مشكل الطلاق ليس قانوني يا سيادة الرئيس .



صالح حمّاية
2015 / 3 / 10

و أنا أطالع نص الرسالة التي بعث بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للمرأة الجزائرية بمناسبة عيدها، ساءتني حقا إحدت المقاطع التي وردت فيه ، وتحديدا تلك التي تختص بمشكل الطلاق حين قال : "ولما كان قانوننا للأسرة غير منزه عن الثغرات، وعلما بأن الطلاق بمختلف أشكاله، ولاسيما منها الخلع، أصبح ظاهرة متنامية في مجتمعنا، آمر الحكومة بتكليف لجنة من أهل الاختصاص بمراجعة وتعديل مواد القانون المذكور ذات الصلة بالطلاق، التي تحتمل عدة تأويلات، وذلك بما يضفي عليها الوضوح والدقة ويسد الثغرات ويضمن حماية حقوق الزوجين والأولاد، والمحافظة على استقرار الأسرة الجزائرية بحيث تساهم في ديمومة مناعة مجتمعنا من الإختلالات والآفات.هذا يعني أنه يجب علينا أن نطور تشريعنا الخاص بالأسرة بما يتماشى مع مقتضيات العصر ومتطلبات الحداثة بالنسبة للحياة الاجتماعية للمرأة والرجل، ويضمن، في كل الأحوال، تطابق نظرة المشرع مع شرعنا الحنيف. " فالحقيقة انه إذا كان الرئيس يعتقد حقا أن مشكلة الطلاق مشكلة قانون ، فهنا نحن أمام أزمة فهم حقيقة لدى السلطة الجزائرية ، وإذا كان التصور أن حلها سيكون بالقانون الردعي فهنا نحن أمام تصور شمولي لحل المشاكل ، وهذه كارثة .

بالنسبة للطلاق وكما هو بيّن لأي إنسان له احتكاك بالمجتمع الجزائر كما أفترض ، فالقضية أبدا ليس قضية قانون ، بل القضية هي قضية مجتمع بدأت طبيعته تتغير، ومنه فهو بدا يعرف ظواهر جديدة عليه ، فالمجتمع الجزائري اليوم ليس هو المجتمع قبل 20 سنة مثلا ، وعليه من البديهي أن يكون هناك أمور طارئة عليه ، وبالنسبة لطلاق فدعنا نقول أن تطور المجتمع الجزائري على مستوى البنية ، وتخلف القيم التي يحملها على اللحاق بهذا التطور هو السبب وراء الطلاق ، فاليوم وكما نعلم المرأة الجزائرية باتت مختلفة عن المرأة الجزائرية قديما ، فأولا : هي باتت امرأة متعلمة ، وتعليم المرأة كما نعرف يجعلها تهتم بحقوقها جدا ، ثانيا : هي باتت مرأة عاملة ، وعلى حسب بعض الإحصائيات فالعمالة النسوية تصل في مناصب إلى نسبة 60 % ، وطبعا العمل للمرأة يعني بالمختصر الشعور الاستقلالية ، ومن هذا المنظور وحين نتحدث عن الطلاق ، فالطلاق هو نتيجة لان الرجل الجزائري لم يفهم بعد هذا التغير ، فالرجل الجزائري لا يزال يتزوج بطريقة تقليدية ، وحين يعامل زوجته فهو يعاملها بطريقة تقليدية ( أي طريقة السيد والعبد) ، لكن طبعا هذا أمر لم يعد ممكن ، فلا يمكن لأحد أن يستعبد إنسان متعلم ، ومن هنا المرأة اليوم التي تطلب الطلاق آو الخلع ، فهي كلها نتيجة لمثل هذه الأمور ، حيث لا يزال الرجل يريد المرأة العبد ، فيما المرأة لم تعد كذلك ، و ومنه دائما لا يبقى سوى الطلاق أو الخلع كحل .

السبب الأخر الذي يمكن ذكره حول حمى الطلاق هو كذلك تغير ذهنية الرجل الجزائري (خاصة في ما يعلق بطبيعة الزواج ) فإذا نظرنا للمجتمع قديما لوجدنا أن اغلب الشباب كان لديه تصور محدود عن الزواج ، فهو يتزوج ليؤسس بيت صغير وانتهى ، وغالبا لا يوجد متطلبات في هذا الزواج ، أما المرأة فأصلا لم يكن لها صوت و إرادة لتريد ، لهذا الأمور كانت مستورة، لكن اليوم ومع الانفتاح صار اغلب الشباب و الشابات يبحثن عن الرومانسية في الزواج ، ففي ظل أن المجتمع ليس منفتحا تماما عن العلاقات العاطفية خارج إطار الزواج ، فالغالبية تحاول أن تبحث عن الحب و الاستمتاع داخل العش الزوجي ، لكن طبعا ليس هذا بالأمر المتوفر وللأسف ، ففي ظل كون اغلب الزواجات في المجتمع زواجات تقليدية (أي ليست مبنية على حب ) فغالبا ما تصدم الفتاة أو الفتى بشريك الحياة حين لا يكون كما هو متخيل ، ومنه نجد اغلبهم يطالب بالطلاق بعد فترة قصيرة من الزواج ، وهذا طبعا كله مفهوم ، فالشباب يدخل بآمال و شوق ، ليجد الأمر ليس كما تمنى ، وعليه لا يبقى سوى الطلاق .

السبب الثالث كذلك في تفاقم ظاهرة الطلاق الذي يمكن ذهر هو مسالة "الزواج الملفق" فاليوم في الجزائر وكثير من الدول الشبيهة ، وبسبب انتشار ظاهرة العزوبية ، صارت كثير من الجمعيات و المحسنين ينظمون زواجات جماعية للشباب لمساعدتهم ودعمهم ، لكن الحقيقة أن هذه الزواجات الملفقة التي تتم بطريقة الجملة ، غالبا ما ينتهي بها الحال إلى الطلاق السريع ، فالشباب يتزوج بدون تهيئة نفسية (زواج على البارد ) لهذا ينتهي به الحال سريعا إلى طلاق على البارد ، وشخصيا شهدت حالة كهذه حيث وفي عرس جماعي ضم عشرين عروس وعريس ، انتهى الحال ب 15 منهم إلى طلاق في الأشهر الثلاث الأولى ،ـ وهنا يبدو واضحا إن التلفيق في الزواج يؤدي بالنهاية الى الطلاق السريع ، فالشباب غالبا تزوج وهو لا يملك عمل يصرف به على بيته ، أو هو ليس أهلا للزواج أصلا ، لهذا مباشرة ومع بدء ضغط الحياة عليه ، ينهار ويطلق .

على هذا وكما نرى فمشكلة الطلاق أعمق من قضية قانون ، وأعمق من قضية ردع ، فمشكل الطلاق اليوم هو مشكل مفهوم الأسرة ذاته ، فهل الأسر تبنى بالإرادة الذاتية ( أي عشيقين يؤسسان أسرة ) أم الأسر تبقى بالقوة و الجبر ، وطبعا هنا يتضح انه مستحيل بناء أسرة بالقوة ، بل لنقل انه في كل العالم اليوم نظام الأسرة الاجتماعي ذاته مهدد بالزوال ، ففي ظل عدم القدرة على ضبط علاقة متوازنة بين الرجل و المرأة تبنى على الرضا ، فمن المستحيل بناء أسرة متماسكة ، لهذا فمن يريد اليوم إيقاف نزيف الطلاق اليوم ، فما عليه سوى بالمطالبة بالاحترام المتبادل بين الرجل و المرأة ، و بتشجيع الحب خارج إطار الزواج لإنهاء طرق الزواج التقليدي ، فلكي نضمن التفاهم بين الزوجين يجب أن يكون هناك حب يبنى عليه الزواج ، أما إذا كان الحال هكذا ، فهذا لن يجدي و لن يفلح ، وطبعا كما نرى فهذا ليس أمر يمكن للدولة أو الحكومة فعله ، بل هو مسالة مجتمع ، فإذا أنفتح المجتمع على القيم الحداثية وتقبل الحب والعلاقات بما يتوازى و حداثة المجتمع ، فهو يمكنه الحد من ظاهرة الطلاق، أما إذا أستمر المجتمع على محاولة التمسك بالقيم التقليدية فهو لن يجني سوى دماره .
بالمختصر إذن يجب إن تبنى الأسر على الاحترام و الحب لتدوم ، إما إذا لم يحدث هذا فالأسرة نفسها إلى زوال ، وليس إلى طلاق فقط .