مطالب النساء في ظل حكومة بنكيران .



سعيد الكحل
2014 / 3 / 14

حلت مناسبة اليوم العالمي للمرأة التي أحيتها نساء المغرب في أجواء سياسية يسودها التوتر والقلق أكثر ما يطبعها الترقب والانتظار . لا أحد يستطيع استشراف المستقبل القريب بقدر من الاطمئنان بسبب سلسلة من التراجعات التي مست كل المجالات وتتهدد ما تراكم من المكتسبات الحقوقية والاجتماعية والسياسية والأمنية ؛ ما ولّد في نفوس المواطنين خوفا مريعا لم يسبق أن عرفه مغاربة ما بعد الاستقلال . في ظل هذه الحكومة التي لا تتقن سوى أسلوبين رئيسيين : يتمثل الأول في الإجهاز على الحقوق المادية والاجتماعية عبر الزيادة في الأسعار ونسب الفقر والبطالة وسن التقاعد . أما الثاني فيتجسد في التحايل والالتفاف على المطالب التي ترفعها كل الفئات وفي مقدمتها النساء عبر هيئاتها الفاعلة في المجال . ولعل المسار الذي يتخذه المغرب في ظل هذه الحكومة يزيد من حدة الاحتقان ويتهدد الأوضاع بالانفجار . وكان من المفروض أن تأخذ بلادنا منحى أرقى يجسد طموحات الحراك السياسي ويستجيب لانتظارات أوسع فئات الشعب المغربي ومطالبه في العدالة الاجتماعية ؛ خصوصا وأن دستور 2011 يوفر الضمانات السياسية والآليات الدستورية لترجمة تلك الانتظارات إلى نتائج ملموسة تنعكس إيجابا على الحياة الفردية والاجتماعية . فالحكومة بهذه السياسة المتبعة تعطي الدليل على عجزها الفظيع في تدبير الشأن العام والارتقاء بالممارسة السياسية والعمل على تخليق الحياة العامة بما يجعل المواطنين يطمئنون على مستقبلهم ومستقبل الوطن . إذ في الوقت الذي ينص الدستور في الفصل 19 على إحداث "هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز " ، انسجاما مع التوصية الأممية بإدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمٍرأة في الدساتير الوطنية ووضع التشريعات القانونية وفق ما تنص عليه اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ودخلت حيز التنفيذ في 3/9/1981 ؛ نجد الحكومة تنهج نهجا منافيا لنص الدستور وروحه عبر أسلوب التحايل والمماطلة والإقصاء . وقد مارست الحكومة أسلوبها هذا مع كل الهيئات الفاعلة ، وضمنها الهيئات النسائية حتى وهي تعد مشروع قانون مناهضة العنف ضد النساء رقم 13 ــ 103 الذي أعدته وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية ، أو ما يتعلق بمراجعة المادتين 20 و21 من مدونة الأسرة لمنع زواج القاصرات . أكيد أن من يؤمن بأن المرأة عورة تستوجب التلفيف والتغليف حتى لا تفتن الذكور ، ومن يصر على ربط العنف ضد النساء بعاملي الاختلاط والتبرج ، ومن يعتبر ضرب الزوجات تشريعا سماويا وليس عنفا يستوجب العقاب ، ومن يتشبث بزواج القاصرات ويؤمن أنه مباح شرعا ومطلوب عُرفا ومرغوب اجتماعيا ، ومن يؤمن بأن المرأة ناقصة عقل ودين وعاجزة عن القرار والتدبير والاختيار ، ومن يقر بحاجة المرأة إلى وصي يدبر أمورها ويقرر نيابة عنها ، أو ولي/محرم يرافقها في حلها وترحالها يؤمّن لها الطريق ويحميها في السكن والسفر ، ومن يقر أن خروج المرأة إلى المجال العام عصيان للأمر الإلهي "وقرْن في بيوتكن" ، ومن يحصر مهمة المرأة في صنع العلف ووضع الخلَف ، ومن يجعل المرأة أخت الشيطان ومصدر كل الشرور .. من كان هذا حاله وإيمانه ويقينه وأسندت إليه سلطة التشريع القانوني وصلاحية تنفيذ القرار الحكومي باسم الشعب والدستور والشرعيات الديمقراطية والانتخابية والشعبية ، لن يتفهم معاناة النساء بسبب القهر الاجتماعي والحيف القانوني ، ولن يناصر قضاياهن ولن يستجيب لمطالبهن بوضع تشريعات تجرم تزويج القاصرات وتشدد عقوبة التحرش الجنسي في الأماكن العمومية ، ولن يستسيغ أن تتحمل الدولة مسئوليتها في توفير الأمن للمرأة حيثما وُجدت : في البيت أو الحقل أو المعمل أو الإدارة أو وسائل النقل ، وأن تحمي كرامتها وتصون إنسانيتها وتحسن صورتها في المناهج التعليمية والخطب الدينية وفي البرامج الإعلامية .. إن من كان هذا دأبه لن يبذل أدنى جهد لتفعيل الدستور ، بل سيسعى لتعطيله أو تحريف تنزيله حتى لا يزعزع يقينياته ويخالف معتقداته . من هنا نفهم لماذا أرْجأت حكومةُ السيد عبد الإله بنكيران المصادقةَ على مشروع قانون مناهضة العنف ضدّ النساء، رقم 13-103، ولماذا أقصت الهيئات النسائية الجادة من المشاركة في صياغة المشروع ، ولماذا ترفض تشديد عقوبة الاغتصاب ، ولماذا يتشبث حزبه وفريقه البرلماني بتزويج القاصرات .. أكيد أن رئيس الحكومة يترجم قناعته الثابتة بجعل التشريع الإسلامي كما يتمثله حزبه أسمى من الدستور ومن كل المواثيق الدولية ، سواء تلك المتعلقة بمناهضة العنف وكل إشكال التمييز ضد النساء ، أو تلك المتعلقة بأجرأة مبدأي المساواة والمناصفة في التشريعات القانونية والسياسات العمومية . فليس أمام مناصرات ومناصري قضايا المرأة غير توحيد الجهود وتكثيفها لفرض الإصلاح والتغيير على حكومة يؤمن رئيسها بأن المرأة مكملة للرجل وليست متساوية معه .