سياسات «كشف النقاب عن المرأة السعودية»: بين المخيال ما بعد الاستعماريّ ودولة الرقابة



أميلي لو رينار
2017 / 2 / 24


مع ترسيخ دعائم الدولة السعودية ابتداءً من ستينات القرن الماضي، أخذ النظامُ تدريجياً بفرضِ قانونٍ على الزيّ للرجال والنساء السعوديين. عنى الأمرُ للفئة الثانية ارتداءَ عباءاتٍ طويلة سوداء وتغطيةَ الوجه. عملت مؤسسات حكومية مختلفة، كالمدارس والجامعات وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – التي يُشار إليها غالباً بـ«شرطة الآداب» أو «المطاوعة» – على فرض رقابةٍ شديدة بشكل متزايد على قانون الزيّ النسائي الصارم، والذي كُتِبَ عنه الكثير (لو رينار، 2011، 2014، الرشيد، 2013). يتناول هذا المقال علاقةً مختلفةً للسلطة حظيت باهتمامٍ أقل. ويبيّن كيف أن النظام السعوديّ الآن منخرطٌ في ما يبدو أنه ممارسات انتقائية متناقضة تتعلق بـ«كشف النقاب» عن المرأة السعودية. فمن جهةٍ، ينطوي كشف النساء السعوديّات على العرضِ العلنيّ لنساء سعوديّات كاشفات وناجحات – واللواتي يصوّرهن النظام كـ«نساءٍ متميزات»– على العالَم، كاستراتيجيةٍ إعلامية تتواطأ معها غالبًا وسائل الإعلام الأجنبية، خاصةً الأوروبية والأمريكية منها. من جهةٍ أخرى، تجد ممارسة الكشف هذه أصولَها في الرقابة الحكومية المتصاعدة على السكان، والتي تتطلّب التعرف على هوية المواطنين السعوديين، الأمر الذي لا يتوافق مع تغطية النسوة لوجههن[1]. إن هدف الدولة السعودية أبعد ما يكون عن «تحرير» النساء عن طريق كشف نقابهن – كما يريد لنا الفهم الليبرالي التبسيطيّ أن نصدّق – ، بل إن ما تقوم به الدولة هو توسيع تحكّمها بالشعب السعودي من خلال ممارسات الكشف الانتقائية، وهي عمليّة يلعب فيها الإعلام الأجنبي، الذي يعيد إنتاج صور النساء «الاستثنائيات» هذه، دوراً هاماً.

الكَشف بصفته إبرازاً: الإعلام الغربي والدولة السعوديّة

إن التمثيل المرئي للمرأة السعودية في الإعلام الأوروبي والأمريكي ينتقيّ بعناية النساء اللواتي يتمّ إبرازهنّ[2]. بشكلٍ عام، تبرز الصور النسوةَ اللواتي لا يجدن حرجاً في تصوير وجوههن ونشرها- وهنّ أقلية صغيرة، خاصةً في العاصمة الرياض حيث تغطي أغلب النساء وجوههن حين يكنَّ بصحبة رجالٍ من غير أقاربهنّ. غالباً ما تظهر هذه نماذجَ لنسوة سعوديات متعلمات متحررات ومن أوساطٍ غنية، واللواتي يغلب أن يكُنَّ أيضاً شخصياتٍ عامة[3]. تهدف الفكرة إلى مقابَلة حالة الإخفاء التي يفتَرض أن الغطاء يفرضه على السعوديّات وَإلى إذاعة شخصيّاتهنَ ونشاطاتهن. إلا أن لهذه المقاربةِ أثراً يتمثّل في الحد من مرئيّة المرأة السعودية واقعاً، وذلك عبر إنتاج فئةٍ متجانسةٍ من «النساء السعوديات»، متجاهلين على الأخصّ نساءً من طبقات اقتصادية وميول سياسية أخرى – هذا فضلاً عن المقيمين من غير المواطنين اللذين يمثّلون ثلث سكّان الرياض وجدة، وربع مجمل سكّان البلاد.

عبر إعادة إنتاج هذه السياسات الرسمية المَرئية، تساهم قنوات الإعلام هذه في سياسة النظام السعودي القائمة على إبراز «النساء المتميّزات» كجزءٍ من جهده لتحسين صورة البلاد (الرشيد، 2013). في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، تضمّنت الزيارات الرسمية وفوداً من نساء سعوديات نشطات في الحقول الاقتصادية والفكرية، يتشاطرن جميعاً سمةَ عدم تغطية وجوههن. عملت هؤلاء النساء على معارَضة التنميطات العالمية حول السعوديات بوصفهن معزولاتٍ وَمقموعات وَغير متعلّمات. كما هدفن أيضاً إلى وضع وجهٍ «إنساني» على البلاد التي يتم وصفها غالباً بالظلامية الثيوقراطية المنغلقة. وَعليه ييسّر النظام وَيسمح للصحفيين والمصوّرين القادمين لمددٍ قصيرة إلى المملكة بالتواصل مع هؤلاء النسوة البارزات، طالما أن «الأدلاء» يعرفونهنَّ سلفاً ويملكون معلومات الاتصال بهن.

يتم تصوير النساء في الإعلام الأجنبي والشأن الحكومي الرسميّ معاً كفئة أحادية البُعد من «نساء سعوديّات»، خلوٍ من أيّ علاماتِ انتماءٍ أخرى [markers of belonging]. إنَّ مُجرَّد حضور وَمرئية أجسادٍ مُنتقاةٍ للنساء يهدف إلى إعلان التحوّل الاجتماعيّ التقدمي المزعوم وَتمثيله. غير أنَّ للإعلام الغربيّ منطقاً واهتماماً خاصاً به، يتعدّى سياسات العلاقات العامة للنظام السعودي. يميل هذا الإعلام إلى تَشييء المرأة السعودية بطرقٍ معيّنة. إذ أن التعليقات فيها وحواشي صور النماذجِ المرئيّة لـ«النساء المتميّزات» تُؤكِّد على مفاهيم معيّنة حول الجسد والزيّ. نشرت الجريدة الفرنسية اليومية «تحرير Liberation» ، على سبيل المثال، مقالاً «بيوغرافيّاً» عن سيرة منتجة الأفلام هيفاء المنصور، تحتَ عنوان «هيفاء المنصور، مرتديةً الجينز ودون غطاء» [Haifa Al Mansour,en jeans et sans voile]. لا يمكن الإشادة بالمنصور – وهي واحدة من منتجيّ أفلام سعوديين قلائل حققوا نجاحاً عالمياً وفازَ فيلمها «وَجدة» بجائزة البافتا لعام 2014- أبعدَ من إطار عدم ارتدائها الحجاب. وفي حين يستحوذ على صور الإعلام هاجسُ المظهر الخارجيّ عندَ تناول المرأة بشكلٍ عام، فإنَّ التركيز الخاص على الحجاب، أو على انعدامه في هذه الحال، يتناغم مع رغبةٍ استعماريّةٍ وإمبريالية لـ«كشف النقاب» عن النساء في المجتمع الإسلاميّ (أحمد، 1992؛ أبو لغد، 1998) بشكلٍ معيّن: فرغم أن النساء المتعلمات «المتحررات» لم يعد يتم تحوليهن إلى موضوعٍ غرائبيٍّ بالضرورةِ عبر تصويرهنّ كتقليدياتٍ أو قبليّات، إلا أن الإعلام ماضٍ في تصويرهنّ بطرقٍ تعمد إلى تشييئهنّ، مختزلين إياهن إلى منظومة تقييمٍ لمظهرهنّ – ماذا يلبسن، كيف يبتسمن، وأيّ تصفيفةٍ يخترنَ لشعورهن.