وحقه في الوعظ والهجر وحتى الضرب كأوامر إلاهية فكثيرا من وعظ المرأة يكون تكريسا للذكورية وطاعتها فطاعة الرجل من طاعة الله والرجل الزوج والأب والولي هو مفتاح الجنة للمرأة
الوضع القانوني : حصل الكثير من الإرتقاء على هذا الصعيد ومع ذلك ظل القانون يعترف بولاية الرجل حين الزواج وفي أمور عديدة وهو المحرم في العديد من البلدان الذي لا يجوز الإنتقال دونه .
لا زالت القوانين مجحفة بحق المرأة وأعتقد أن المساواة تبدأ في المجتمع من خلال الترسيم القانوني الخاضع للتطبيق الفعلى . فالقوانين التي تمثل التقدم هي رافعة للمجتمع بقدر ما هي ضابطة للنظام العام وفقا لمصالح من سنّوها .
التوعية : لا نستطيع القول أن التوعية معزولة عن النظام الإجتماعي السائد ولكن لننتبه أن التوعية نوعان
الرسمية : من خلال سلطة الدولة والمدرسة الرسمية والجامعة الرسمية ووسائل الإعلام المختلفة الرسمية .
غير الرسمية : هنا يكون دور الأحزاب الديموقراطية و التقدمية واليسارية في التعبأة والتحريض والتثقيف والتنوير بحقوق المرأة وتعريفها بذاتها ، كما يكون دور المتطوعين من خلال الوسائل المتاحة. ويكون لهذه المؤسسات دور في توعية الرجل بحقيقة المرأة وحقوقها ونقد الظلم الإجتماعي الواقع عليها .
إن التوعية الأهم هي المقترنة بالتنظيم والتي تصل إلى كل التجمعات
التنظيم : لا شك أن انتظام المرأة في الإتحادات ومختلف أشكال التجمعات كما في المنظمات الحزبية وشبه الحزبية يشكل عاملا هائل القوة لتحفيز كل عناصر الدفع للدفاع عن المرأة وحريتها وحقوقها وفرض النظم القانونية والإجتماعية لصالحها .
ربما تقوم بعض منظمات ال إن جي أوز ببعض الدور في توعية المرأة والدفاع عن حقوقها. إن منظمات ال إن جي أوز ليست بديلا عن أطر المرأة الشعبية والتطوعية على غرار ما كان قتئما قبل أن تطغى المنظمات هذه وتحتل مواقع الأطر الديموقراطية الكفاحية وتهمشها وتتظاهر بالقيام بدورها على نطاق محدود .
إن التنظيم يضاعف القوة يسهل عملية التوعية والتحريض على النضال بمختلف أشكاله ووسائله كما يعمق الشعارات في المجتمع ويكتسب مزيدا من الإلتفاف حولها . والتنظيم في حالة نهوض وطني يفرض ذاته على الأرض بينما في الهبوط تأتي منظمات ال إن جي أوز وتحل محله .
ثم نعود للقول أن تغيير الرجل وتغيير مفاهيمه وقناعاته عملية ضرورية على طريق تحرير المرأة من الظلم الإجتماعي والقيمي الواقع عليها .
غير أنه من المهم التأكيد أن تحرير المرأة كشعار إجتماعي مطلبي لا يكتمل إلا بتحرر المجتمع( بما فيه المرأة والرجل ) من كل قيد ومن كل ظلم ومن الموروثات الرجعية ومن الإستعمار .. تحرر المجتمع من الملكية الخاصة وفكر الملكية الخاصة والذكورية والفوارق الطبقية أي الإشتراكية هي تحرير المرأة