68% من الأردنيين يعتقدون بأن إعفاء الجاني من العقاب وفق المادة 308 يشجعه على إرتكاب الجرائم الجنسية



أسعد العزوني
2015 / 11 / 30

إحكي ما تخافي وإشكي على الجاني
68% من الأردنيين يعتقدون بأن إعفاء الجاني من العقاب وفق المادة 308 يشجعه على إرتكاب الجرائم الجنسية
تضامن : المادة 308 من قانون العقوبات الأردني...إفلات من العقاب وتشجيع للجرائم الجنسية
تقول عايده (إسم مستعار) وهي ضحية لجريمة إغتصاب وتم تزويجها من الجاني :" تزوجته لأنو أهله ضغطوا على أهلي ودفعولهم...لو ما تزوجته كان حكمته المحكمة مؤبد أو 15 سنة حبس...عاش معي ثلاثة أشهر ثم سافر...تركني حامل...معلقة...ولم يتصل بي ولا أعرف أين هو منذ ثلاث سنوات...طلبت الطلاق...حسيت إنه خدعني وخدع المحكمة وهرب...".
وتشير جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" الى أن ما ورد على لسان المجني عليها عايده يعبر عن واقع حالات عديدة من ضحايا الجرائم الجنسية، بدءاً من التردد في تقديم شكاوى رسمية ضد الجناة، ومروراً بمعاناتهن المزدوجة جراء الجرائم الجنسية نفسها من جهة والخوف من الفضيحة والعار من جهة أخرى، وإنتهاءاً بالرضوخ لمطالب فرضها المجتمع وحماها القانون بتزويج الضحايا من مرتكبي الجرائم الجنسية.
إن هذه الثقافة المجتمعية المسيئة للنساء والفتيات والتي تدين الضحايا وتنحاز للجناة قد تغيرت حسب ما أشارت اليه دراسة "الجرائم الجنسية ضد النساء- المادة 308 من قانون العقوبات الأردني نموذجاً"، حيث تبين أن 68% من الأردنيين يعتقدون بأن إعفاء الجاني من العقاب وفق المادة 308 يشجعه على إرتكاب الجرائم الجنسية. حيث أن 53% من الأردنيين أجابوا بنعم و15% أجابوا بنعم الى حد ما، مقابل 28.9% أجابوا بلا و3.1% أجابوا بأنهم لا يعرفون.
وتضيف "تضامن" بأن الرسالة التي أطلقتها مع هذه النتائج وهي "إحكي ما تخافي وإشكي على الجاني" تدعو الضحايا الى عدم الإذعان لثقافة الصمت والخوف من الفضيحة والعار، وتطلب منهن الوقوف بقوة في وجه الجناة الذين يستحقون العقاب لا المكافأة على أفعال جرمية يعاقب عليها القانون.
وقد إرتأت رئيسة الهيئة الإستشارية لـ "تضامن" الأستاذه أسمى خضر أن تسرد قصة حقيقية لفتاة تعرضت للإغتصاب ورفضت الزواج من مغتصبها في مقدمة الدراسة لتكون عبرة لجميع النساء والفتيات بأن مرتكب الجريمة الجنسية يجب أن يعاقب وبأن ضحية هذه الجريمة يمكنها الإستمرار في حياتها والتفوق أيضاً.
وتقول أسمى خضر :"حين قابلتها لأول مرة .. عام 1983 أدهشتني نظرتها الواثقة .. المصممة .. قالت بصوت حزين ولكن بوضوح .. لقد إنتزع مني ومن أسرتي الراحة والإستقرار .. ليس فقط غشاء البكارة .. ولكن أكثر بكثير..
كان أبن عمي وكنت طالبة في الرابعة عشرة متفوقة في دراستي وأحلم أن أكون طبيبة .. طلبني للزواج ورفضته مرتين .. كان أبي يقول له ولعمي .. البنت ما زالت صغيرة .. ولم تكمل دراستها .. ولم يكن هذا مقنعاً لهما .. ويبدو أن أحدهم أرشد إبن عمي إلى المادة 308 من قانون العقوبات .. فقرر أن يغتصبني ويرغم أهلي ويرغمني على القبول به زوجاً .. ترصدني وإختطفني وفعلها .. وجاء بي بين الصحو والإغماء إلى بيت أهلي .. متباهياً كما لو أنه بطل زمانه .. قال .. لقد أخذتها .. ليس أمامكم سوى أن تزوجوني أياها .. وأنا ما زلت مستعداً للزواج .. كما لو أنني مجرد شيء معطوب .. وهو المنقذ الذي سيضحي من أجلي .. حاول أبي إقناعي بالموافقة .. وكاد تحت ضغط العائلة .. أن يوافق ويكرهني على الزواج .. ولكنني هددت بقتل نفسي إن هم أرغموني .. وكنت جادةً جداً .. والدي حينها طلب الشرطة .. وهو الآن موقوف وها أنا .. أدافع عن نفسي وأريد أن يدفع ثمن فعلته .. أطالبه بالتعويض المادي والمعنوي .. وسأكون طبيبة كما حلمت دائماً .. وهو عليه أن يدفع تعويضات عن الضرر الذي أصابني وأصاب أسرتي .. فالمدرسة رغم أنني كنت نجمتها المتفوقة لم تقبل عودتي للدراسة فيها بحجة أن قصتي أصبحت على كل لسان ,,,
وكأن ما تعرضت له يعيبني أنا !! والجيران أصبحت نظراتهم وهمساتهم تجرحني وتحرج كل فرد من أفراد أسرتي كلما مر أحدنا في الشارع .. والعائلة الكبيرة قاطعتنا لأننا تسببنا في حبس إبنهم الشاب .. وإضطررنا لترك منزلنا والرحيل إلى جهة أخرى لا يعرفنا فيها أحد .. كما لو أنني المجرمة وأبي وأسرتي المتسترون على الجريمة .. بل أن بعض أخوتي وأخواتي لاموني لعدم الموافقة على الزواج منه .. أما أنا فقد كنت مصممة وعنيدة .. ولذا أنا أمامك اليوم ..".
وتكمل أسمى خضر التي كانت تمارس مهنة المحاماة حينها :"كانت المحكمة قد عينتني خبيرة لتقدير الضرر المادي والمعنوي الذي أصاب هذه الفتاة المجني عليها .. كم أشعر بالتقدير والعرفان للمحكمة التي حرصت على تسميتي كخبيرة أنثى لهذه المهمة .. حيث إكتشفت هذه المادة الرهيبة 308 في قانون العقوبات .. وتساءلت كم من الضحايا أرغمن على الزواج سنداً إليها .. وكم من الجناة أفلتوا من العقاب بفضلها .. أما الجاني فقد تمت إدانته وقررت المحكمة حبسه خمسة عشر عاماً خفضت إلى النصف بسبب إسقاط الأب للحق الشخصي تحت ضغط العائلة شرط إلزامه بدفع التعويضات كما ورد في تقرير الخبرة الذي إعتمدته المحكمة وهو الشرط الذي تمسكت به الفتاة ..
بعد سنوات فوجئت بإتصال هاتفي منها .. قالت .. أنا الآن طالبة في كلية الطب .. وعلى وشك التخرج ولي زميل أستلطفه ويعجبني يتقرب مني ويريد أن يتزوجني .. أنا خائفة .. أريد نصيحتك .. هل أخبره بما حدث لي ؟؟؟ أخشى أن يبتعد .. تحادثنا مطولاً وفي النهاية .. صممت للمرة الثانية على إستجماع شجاعتها، ختمت المحادثة بقولها .. إن لم يتفهم .. فهو لا يلائمني .. أخبرتني فيما بعد أنها صارحته بكل شيء وأنه تفهم بل وعبر لها عن تقديره لموقفها .. وأنهما تزوجا ويعملان في بلد عربي ..
هذه الفتاة الاستثنائية واجهت المادة 308 .. هي وأسرتها الصغيرة وخاصة والدها تحملوا معها حملاً ثقيلاً .. ولكن كم فتاة وكم أسرة إمتلكت القدرة والإرادة على التحمل والمواجهة وكم ضحية سقطت في الفخ .. ؟؟
ولماذا تدفع الضحايا هذا الثمن .. ؟؟ ويتمتع الجناة بهذا القدر من التسامح الذي يبدو كتشجيع على الجريمة ؟؟ أسئلة إستمرت تقرع رأسي ..
لهذه الطبيبة الرائعة ولزوجها وأسرتها أحب إهداء هذا الجهد لأنهم من أهم الحوافز التي دفعتنا إلى تأسيس "تضامن" .. أردنا أن نجعل مساندتنا لحقوق الفتيات والنساء في مواجهة الظلم والتمييز والعنف وإهدار الحقوق .. مساندة مؤسسية مستمرة".
وتعلق أسمى خضر على هذه القصة فتقول :"وها نحن بعد كل هذه السنوات ما زلنا نسعى لإقناع المجتمع الأردني بضرورة إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات الأردني والتي لا أساس لها في تراثنا الفقهي والقانوني .. هذه المادة الوافدة إلينا من العصور الوسطى المظلمة في أوروبا هي بلا شك وصمة في جبين نظام العدالة الجنائية الأردني وهي للأسف مادة تجد من يدافع عن بقائها رغم أنها ألغيت من عدد من قوانين العقوبات كالمغرب ومصر .. يدافعون عنها بذريعة أن بعض الجرائم الجنسية رضائية .. أي تناقض هذا ؟؟ فنحن نعلم أن رضى الشخص البالغ يهدم ركناً من أركان الجريمة فلا يصح التجريم .. وإذا كانت المواقعة رضائية فهناك أحكام قانونية أخرى تعالجها .. فلتسقط العقوبة أو توقف الملاحقة مثلا في جريمة الزنا إذا تزوج الطرفان .. أو جريمة فض البكارة بوعد الزواج . أو جريمة الخطف بهدف الزواج إذا تم الزواج – مع تحفظي على الزواج حتى في هذه الحالات لأنه يفتقد كامل الرضى لدى الطرفين – أما إذا كانت الضحية قاصر فلا يجب أن يعتد برضاها حتى لو ثبت إذا لا بد من نصوص تحمي الأطفال من الاعتداءات الجنسية في كل الأحوال بحيث يطبق القانون دون أية مواربة أو مخرج قانوني للجاني .. لإنه بذلك فقط يدرك الجناة أن لا مفر من العقوبة وبذلك يتحقق الردع القانوني العام والخاص المرجو.
أما إشكالية الحمل الناشئ عن مثل هذه الجرائم فلطالما دعونا إلى معالجة الأمر بالنص على قانونية الإجهاض الناشئ عن الإغتصاب لسهولة إكتشاف الحمل في مرحلة مبكرة جداً وإذا تعذر الإجهاض أو لم يتم .. فلماذا لا يتم نسب الطفل إلى الجاني أو إلزامه بالإنفاق عليه على الأقل ضماناً لحقوق هذا الطفل بعد أن تم إدخال مبدأ إثبات النسب بالأدلة العلمية في قانون الأحوال الشخصية .. إن العلماء والمشرعين مدعوون لإيجاد الحلول الشرعية والقانونية والمناسبة لمراعاة مصلحة الطفل الفضلى في هذه الأحوال.
وأخيراً لا بد من القول أن القانون الذي يسهم في تحقيق العدالة والنهوض بالمجتمعات هو الذي يساعد المجتمع على التخلص من ممارساته التقليدية الضارة والمنحازة والبالية وليس القانون الذي يرضخ لها .. على القانون أن يتقدم بنا نحو المستقبل وأن لا يبقى إلا على ما هو مشرق وعادل وأصيل في تشريعاتنا ..
إن التغيير مسؤولية يتطلب شجاعة في الحق وجرأة في إتخاذ القرارات كما يتطلب وضوحاً في الرؤية وإرادة وتصميم كالذي كان في عيني تلك الفتاة التي حدثتكم عنها ..
تسعى هذه الدراسة إلى مزيد من الفهم .. فهم المجتمع ..والقانون والإتجاهات والمواقف .. فهم الدوافع والنتائج والظروف فهم المعاناة كما تهدف إلى إثارة نقاش مجتمعي جاد ومسؤول، وتسهيل حشد التأييد للوقاية من الجرائم الجنسية ولحماية الناجيات من مثل هذه الجرائم .. وملاحقة ومساءلة ومعاقبة الجناة من أجل عدالة جنائية حقيقية أساسها صون الكرامة وتحقيق المساواة".
وفي ظل هذه المعطيات، فإن "تضامن" والتحالف المدني الأردني لإلغاء المادة 308 يطالبان الحكومة ومجلس الأمة الإستجابة للمطالب التي عبرت عنها الحركة النسائية في الأردن منذ سنوات، والوفاء بإلتزاماته خاصة أمام اللجان الدولية، والعمل سريعاً على إلغاء نص المادة 308 لإنهاء سياسة الإفلات من العقاب ولتحقيق العدالة الجنائية للنساء والفتيات ولإنهاء النصوص التمييزية ضدهن في التشريعات خاصة قانون العقوبات الأردني.
يذكر أن مشروع "نجاة – معاً لملاحقة الجناة وحماية النساء الناجيات من جرائم العنف الجنسي" بدعم من الشعب الأمريكي ومن خلال المنحة المقدمة من برنامج USAID لدعم مبادرات المجتمع المدني والمنفذ من قبل منظمة صحة الأسرة الدولية FHI 360 وبتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). ويعتبر هذا المحتوى من مسؤولية "تضامن" ولا يعكس بالضرورة آراء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) أو آراء الحكومة الأمريكية أو حتى آراء منظمة صحة الأسرة الدولية FHI 360.
جمعية معهد تضامن النساء الأردني – 30/11/2015