حلقة 61 النجمة الساحليّة فائزة الداوود بين الحياة والنصوص :



بابلو سعيدة
2015 / 4 / 12

حلقة 61 النجمة الساحليّة فائزة الداوود بين الحياة والنصوص :
رفضت فائزة في نصوصها وحياتهـا ، مفـردات التحزب والتأدلج والوهم وعمى الألوان النقدي والخدمة الإلزامية للأدب وللأدباء ، لأنها عاشقة للحرية وللوطن الحرّ .وهي بانياسيّة في صفاء عالمها الداخـلي الممتزج بصفاء البحر وزرقة السماء .ووطنية في عينيها وذاكرتها وسببت لها صراحتها وجرأتها ورواياتها وقصصها واندفاعاتها البركانية إرباكات وإشكالات مع الواقع والذهنية الراكدين .كما بات من المؤسف حقاً أن يعود الأديب أو الفنان أو السياسي المهاجر، إلى وطنه وهو مغمض العينين . وينام نـوماً أبديـاً معانقاً تراب الوطن في مماته لا في حياته . وتحررت فائزة من الغبار الصحراوي ، والتعصبات والتحزبات والعنتريات الصحراوية والقواعد التقليدية قواعد اللغة القاموسية والبحور الفراهيدية والشرف القبلي ، وقواعد المجاملة والمسايرة ، والروابط الاجتماعية العنكبوتية ، وقواعد المصالحة بين العلوم النقليّة من جهة والعلوم الانسانيّة والنظريّة من جهة اخرى .واحتجّت على التمذهب والتأدلج . ورفضت التأميم ، تأميم الأفكار وتدجين البشر . واستنكرت منظومة أخلاقية، هي جيل الخفافيش والأقنعة وصداقة الطحالب . والحب والحرية والانتماء مفردات محترمة في نصوص فائزة ويومياتها، في عالم بدأ يهرم ويشيخ بسبب البؤس الثقافي والإنساني، وتحوله إلى أرقام ومنفعة وإعلان تجاري.
فائزة ترغب أن تؤسس عالماً فنّياً، تزرع فيه إنساناً محباً ومبدعاً وعاشقاً ومنتمياً . وفيه يمنح كل جنس للآخر، القدرة على الحب والإبداع . واستطاعت فائزة تحويل ابتسـامة الحبيب إلى قوس قـزح وشـعره إلى زوبعـة بحرية وعينيه إلى نار للعراك ، والملل والتكرار والضجر إلى كرنفالات ومهرجانات للرقص وللفرح وللغناء والمهادنة إلى مشاكسة والقبول إلى رفض ، والأيام الرتيبة والمتشابهة إلى سمفونية للتجديد والتحديث.
وتعمل فائزة على تهديم جدران الذاكرة لإعادة الإنسان المحب إلى عالم الدهشة والانتظار والشوق . هـل بطـل فائزة التي أحبّته نثراً أم شـعراً ، شـخصية تخييليه أم عبثية أم سوريالية أم واقع ديناميكي أم مشاكس وفضائحي ومقدام وجسور
إنّه كل هذه المواصفات مجتمعة .وفائزة لا تحمل ميزاناً ولا جداول جمع وطرح وضرب . ولا تهوى جمع الطوابع ودفاتر الشيكات . ولا يرافقها مراب عتيق ، يعقد لها الصفقات . ولا تعرف لُعَبَ الحياة والسياسة . ولا تتقن فنّ راقصات السيرك . إنها عاشقة ومحبّة .والحب ليس محصوراً في الجسد بل هو مزروع في مكوّنات الطبيعة ومكنوناتها.وأكره الأشخاص إلى فائزة هو الملياردير: هوايته : القمار والاتجار بالمخدرات والآثار . معبوده : الدولار . أعداؤه : المساءلة وحقوق المواطنة . أصدقاؤه : طحالب التاريخ وطفيلياته . ذاكرته : محشوّة بغبار التاريخ وأوحاله . صادراته : بيع الوطن بالجملة والمفرق . ولادته : ولد في السوق السوداء . وفائزة تعيد تركيبتها الجوهرية كالفراشة كل ربيع ، كي تصبح نجمة أكثر إثارة ودهشة وفتوة واضاءة .وفائزة بنت الساحل ، هي العنقاء ذاتها . وتطمح إلى الخلود الأبدي .وترفض مشروع الموت ، لأنه ليس من اختيارها أو طموحها .ولا تحب فائزة استحواذ المجهول أو تحويله إلى معلومة وملكيّة ، بل ترغب أن يبقى الحلم والمساءلة مستمرين كي يستمر المبدع في أبحاثه وتقنياته واكتشافاته وتجدده وتفاؤله .وتبقى فائزة معشوقة الجميع ، وحتى فائزة تعشق فائزة . فائزة فتـاة طقسية المزاج ، ومشـاكسة للمألوف . وفي نفس اللحظة التي تهرب من ذاتها ، وتنفر من العالم ، ففي لحظة أخرى تحب العالم وذاتها وهي تحب وتهوى عكس ما يحب المألوف الاجتماعي ويهوى. والإنسـان العاشـق الجاهل الـذي يقتـرب منها ويعلن الحبّ المباشر . عليهــا ، تبتعد عنه .وتعلن الحرب الفكرية عليه .
وهي تحترم الإنسان المبدع الذي يعادلها او يتفوّق عليها. والعلاقة بين البطلين المبدعين ، ليست علاقة، احتواء واحتكار، بل هي علاقة توازن وتكافؤ وتشـارك . وَوَجَـد الآخـر ذاته في ذات الآخر لصناعة الفرح . والحب في أدبيات فائزة، يأتي كالزلْزال ، وينفجر كالبركان . ورفضت فائزة الاشتراطات ، والإملاءات والعبوديات المفروضة ، من الذكر على الأنثى ، ومن الأنثى على ذاتها .لأن فائزة تختار مشروعها . وترفض مشروع الإكراه .
والبطل الايجابي في نصوص فائزة ويومياتها ، ليس مغازلاً للسلطة وللماضوية . وترفض أن يكون بطلها مستلباً من قبل النصوص التراثية والغربية .وهو بطل مغامر وشجاع واقتحامي وعنيد وصلب .
لا يهادن المألوف .ويشاكس الخصوصيات الثابتة والأبدية .ولا يساوم على قيمة .ويقتحم الحواجز النفسية بين الجنسين .ويدعو إلى إجراء مقاربة ومصالحة بين المرأة وجسدها .ويبقى بطلها يتدفق حيوية ونشاطاً وتألقاً ..وفائزة لا تميل إلى المشابهة والمماثلة مع بطلها ، بل تعتمد التعارض والتناقض معه لأن عالم فائزة هو عالم الشـجار والمناكدات والالتحام بالعالم حباً ونفوراً . والمدينة في أديباتها تقوم بتعليب أبنائها وتدجينهم وتحولهم إلى مصلوبين ومستهلكين .وتجعلهم أرقاماً في سجلات النفوس والحياة ... إنه عالم حزين .... وسوداوي قاتل.والعلاقة بين فائزة وبطلها ، هل هي علاقة نصوص أم حياة ؟ . وهل النص اختلط بالواقع ؟ فائزة أصابها الاختلاط الذهني .ولم تعد قادرة على إيجاد الخيط الرفيـع الـذي يفصـل بين النص والحياة ، والتمثيل والواقع ، والحلم والحقيقة وعبثية اللعبة وجدّيتها . إننا نعيش في عالم استهلاكي لا إنساني حيث استبدل التواصل البشري بالتواصل الوهمي .وترفض فائزة إفرازات العالم الاصطناعي .لأن أفضـل ما تدهـن به شـفاه الإنسان ، هو الصدق ، الصدق في النصوص وصدق الإنسان مع ذاته ، ومع الآخر والحياة معاً .ولا تميل فائزة إلى عالم النجوم الكلاسيكيين والفانتازيين والعبثيين .ولا تهتم بالبطل الدون كيشوتي والدونجواني والزوربي .ولا تؤمن بالحتمية القدرية .وهي تحترم وتستهجن الآخر في حضوره لا في غيابه . وترى أن الإنسان الذي يرفع راية الحب والتسامح في يدٍ ويرفع راية الحقد والانتقام في يدٍ أخرى ، هو إنسان شرير وشيطان ذاته .وهي غزيرة في منتوجاتها الأدبي / الفكري . وظلّت فائزة طلقة فكرية ثقافية ، ونجمة ساحليّة مضيئة في حوض المتوسط . وهي صرخة احتجاجية على الواقع الرسمي منه والأهلي . ويبقى الأديب المبدع قلقاً ومتأزماً في جوانيه أكان موجوداً في وطن الذاكرة والطفولة أم في وطن المنفى .لأن المألـوف يقيـم حـواجـز شـائكة أمامه ، والموروث يقف له بالمرصاد .ومقص الرقابة يقص أفكاره .ويعتقل مشاعره وأحاسيسه أمّا التكفيري فيقصّ لسان المبدع .ويعانقه كي يفجّره . ويفجّر ذاته .ويتحولان في لحظة تاريخيّة واحدة إلى أشلاء متناثرة ومتطايرة .وبطلها حزين في عالم المنفى الاختياري ، لأنه لا يستطيع الائتلاف مع المنظومة القيمية لوطن المنفى .لذا يعيش الأديب والفنان والمثقف والسياسي غربتين : غربة في وطنه الأصلي وأخرى في منفاه الطوعي .والأفــراد الصرحـاء والنشـطاء الذين قاوموا إفرازات الانتداب والاستقلال ، تحولوا إلى جيش من اللاجئين في حاضنات السيدة أوربة وصادقوا الملل والضجر ، والقلق والاكتئاب في وطن الذاكرة ووطن المنفى . وأصبحت اللوحة التشكيلية الواقعية ، الرسمية منها والأهلية ، في العقدين الأول والثاني من القرن الراهن أكثر كاريكاتيراً من رسم الكاريكاتير ذاته في عالم الواقع الراكد .ومجتمع الرياء الاجتماعي ، والنفاق الرسمي والاهلي وركّزت فائزة في نصوصها وحياتها على فضح الواقع الراكد ، وتعرية الرياء الاجتمـاعي ، الرسـمي منه والأهلي .وسبب لها التزامها الفني والأخلاقي وخروجها على المألوف والأدلجـات ، وتحررها من دكتاتورية الموروث الماضوي المقدّس والتسيّس والشعارات البرّاقة ، عـداوة العمائم الدينية والقبعـات الخاكية والقبعات المدنية الأحمر منها والأبيض . وفائزة تنتمي إلى الجغرافية السورية أرضاً وذاكرة وحياتاً .وتأكد للروائيّة فائزة أنه ما من موهبة تمرُّ بلا عقاب. وما من خروج على الأطر السائدة ، إلا وله عقاب .ومن دون الوطن ، وبعيداً عن جاذبيته الأرضية نتحول إلى بالون هائم في الواقع المطلق .واكتشفتْ أنّ من شروط الحرية ،الانتماء >وهي ما زالت تنتمي إلى عباءة جدّها ... هاني بعل .