غشاء البكارة وتمثلات المجتمع ..



محمد البورقادي
2015 / 11 / 12


في مجتمع منفتح على ثقافات أخرى ..وفي عصر معولم منمط يحطم التقاليد والأعراف يوما بعد يوما ..حيث أصبح ما عهد عليه يتلاشى بوقع صدى هاته الثقافات التي تجوب العالم بأسره ..وتحقنه بمبادئ أخرى تنتصر للحرية والإنفتاح والمدنية والعلمانية والإستهلاكية اللحضية وبقيم جديدة تدفن معها ثرات المجتمع المحلي مبدلة إياه بآخر كوني أكثر شمولية واتساعا ..ومخترقة بدينها الجديد أديان السماء ..وجالبة معها الحضارة المزعومة والضوء الباهر الذي ينسحق لوهجه ضلام الدين الحقيق والنهج السوي والأخلاق والإنسانية والشرف والنقاء والبكارة والعفة ...
مجتمعنا الآن قد لا يتقبل بنت غير عذراء كيف ما كانت دواعي فقد هاته العذرية سواء كانت نتيجة اغتصاب أو عادة سرية أو كان سببها بيولوجي فنسبة لا بأس بها من النساء تولد بدون هذا الغشاء ..وكل تلك الدواعي تجعل من الفتاة عرضة للقلق والتوتر ..وفي تردد وخشية من أن تفقد رمز شرفها بأي وجه كان ..فهي تعلم مسبقا أن تمتلات الشرف في المجتمعات النامية لا تتجاوز في المقام الأول عذريتها والتي تتحدد بعدها باقي الخصال من الأخلاق والدين ..وبالتالي ففقدها لعذريتها بسبب ضاهر لها الدخل فيه أو بآخر باطن لا تملك حياله شيئا يفقدها حرمتها وينقص من وزنها الإجتماعي ..وأقصد بالوزن الإجتماعي هو مقدار ما تحمله هاته الفتاة كرأسمال أخلاقي يضمن لها قبولا اجتماعي في وسطها الخاص والعام ..وبما أن مقدار التقبل يأخذ من الشرف كمفهوم مادي معيار أساسي للتقييم فخسارته يفضي للتضحية بماء الوجه وغضب الجمع ..وكلما كان هذا الجمع محافضا وتقليديا كلما زاد غضبه وقدحه على من فرط في هذا المفهوم المادي ..وبما أن ساكنة البوادي هم من أكثر الناس محافضة وتزمتا وتشبتا بقيم الجدود وأعرافهم فنظرهم إلى الشرف أشد قسوة وما يزيد في قسوته أكثر هو جهلهم حتى بضرورات هذا المنطق وماهيته ..فقد تجد أحيانا من الذكور من إذا دخل بزوجته ولم يجد للدم أثرا ..انقطع عنه عقله وجن عليه النهار ..فليته اتهم الزوجة بأنها تيب ووقف عند ذلك ..بل يصب عليها جام غضبه ..فمنهم من هم بالقتل ومنهم من أنكل بالضرب ولا يكاد يفيق من غيبوبته ويستكين عصفوره حتى يقود الزوجة إلى الطبيب ويكشف عليها ويتبث الكشف أنها بكرا وليست بالتيب ..حينها يهدأ روعه بعد هول ما فعل ..وهذا هو الجهل بعينه ..فمن قصّر نظره على زاوية واحدة ووحيدة لم يرى شيئا إلا منها ..فتُحد نظرته وتُسلب عمقها فترميه في ما لم تحط به خبرا كالتائه في الصحراء..وهذا حالنا نحن حينما نجمد فكرنا ونحصره في منحى واحد ..فكم من جريمة شرف ارتكبت في حق نساء بريئات بسبب فرط سرعة رد الفعل ..وكم من بيت هدم بسبب سوء الفهم أو الجهل بالفهم ..فمن علم بالخفي لم يسرع في المضي ..ومن تعجل بجهله حرم من صوابه ..
وليس العيب في من أخطأت في طيش نزوة فانتهكت عذريتها ولكن العيب في من تخفي الفعل عن الزوج قصد الضفر به ..فذلك تدليس وكذب وجبن ونفاق لافت ..فقد يتقبل من أرادك زوجة سوء فعلك وقد يعفو عنك شرط قول الحق منذ البدأ ولالتزام الصدق فقد جبلت النفوس على حب الصراحة وإن كانت علقما ولكن لا يستطيب للخداع والتستر بحال ولن يرضى به ..والجبن أن تهم الخاطئة بفعل الترميم أو الترقيع إن صح القول لتهرب من شقائها ظنا منها أن ذلك سيسعدها في القادم من الأيام ..فما بني على الباطل فهو باطل ..ولاتعلم أن ذلك هو ما سينغص عليها طيب العيش مع الشريك لأن النفس جبلت على الإحساس بالذنب لاقتراف السوء والشعور بالنقص والتقصير في حق من ضُيّع حقه ..وهذا كاف لهز السعادة وخلخلة الإستقرار والطلب للحسرة وتأنيب الضمير ..وأنتِ في غنىً عن ذلك كله ...فلا تحزني على نفسك إن أخطأت يوما ولا تظني فعل الزواج لن يتم إلا بعمل الرُّقَع ..وابتغي الصراحة في القول والفعل فذلك يورث راحة البال وهدوء الضمير وزنة النفس ..ومن أرادك كما أنت فمرحبا وإلا فالحياة أكبر وأرحب ..ومن أخلص بنيته سيق إليه المراد ولو بعد حين ..ولأن يأتي بعد حين على إخلاص ووفاء وصدق خير له من يأتي عاجلا على مكر وبهتان فلا تطيب معه حال ولا يرتاح معه بال ..
وقد يلجأ بعض الأهل إلى ما يسمى بالتقاف عند المغاربة ..وهو فعل يراد به حفض الفتاة من الإختراق إلى أن يحين موعد الزواج فيقوم القائم بفعل التقاف بفكه عن حامله ليتم الدخول كما يراد ..وهذا النوع يرجع إلى معتقدات المغاربة في الشعوذة وإيمانهم بأن التقاف يحمي الفتاة من الوقوع في المحضور.. بل يجمد شهوتها التي لا تعود تثار بأي داع من دواعي إتارثها ولا يزول أبدا مفعوله إلا بفكه من من قام به فإن توفي أو ماشابه بقي حال الفتاة في التخدير طول الحياة .. وهناك أيضا ما يسمى پالتباريد ..هذا الأخير لا يتسلزم الإنحلال منه وهو أخف ضررا من الأول ويقتضي هو الآخر تقييد الشهوة وتحصين مكان الدخول لكي لا يدخله داخل ..
ولمن أراد قول القانون ..فله في عقد القران أن يشترط في الزوجة أن تكون عذراء فإن وجد غير ذلك حين الدخول رفع دعوى قضائية وطلب تعويضاته من المحكمة ..ولا ينصح بذلك فالشك في البدأ قد يورث العداوة والحقد.. وإنما الأحرى اتقاء مواطن الشبهة بالنية الحسنة ..ومغالبة حسن الظن والتقة على الطعن والإتهام ..فكم من ضغط ولد احتقانا فصعب معه إتيان المراد بعد الزواج ..
فمن صورح بالخفي وابتغى التستر فله الأجر ..وإلا فليصمت ولا يذع في العامة ما يجب كتمه ..فتلك أسرار يضطرب بفضحها بناء المجتمع
والعفو والصفح لا يخلو في من يدين بدين التسامح واللين ..وليعلم أن بناء الصرح لا يُحصر بذلك فقط ..بل هناك معايير أكثر نفعا كالأخلاق والدين والثقافة والوعي ..ولذلك فمن استطاب شخص بعينه واستحسنه لما بدر له منه فلا يزعم فقده لأيسر الدواعي ..ولا يزعم أن ذلك أساسه.. وليعذر كما عذر نفسه من قبل ..أو إن صح القول كما عذره المجتمع من قبل ..