المرأة من يبنغي أن يقرر في الاجهاض



المامون حساين
2015 / 5 / 1

يعيش المجتمع المدني المغربي بمختلف فاعليه المجتمعيين السياسيين والحقوقيين على وقع نقاش ساخن حول موضوعي الإجهاض والإعدام، بين تطرف في اتجاه نحو اليمين أو انعطاف نحو أقصى اليسار.. يؤكد عمق الخلل في تقرير قضايا الشعب في ظل معركة الانتقال التاريخي نحو الديمقراطية، إذ أنه على مستوى طاولة الإجهاض يتم بسط آراء مختلفة جذريا بين مؤيد مصفق بحرارة لتقنين الإجهاض ومعارض شرس، كما الإعدام بين من يدافع عن حق المجرم في الحياة ومن يدافع عن حق الضحية،في غياب تام لخيار توافقي وسطي....وقبل الدخول في النقاش لنرى من تبدأ الحكاية.
لو سألت أي امرأة في مختلف أرجاء العالم السؤال التالي : ما هي اسعد لحظة مررت بها . فسترد عليك وبدون تردد : لحظة سماعي أول صرخة لطفلي بعد المخاض، ولو حضرت تلك اللحظة لقرأت في وجه الام تعابير يعجز القلم عن وصفها ، فرغم تجربة المخاض القاسيه ورغم الامه التي لا تطاق ، تنسى الام وبلحظة واحده كل مامرت به وتنتبه الى اجمل لحن في الدنيا ، صوت صراخ وليدها الحبيب ، تسأل الطبيب بلهفه ان كان صغيرها يشكو شيئا ، تتلقفه بحنان ، تشمه مغمضة العينين لتشم فيه اجمل عطر في الكون ، تقبله ، تنتشي ، تقبل اليد التي ساعدتها ولتكن يد الطبيب او الممرضة او القابلة لا يهم ، فكلها اياد سعت لحماية احب مخلوق اليها ، ثم ما ان يتلقف بفمه الصغير ثديها حتى تتساقط دموعها مدرارا تردد في قلبها دعاء خفيا : ربي اطل عمري لأجل هذا المخلوق العاجز الصغير.
ولكن ولأسباب قاهره لا تحددها الا المرأة الام نفسها ، تضطر المرأة الى اسقاط هذا الطفل، وفي حدود معرفتها القاصرة عن ادراك المخاطر الجمة التي تنتظرها ، وهذا النوع من الاجهاض يطلق عليه الاجهاض الجنائي او المفتعل ، فيه تستعمل المرأة محرض لتفريغ الرحم من الطفل ، كحمل الأثقال او القفز والجري ، او الذهاب الى القابله لوضع وصفة من الاعشاب التقليدية لرمي الجنين خارجا، او قد تلجأ الام الى استعمال العقاقير الطبيه التي لها تأثير سلبي على الحامل ، او استعمال العقاقير التي تسبب الاسهال الشديد مما يؤدي الى تقلصات شديده في الرحم قد تؤدي الى الاجهاض .
من مضاعفات الاجهاض المتعمد او الجنائي حدوث صدمة عصبيه لدى الأم نتيجة الألم الشديد من إدخال أجسام غريبة في الرحم او حدوث نزف شديد نتيجة تمزق او اختراق لجدار الرحم او لعدم تفريغ الرحم بالكامل او نتيجة تلوث المهبل والرحم وقنوات فالوب نتيجة استعمال ادوات غير معقمه وقد تؤدي الى العقم مستقبلا .
في مجتمعاتنا الذكورية حيت تحاكم الضحية وتجلد ، يحكم على الفتاة الحامل خارج نطاق الزوجيه بالذبح او الطرد من الأسرة ، حتى وان كان المغتصب من المحارم . ولا تعفى الفتاة من القتل حتى وان كانت تحمل البراهين والأدلة على أنها كانت ضحية اغتصاب عدة رجال في ان واحد، و لا حول لها ولا قوه على ردعهم ، ولكن رغم هذا يكون مصيرها القتل في معظم الاحيان ، أو وصفها بنعوث قدحية ويسمها الجتمع الذي لا يرحم.
من الناحية الواقعية لجوء المرأة الى الاجهاض هو اضطرار اجتماعي وضرورة تلجأ اليها المرأة المسلوبة الارادة مسبقا في ان تكون حاملا ام لا ، وكذلك التخلص من الجنين بالنسبة لها هو واقع مؤلم ومر لمنع العيش في واقع اكثر مرارة وعدوانية ولا انسانية في وجود الطفل . وجعل الاجهاض قانونيا هو ليس حق من حقوق المرأة كما يصوره البعض بل انه بالضبط كحق اختيار الطريقة التي يود الموت بها المحكوم بالاعدام.( بالتأكيد انا ضد عقوبة الاعدام جملة وتفصيلا ) ، فالحقوق هي قضايا ومواثيق واقعية يتمتع بها الانسان وليس خيار وحيد ينطوي على الكثير من الأِلم والامتعاض كما هو الحال في الاجهاض فليس قانونية الاجهاض كجملة الحقوق المسلوبة من المرأة في هذا المجتمع ، مثل حرية الملبس وحق اختيار شريك الحياة وحق الانفصال والمساواة التامة مع الرجل في قوانين العمل وقوانين الاحوال الشخصية ومنع العنف المنزلي ومنع التحرش الجنسي والاعتداء الجنسي والحق في الضمان الصحي والاجتماعي وحق التعليم وإكماله و..... عشرات الحقوق الاخرى .
في الوقت الذي اطرح فيه جعل الاجهاض قانونيا في مجتمعنا يجب ان يكون هذا الاختيار بيد المرأة وحدها وليس شخصا اخر وأن تكون هذه القانونية ذا فائدة واقعية للمرأة وذلك بجعله مجانيا وفي العيادات الطبية المتخصصة وبمتناول الجميع ، مع تطوير وتوفير وسائل منع الحمل وجعلها مجانية ايضا اضافة الى التربية الجنسية السليمة في المدارس ونشر الثقافة الجنسية في المجتمع ، كلها في تصوري هي خطوات عملية وواقعية للتقليل من لجوء المرأة الى الاجهاض واثاره الاجتماعية .
الان ونحن نعيش عصر التقدم الطبي السريع الذي يكفل للام السلامة التامة في عمليات الإجهاض ان تمت في المستشفيات و تحت إشراف طاقم طبي ، حيث التعقيم والنظافة واستعمال التخدير لمنع تعرض الام للصدمة عند استعمال الاجهزه الطبية ، وحيث تتم عملية الإجهاض دون خوف وتكتم كما هو الحال في الإجهاض السري الذي تقوم به القابلة ، اطالب ان يكون الاجهاض في يد واختيار المرأة ، لاجل انقاذ حياة الاف النساء اللواتي يقتلن بصورة رمزية متعمدة من قبل الثقافة الذكورية في المجتمع .