المرأة... الغائب الأبرز عن قضاياها



إيمان أحمد ونوس
2014 / 5 / 2


لدى تناول أيٍّ من الموضوعات المختصة بقضايا المرأة، سواء المعرفية منها كالقوانين والاتفاقيات الدولية، أو التفاعلية كالندوات أو المحاضرات وسواهما،غالباً ما نجد أن المرأة على مختلف مستوياتها التعليمية والمهنية والاجتماعية، هي الجاهل والغائب الأبرز عن تلك الموضوعات، رغم أنها تقع في صلب حقوقها وحياتها الإنسانية، وتتناول صميم إشكالياتها الأسرية والمجتمعية والمهنية.
وأكثر ما لفت انتباهي في إحدى فعاليات الهيئة السورية لشؤون الأسرة، جهل غالبية المشاركات أو عدم سماعهن بمفهوم الجندر واتفاقية السيداو، رغم أنهنّ عاملات وناشطات في الحقل النقابي، هذا الحقل الذي يستدعي معرفة شاملة بهذين الموضوعين على أقل تقدير من أجل إنجاح العمل النقابي والوصول به إلى مبتغاه.
كذلك الأمر أثناء محاضرة تناولت المواد التمييزية ضدّ المرأة في القوانين السورية، لاسيما قانون الأحوال الشخصية أبدت بعض الحاضرات اللواتي لم يتجاوز عددهن أصابع اليد الواحدة دهشتهن لما يحتويه هذا القانون من مواد لم تسمعن بها رغم أنه من صميم حياتهن وعلاقتهن بالزوج والأسرة والمجتمع. بينما كانت المفارقة هو الحضور الكبير للرجل ومناقشته وبجدية المسائل المتعلقة بالمرأة أكثر من المرأة ذاتها.
والأمر الأكثر غرابة هو إصرار المرأة على استمرارية الجهل هذه من خلال رفض حضور المحاضرات والندوات التوعوية بكل هذه الأمور، أو حتى مجرد الاطلاع على القوانين والاتفاقيات المختلفة والمتعلقة بقضايا وهموم المرأة عامةً، وهذه إحدى أهم إشكاليات العمل والنشاط في مجال قضايا المرأة، على اعتبار أن المعنية بتلك القضايا غائبة أو مُغيّبة عن ساحة المعرفة والفعل، مُفَضِلةً في كثير من الأحيان مختلف الأنشطة والأعمال البعيدة تماماً عمّا له صلة بقضاياها وشؤونها، وهذا يعود لأسباب مختلفة منها:
أولاً- الصورة النمطية- التقليدية التي رُسمت منذ آلاف السنين وترسّخت في أذهان بعض النساء، ما جعلهن متماهيات تماماً معها ومع ما يريده المجتمع بقيمه وتقاليده من المرأة عبر قناعة راسخة، وثقة مطلقة بأن دورهنّ في الحياة هو ما سنّه الشرع وسار عليه المجتمع زمناً طويلاً لم يعد التغيير معه مجدياً ولا صحيحاً، وبالتالي لا فائدة من ضياع الوقت بأمور وقضايا لا تستدعي اهتمامهن.
ثانياً- هذه القناعة المتشبثة بتلافيف أدمغة أولئك النساء جعلتهن يتجهن باهتماماتهن إلى كل ما يُرسخ الصورة النمطية، وأحياناً كثيرة تلك الصورة السلبية عن مدى وعي وتفكير المرأة المحصور بأعمال البيت والإنجاب والعلاقة مع الزوج، أو انتظار العريس إذا ما كانت المرأة عازبة، وذلك من خلال ملء وقت الفراغ بزيارات نسائية تقليدية تُستباح خلالها أحياناً أسرار الحياة الزوجية والأسرية، وربما تُستباح أيضاً حياة وعلاقات الآخرين بطرق فظّة وسلبية فيها الكثير من التجني الفارغ من أيّ معنى ومصداقية. إضافة إلى الاهتمام الكبير بالمظهر الخارجي عبر اقتناء آخر صيحات الموضة والتسريحات وعمليات التجميل لدى البعض.
ثالثاً- خيبة أمل الكثيرات ممن مارسن النشاط السياسي أو النسوي لوقت ليس بالقليل، جرّاء الإحساس بفشل تلك التيارات السياسية أو النسوية في الوصول لأهدافها، لاسيما تلك المتعلّقة بمحاولة تغيير وضع ومكانة المرأة في المجتمع، ووصول أولئك النساء إلى نتيجة مفادها أن الأعراف والتقاليد التي تقيّد المرأة وتُبقيها في فضاء الحرملك أقوى من القوانين والاتفاقيات والمعاهدات، وبالتالي لا معنى ولا قيمة لأية ثقافة معرفية، أو تفاعل مع ما يجري من نشاطات تُلقي الضوء على قضايا وحقوق المرأة، بل بالعكس، فقد ذهبت بعضهن إلى أن تلك المعرفة أو المشاركة متعبة ومرهقة لحياتهن أكثر بكثير مما لو تجاهلنها.
رابعاً- قصر اهتمام الأحزاب السياسية التي نادت بمساواة المرأة في المجتمع والوصول إلى حقوقها إلى مجرد شعارات وبروتوكولات ومظاهر خالية من أيّ فعل حقيقي يمكن أن يرتقي بوضع المرأة في المجتمع، وذلك بفعل سيادة الذهنية التقليدية تجاه المرأة لدى الكثير من قادة تلك الأحزاب التي وضعت قضايا النساء في نهاية أولوياتها وأجنداتها، مع أنه لا تغيير حقيقي وشامل في المجتمع ما لم يتغير فيه وضع النساء عموماً.
خامساً- نخبوية بعض التنظيمات النسائية وقادتها في التعاطي مع تلك القضايا من خلال التركيز فقط على عقد المؤتمرات الداخلية والخارجية، أو تنظيم ورشات العمل وللنخبة من النساء في قاعات فنادق فخمة يكون مجرد المرور بأحيائها حلماً لأخريات. إضافة إلى أن الأجندات الموضوعة لبعض تلك التنظيمات تحمل عناوين وموضوعات يُبقيها دائماً في نطاق الشعارات الرنّانة البعيدة إلى حدٍّ ما عن هموم ومآسي المرأة المحلية، على اعتبار أن المسؤولات أو المشرفات على تلك الأنشطة في غالبيتهن من طبقات وشرائح لا تعيش المعاناة اليومية لملايين النساء في المجتمع، ما يجعل من تلك الأنشطة والمهام ترفاً لا يعني باقي النساء ولا يجذبهن للانخراط فيه.
سادساً- التعاطي الرسمي والحكومي مع قضايا المرأة من منظور إعلامي- إعلاني ليس له إسقاطات حقيقية على أرض الواقع، وإنما يتناول الأمور بشكلها العام بعيداً عن تحديد أولويات يمكن العمل عليها من خلال دراسات وأبحاث دقيقة ومُعمّقة، مع ندرة تلك الدراسات والأبحاث التي يجب أن تتناول أدق وأخطر الموضوعات التي تُعاني منها المرأة في مجتمع محافظ بكل ما تحمله الكلمة من مدلولات تكبّل المرأة وتُبعدها عن ساحة الوجود الإنساني. إضافة إلى تماهي القرارات الحكومية في كثير من الأحيان مع منظومة القيم الاجتماعية والدينية الداعية إلى بقاء المرأة مجرد تابع وكائن من مرتبة أدنى بكثير من مرتبة الرجل، وأبرز ما يمكن ذكره، هو التحفظات الحكومية على أهم بنود اتفاقية السيداو، لاسيما المادة/16/ منها والتي تتناول وضع المرأة في الزواج والأسرة والمجتمع. أضف إلى ذلك المشاركة الصورية للمرأة في جميع السلطات الحكومية ابتداءً من العمل البرلماني، وليس انتهاءً بالمناصب العليا في الدولة.
إن مجمل هذه الأمور تُعتبر تربة خصبة لبقاء المرأة غائبة أو مُغيّبة عن قضاياها الأساسية والهامة، والتي لا يمكن لأيّ مجتمع أن يرتقي ما لم يتغيّر وضع النساء فيه، ولا لأيّة ديمقراطية أن تسود بعيداً عن وجود ومشاركة المرأة الحقيقية والفاعلة في المجتمع والدولة على كافة المستويات والاتجاهات.