ما بين الداخل والخارج قيمنا متبدلة



إيمان أحمد ونوس
2016 / 1 / 25



رهف فتاة تجاوزت العشرين من عمرها ببضع سنوات وهي أرملة وأم لطفل يتيم، لم تكمل تعليمها الجامعي بعد..
اضطرت رهف مرغمة بحكم القيم والمفاهيم المجتمعية التقليدية للعيش في بيت أخيها ووليّها في غياب الأب والزوج، ورغم أنه تربطها بزوجته علاقة قربى، إلاّ أن هذه العلاقة سيئة للغاية من منطلق تقليدي يحكم غالباً أن تكون العلاقة ما بين الكنّة وأهل الزوج علاقة غير إيجابية، مما دفع بزوجة الأخ إلى الإساءة المقصودة أو غير المقصودة للأرملة الشّابّة، خصوصاً وأن والدها المسافر قد خصص لها إيراد محل تجاري لتتمكن من إعالة نفسها وابنها، إضافة إلى أنها جامعية، في حين أن زوجة الأخ لم تنل من التعليم سوى ما يسمح لها بالقراءة والكتابة، ومن هنا، فقد تمّ التضييق على حياة رهف بمنعها من الخروج من البيت بمفردها ولو بصحبة ابنها، كما مُنعت من إكمال تعليمها الجامعي بحجة عدم التعرّض لأقاويل الأقارب والجوار وهي الشّابة الصغيرة التي لا تتوانى عنها العيون الراصدة أبداً لكل حركة منها، ما جعلها إنسانة حزينة ومقهورة، ضعيفة مستكينة لقدرها.
هذه الضغوطات المتعددة والدائمة دفعت رهف للتفكير بالهجرة هرباً من قيم المجتمع وظلم زوجة الأخ التي حاصرتها حتى في أنفاسها، أملاً بحرية أفضل تتيح لها العيش بكرامة وإنسانية افتقدتها في ظل قيم وعادات لا ترحم.. وكان لها ما أرادت.
وصلت رهف إلى إحدى الدول الأوربية التي تستقبل المهجرين بعد رحلة مضنية عاشت خلالها معاناة رهيبة لم تكن تتصور أنها تمتلك القدرة على مواجهتها أو تحمّلها منفردة وبجرأة أدهشتها، مما دفعها للمضي في اختيار نمط حياتها التي تنشد بعيداً عن قائمة الممنوعات والرفض الاجتماعي لإنسانيتها في وطنها، محتفظة بقيمها الأخلاقية التي نشأت عليها. وبحكم الحياة الجديدة التي فرضت عليها اكتشاف او اتخاذ أساليب جديدة كي تتعايش مع واقعها الجديد، فقد تخلّت عن العديد من المحظورات المجتمعية السابقة، أوّلها خلع ذلك الجلباب الذي يعيق حركتها، مع أنه كان تقليداً وسمة أساسية من سمات وتقاليد بيئتها المحافظة، وثانيها أنها اقتنت دراجة هوائية تساعدها في شراء حاجياتها من الأسواق بحكم بُعد مكان إقامتها، إضافة إلى ضرورة توفير قيمة تذاكر الركوب الغالية لتتمكن بالمبلغ المخصص لها من العيش دون حاجة للآخرين. كل هذا وسواه من إجراءات وتصرفات كانت محظورة عليها في بلدها، وطبعاً بعلم الأهل ورضاهم فقط لأنها بعيدة عن أعين الناس هنا والتي كانت لها بالمرصاد في كل حركة أو سكون أو نَفَسْ.
ما عاشته رهف سواء في الداخل أو الخارج يؤكّد لنا أن الكثير من القيم التي يحملها غالبية الناس ويتمسكون بها ما هي إلاّ بدافع الخوف من الآخرين المماثلين، وليست بدافع قناعة راسخة ومتجذّرة يفرضها الدين دائماً، وبالتالي فإن هذه القيم يمكن لها ان تختلف باختلاف الأشخاص المتواجدين في ذات المحيط الاجتماعي، مثلما يمكن لها أن تزول بزوال المؤثّرات والقيم الاجتماعية المرابضة أبداً في عمق وساحة تربية قائمة على هواجس ومحرمات مرتبطة فقط بالمرأة ومحاولة إبعادها عن ساحات الحياة بكل أبعادها، وكذلك حجبها عن الآخر الرجل بحكم تشوّه النظرة الاجتماعية للعلاقة بين الجنسين والمحصورة فقط بالعلاقة الجنسية، وهذا بالتأكيد يقودنا إلى أن ما نعيشه في مجتمعاتنا المقيّدة دوماً بتابوهات لا يمكن الاقتراب منها أو مجرد محاولة المساس بها( الدين، الجنس، والسياسة) ما هو إلاّ بفعل الكبت والقمع والخوف من الآخر، وبالتالي الخوف من الخروج من شرنقة تلك التابوهات، كي لا تخسر النخب الحاكمة(رجال الدين- ذكور القبيلة- وأنظمة الحكم) سلطتها وسلطانها، وإلاّ كيف لنا أن نفهم أو نعي أو نقبل بتبدّل قيمنا وعاداتنا المتجذّرة فينا ما بين الداخل المقيّد والخارج الحر للشخص ذاته..؟