إنحراف البوصلة



يوسف عودة
2016 / 1 / 12

إنحراف البوصلة
يوسف عودة
تشهد المنطقة العربية ومنذ سنوات إختلال كبير في موازين الأمن والأمان، الأمر الذي يؤثر على الحياة بكافة قطاعاتها، فأصبح الاقتصاد مُنهار ومُركز في أيدي فئة قليلة، تُمثل في معظمها العصابات وتجار الدم والبشر، وكُسر أيضا نظام العدالة الاجتماعية بين الناس، فتراهم كيوم الحشر الكل يسعى لينجو بنفسه وأهله، ولا أحد يستطيع توجيه اللوم أو العتب لأحد هنا، فظهور الطوائف والفِرق ساهم بهذا، خاصة وأن كل فئة تُفسر الحياة والدين والعادات كما يحلو لها، دون وجود ضابط ولا رابط على أفعالها، ولا حتى رادع خُلُقي وأخلاقي.
لا شك بأن الأمر في بدايته كان مُقدسا، لكن سرعان ما إنحرفت البوصلة عن مسارها الصحيح، وبدأ يظهر أكثر من ربان ليقود السفينة، وهو في الحقيقية يُريد تحقيق مكاسب شخصية في ظل أوضاع الكل فيها ينهش من قوت المواطنين الفقراء، نعم بدأت بثورات حقيقية تعبر عن شعوبٍ ظلت لسنوات وعقود حبيسة الرأي والكلمة، وجاءها الفرج أخيراً لتُعبر من خلال بركانٍ إنفجر بداخلها ليَطال من تربعوا على كراسي الظلم والقهر لسنواتٍ وسنوات، ولتغير من مسار الحياة وتعمل على تصحيحه، لكن للأسف لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن. فقد إنفرد كل أناس بمصالحهم وأخذوا يحاربون بطرقهم الملتوية لتحقيق ذلك، وكان الإنسان البسيط هو من يدفع الثمن، أما بقتله أو ذبحه أو أسره... وغيرها من فنون التعذيب، التي حتى الحيوانات المفترسة تخجل من ممارستها، وهذا الأمر بالطبع، أثر على كينونة الأسرة التي أصبحت فيها المرأة الأكثر تضرراً وتحملاً لمسؤولية الأطفال وأعبائهم، هذا في حال بقي الأطفال ولم يُشردوا أو يموتوا على شواطئ أوروبا.
معذورةٌ هي صاحبة الصفعة الأشهر في تاريخ البشرية، "التونسية فادية حمدي" حينما قالت: "أحيانا أتمنى لو لم أفعل ما قمت به"، في إشارة إدراكٍ منها لما آلت إليه الأوضاع في البلدان العربية، وإلى المعاناة التي أصبح يتكبدها الناس جراء فعلتها، ولكن بالنهاية كله في حدود كتابه المحفوظ، إذ قال جل في علاه: "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى". (17 الأنفال)