حقوق خادمات البيوت بين مطرقة القهر وسياط الظلم ...؟!!...



حياة البدري
2005 / 11 / 2

خادمات البيوت كائن بشري ،لا يؤبه به ولا يتمتع بأدنى شروط الإنسانية, فبالأحرى الحقوق الوضعية !...،يعامله الآخر وكأنه حيوان نجس ، يستفاد من خدماته الكثيرة صبره وجلده...يسهر على تنظيف البيت وترتيبه ويرعى الأطفال ويحملهم على ظهره إن استدعى الأمر ذلك ويحنوا عليهم رغم فقدانه لكل تعابير الحنان ... يطهو الطعام ويعد مائدة كل الوجبات ... لكنه لايجلس عليها !؟ فالعادة المتعارف عليها هو جلوس هذا المخلوق الآدمي بالمطبخ !؟ وكأنه ولد فقط من أجل المطبخ ؟...
ومايثير الغرابة والدهشة هو تشدق معظم من يتواجد معهم هذا الإنسان الذي لاحول ولاقوة له أمام الظروف القاسية، بالحرية وحقوق الإنسان ... ! التي هي في واقع الأمر بريئة منهم براءة الذئب من دمي يوسف !...
ففي كل يوم يسمع هذا الإنسان المحكوم عليه بكل ألوان العذاب ،الكلمات النابية اللاذعة في حقه ويصمت وعبارات التحقير وليس في مقدوره المواجه...

فلقمة العيش صعبة والفقر أصعب ,والمسؤولية تعلم المرء صبر أيوب ...، فهكذا تنهدت و أجابت الطفلة خديجة التي لم تتجاوز السن الخامسة عشرة سنة بعد!! وتحملت المسؤولية منذ سن مبكرة لما سألتها عن سبب عدم مجابهتها الواقع والبحث عن عمل آخر يحفظ لها كرامتها ويحميها من العنف اللامحدود ...

فقد كانت تحمل الدلو الكبير تلو الآخر وكأنها ستفرغ ساقية الحمام من محتواها!,ولما تجلس تبدأ بعملية ما يسمى ب: "الحكان " وتنظيف جسد سيدتها وأبناء ووالدة " لالاها" كما تناديها ,-فهناك من النساء من يحب حتى النخاع أن تنادى بهذا اللقب !؟ فلا وقت لاسترجاع أنفاسها...!؟

وما يزيد الطين بلة هو أن هاته الأسرة لا تكتفي بإرهاقها جسديا بل يتعدى هذا إلى إهانتها أمام الملأ وقذفها بأرذل الأوصاف !؟وتكرار إهانتها كل لحظة !!وكأنهم من طينة وهاته الطفلة من طينة أخرى !؟...,الشيئ الذي أثار انتباه العديد من النساء وأثار الشفقة على هاته الطفلة التي حرمت من طفولتها وحكم عليها بخدمة الآخر وكأننا مازلنا في عصر العبودية ونعايش أسواق النخاسة !!!....

كاد أن يغمى عليها من كثرة الألم والتعب معا فخرجت، ولم أستطع امتلاك أعصابي فتبعتها بعجالة ،حاولت استفسارها عن هذا الوضع وهاته المعاملة اللانسانية و اللاقانونية...

فبدت دموعها منهمرة كعقد منساب والخوف من خروج "لالاّها" وتحصل الطامة الكبرى ...,قائلة :لو كانت أمي على قيد الحياة لما فعل بي الزمن هذا ، ولما أتيت إلى هاته المدينة بالمرة ولما عرفت هاته العائلة...ولكن من توفيت أمه وكانت لديه زوجة أب متسلطة ، فلا يلقى إلاّ هذا وأكثر... كانت تريد الحديث ولكن الخوف من خروج المرأة التي تعمل لديها أخرسها وأدخلها إلى جانبها ...

وبدلك تبقى الطفلة خديجة التي حكم عليها بالحرمان والهوان وعدم التمتع بجمالية الطفولة ومرحها زهرة من الزهرات التي يحكم عليهن بالقطف قبل الأوان والرمي بهن إلى قمامة اللاحقوق واللامساواة ...

أما فيما يخص الطفلة صباح فكانت تحكم عليها سيدة البيت بوضع وزرة المطبخ وتغطية شعرها أثناء الخروج والسفر معها حتى لا يحسبها الناس ابنتها ، الشيء الذي يحسها بالدونية والقهر، الأمر الذي جعلها تبحث عن أسرة أخرى تشتغل معها ، وفعلا تمكنت ، لكن المشكل الذي تعانيه هذه المرة هو كثرة الأشغال المنزلية وحتى الخارجية ، والحكم عليها باستعمال يديها في غسل الملابس وتنظيفها
بدل الإعتماد على الآلات المخصصة" للتصبين" وغيره، ولما تنتهي من الأشغال المنزلية تذهب إلى المعمل لكي تساعد سيدة البيت في مشروعها !...ومقابل مبلغ جد هزيل !...

وهي ليست الفتاة الوحيدة التي تقوم بهاته الأشغال بل كل الفتيات اللواتي كن يعملن عندها سابقا كما أخبرها البعض، وهذا لعمري قمة استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وتجريده من الحقوق المتعارف عليها ...

أما فاطمة فهي شابة تبلغ من العمر الثانية والعشرين سنة، فقد وجدت نفسها منذ أن فتحت عينيها تنتقل ما بين منزل وآخر وأسرة وأخرى، إلى أن أصبحت هاته المهنة المضنية هي حرفتها الوحيدة والسبيل الأوحد لمساعد أسرتها ...
تتحذث وكأنها تناهز الأربعين سنة من عمرها ! قائلة "أنها لن ولن تنتهي من هذا العمل الشاق حتى تحصل على زوج ينتشلها من هاته المهنة التي لاتقدم لها إلاّ الذل والموت البطيء والعبودية لبني آدم مثلها ... لكن هيهات هيهات أن تتزوج !؟,فمن يرضى الزواج من خادمة ؟...متنهدة بعمق ، ثم تسترسل قائلة :الكل ينظر إلى الخادمة أنها إنسانة حقيرة ...وليست كباقي النساء وأن معظمهن يتعرضن للإغتصاب من طرف أبناء أو رب الأسرة التي تشتغل عندهم , فتسهم شاردة البال وكأنها تذكرت واقعة ما ؟ وتعود قائلة :"فعلا فهذا ما يحدث لمعظم الخادمات ، فالخادمة دائما تبقى فأرة التجارب البيضاء التي يجرب عليها ذكور الأسر التي تشتغل عندهم هذا اللون من العذاب الذي يعد الأعنف والأصعب على الجسد والنفسية ...
فأنا الأخرى لم أنج من هذا العنف الشنيع ، فكم من مرة تعرضت له!...,الشيئ الذي جعلني دائمة التنقل بين المنازل والأسر لعلي أجد أناسا يقدرون المسؤولية ويعاملون أخوهم الإنسان معاملة تليق وإنسانيته .

ومن ثمة فالحاجة والفقر وعدم تحمل المسؤولية والجهل بحقوق الطفل، أحد حلاقات سلسة التهميش واللاحقوق والتفقير الأنثوي , والفمع الرئيسي في خروج فتيات في عمر الزهور إلى حقل هذا العمل الذي تغيب فيه حقوق العمل والشفقة والرحمة من صدور بعض المشغلات والمشغلين، وكأنهم بعيدين كل البعد عن تعاليم الإسلام والوعي بحقوق الإنسان و وخصوصا أولئك الذين يشغلون مناصب لابأس بها في السلم الإداري والتعليمي...
والسؤال الذي يبقى مطروحا إلى متى ستنعم هاته الشريحة بحقوق المواطنة وحقوق الضمان الاجتماعي والتقاعد ومتى سيكون هناك قانون خاص بقطاع التشغيل بالمنازل ...أم أن "الخادمة"ستبقى دائما كآلة تعمل وتعمل ...وأثناء تعرضها للإتلاف يتم تعويضها بأخرى...,إلى مالا نهاية؟!...