تجارب نسائية مريرة (1)



عدوية السوالمة
2015 / 7 / 10

كثيرة هي المواقف النسائية التي تستفزنا لنحاول فهم كنهها , دوافعها , انبعاثاتها , لعلنا نصل الى طبيعة وشكل التصور الذي قر في وجدان عديد النساء حول رؤيتهن لمفهوم الحرية. وعندها نتساءل عن السنين الضوئية اللازمة للاقتناع بأهمية تحقيق حرية نفسية اولا.وهو ما سيجعل تقديم تعبير واضح صحيح عن تصور صحي للكينونة النسائية امرا ممكنا بدل التخبط بين ما يجب التصريح به وبين الصورة الضبابية عن هذه الحرية, تتجلى في تبني نتائج صراعات المرأة سابقا وضخها من جديد في حل اشكاليات الحياة .
مصطلح العنوسة مثلا والذي يجب استبداله بمصطلح الامتناع عن الزواج , لارتباطه الرمزي بواقع المرأة المقهورة المنتظرة -ويدها على خدها- من يأخذها للحياة وتكون من خلاله .المصطلح وبحسب معجم اللغة العربية المعاصرة يعني : عنَستِ البنتُ البكْرُ طالت عزوبتُها ، طال مُكْثُها في منزل أهلها بعد إدراكها سِنَّ الزَّواج دون أن تتزوَّج . فالعنوسة تشير الى انتهاء صلاحية بادراك سن الزواج وهو ما زال يستخدم الى يومنا هذا ليعطي هذا المعنى بالرغم من التبدلات التي شهدتها حياة المرأة , من تعليم وخروج للعمل .
واقعا , لم يعد الرجل محورا في الحياة بل هناك انشغالات أخرى تفرض نفسها تسعى النساء لتحقيقها وهو ما رفع أعداد الممتنعات عن الزواج .فمع التعليم فقدت وظيفة الانتظار اهميتها وتم استبدالها بالقدرة على اعالة الذات وهو ما كان الهدف الاساس من الحصول على زوج . بالطبع لا أنكر هنا مدى أهمية وجود شريك داعم (واؤكد على داعم بالنسبة لكلا الجنسين) للانتصار على الازمات الحياتية والا استحالت الحياة الى كوارث مزدوجة .و مع ايمان الكثيرات بواقعهن الجديد والسعي المنفرد والمستقل لتحقيق الاحلام والطموحات الا أن مصطلح عانس بقي من أهم المصطلحات والاكثر تواترا في عالم النساء , يفيد بتذكير الآخر بدونيته , والانتصار عليه بالضربة القاضية . علما ان الامتناع عن خوض تجربة الزواج في اغلب الاحيان كان بمحض ارادة لانعدام الخيارات المناسبة , وبالتالي تلافي تبعات الخيارات غير الصحيحة وهو ما يعتبر نقطة تحسب لصالح نضج الشخصية . ومع ذلك نجد أن الوسط النسائي هو الوسط الأكثر عدائية لمن لم تتمكن من ايجاد الشريك المناسب , بحيث لاتفلت من التلميحات المعلنه أو المبطنة للتذكير بقسوة ومعايرتها برفض الذكور لها , بالرغم من عدم صحة هذا الزعم , بطريقة توحي بالانتقام والشماته .
هي معاناة الخوف المزروع في الذاكرة الجمعية للنساء ورثنها من عهود مضت تمحورت حول لامستقبل لامرأة بدون رجل ,لابعاد رغبة لاشعورية بنسب فكرة مشوهة عن الذات يثيرها قلق تدني القيمة الذاتية أوجدها النظام القيمي المتبنى و السائد في المجتمع. تزرعه وترعاها امهاتنا وجداتنا.
هي تجلي لعدم القدرة على الخلاص وتحمل تبعات المواجهة .ربما لهشاشة البناء النفسي , ربما لعدم وجود تصور لآلية عمل فاعلة تستفز الرغبة في التخلي عن ميراث العبودية غير الملائم لطبيعة الحياة ولانتصارات المرأة رغم عدم مصاحبتها لوعي سيكولوجي يرسخ ما تم تحقيقه ويواكبه ويحميه من هنات الوقوع في المآزم النفسية بتأثير التذكير الشامت والتبشير بالفشل والتقليل من قيمة ما تم تحقيقه من انجازات تلزم التصفيق والوقوف باحترام . لابد من وعي نفسي يتم العمل على ترسيخه في فكر النساء للاحساس بالانعتاق الداخلي والاستمتاع بالانجازات .
فكرة التدمير التي سنراها في مواقف نسائية عديدة لابد من العمل على تفكيكها من وعي ولا وعي النساء حتى تفقد قدرتها على التواجد في واقعنا السيكولوجي وعملها على تثبيط قدرتنا على العطاء من خلال الاحساس بالاثم .