تفاحة آدم ... لا علاقة لحواء بها



عدنان الصباح
2016 / 2 / 6

رغم كل التطورات التي اصابت العالم بما في ذلك الثورة الرقمية وتحول العالم كل العالم الى بيت صغير يتواصل اقصاه مع ادناه بثانية ورغم كل الخلافات والصراعات التي تعصف بالأرض وسكانها وما نراه من حروب دامية بين الشرق والغرب وبين الاديان والطوائف وبين الفقراء والاغنياء الا ان هناك اتفاق واحد بينهم جميعا يصرون عليه وهو دونية المرأة وجميعا بلا استثناء يعيدون لآلهتهم هذا الراي رغم ان الالهة والانبياء بعيدين كل البعد عن ذلك.
الديانة اليهودية والتي هي اول الديانات السماوية تقدم رواية اغواء ادم من قبل حواء مع ان أحدا لا يذكر حكاية والد النبي موسى عليه السلام بقدر ما يذكر والدته ووالدة النبي عيسى عليه السلام يطالها من القداسة لدى المسيحيين ما لا يطال أي ذكر وزوجات النبي محمد عليه السلام هن امهات المؤمنين وتكاد السيدة عائشة تكون مصدرا لأشد الخلافات بين الطوائف الاسلامية وفي مقدمتهم الشيعة والسنة وحتى في الاديان الاخرى فبوذا كان واضحا بمساواته بين الرجل والمرأة وذلك في رده على سؤال الملكة باجاباتي فيما اذا كانت تعاليمه للنساء كما هي للرجال فرد عليها قائلا انها كما تقولين ورغم ان بوذا لم يعلن عن نفسه الها وساوى بين المرأة والرجل الا ان اتباعه فيما بعد حولوه الها لهم ورسموا حوله قصصا وخرافات لا علاقة له بها وانزلوا مرتبة المرأة واليوم يوجد من يقدم الفتيات قرابين للتقرب من آلهتهم وفي المقدمة طبعا بوذا الذي اجبروه على ان يصبح الها بعد موته وتعد البوذية ثالث اكبر ديانة في العالم من حيث عدد الاتباع بعد المسيحية والاسلام.
في الديانة الهندوسية تظهر جلية حالة الانتقاص من قيمة المرأة الى ابعد قدر ممكن واعتبارها مملوكة بالمطلق للرجل اكان الرجل اباها او اخاها او زوجها وفي الديانة الهندوسية ظلت الارملة تحرق مع زوجه المتوفي حتى صدور تشريع مدني في الهند يجرم ذلك وينظر الى المرأة على انها لا شيء سوى كونها متاع للرجل بمعنى الشيء المملوك بل وادنى فهي مثلا لا ترث مع الرجال ولا يصبح لوجودها معنى بعد موت زوجها في حين ان ممتلكاته الاخرى تبقى لها قيمتها والهندوس يقدسون البقرة مثلا التي لا يجوز المساس بها وحين تموت يتم دفنها باحترام ولا تحصل المرأة لديهم حتى على الاحترام الذي تحظى به البقرة ناهيك عن القداسة .
كونفوشيوس ايضا الذي قامت مبادئه على احترام الانسان كانسان واعتبر اصلاحيا في زمنه الا انه جعل المرأة براية اقل مرتبة من الرجل بل وحذر منها واعتبرها مصدرا للفتنه كما هي في التوراة وبالتالي فقد ظلت دعواته الاصلاحية ناقصة في المجتمع الصيني بسبب موقفه من المرأة وأسوأ ما انجبته الكونفوشيوسية ضد المرأة تلك العادة التي ظلت في الصين حتى قيام الثورة الاشتراكية وهي وضع اقدام الفتيات الصغيرات بقوالب حديدية حتى يكبرن فلا تكبر اقدامهن والهدف من ذلك منعهن من القدرة على المشي لمسافات تبعد بهن عن منازلهن وفي هذا اذلال كبير للمرأة بتشبيهها بالدجاجة وعدم قدرتها على الابتعاد عن القن.
قد يكون من المفيد الاشارة الى بعض التطور في مكانة المرأة لدى البابليين فقد سعى حمورابي لإنصاف النساء في شرائعه ورغم ان المرأة عند البابليين لم تسلم كليا من ظاهرة امتلاكها من قبل الرجل وحقه في بيعها ورهنها الا انها كان بإمكانها ان تعمل وان تمتلك ثروتها وان تطلب طلاق زوجها اذا رات منه عيبا والزم حمورابي القضاة بقبول طلب الطلاق من الزوجة والتحقق منه واجابة الطلب اذا تأكد القاضي من صحة الادعاء.
اليونانيين القدماء ايضا وضعوا المرأة في مكانة ادنى من الرجل واعتبروها وسيلة متعددة لتنفيذ احتياجات ورغبات الرجل المختلفة وفي هذا يقول " ديموستين" وهو احد خطباء اثينا " نتزوج النساء لنرزق بأطفال شرعيين, ونملك الخليلات لخدمتنا والعشيقات لمتعة الحب " فوجود المرأة فقط لأغراضهم المختلفة وهي كذلك متنوعة بتنوع هذه الاغراض.
سائر الاديان ما قبل السماوية حطت من قدر المرأة وكذا فعلت الديانة اليهودية وتقدمت عنها الديانة المسيحية قليلا في حين قطع الاسلام مسافة ابعد بكثير بالتقدم عن سائر الديانات وهذا يدلل ان التطور امر طبيعي في فكر الانسان وكذا جاءت تعاليم الاسلام تدريجية بحيث نقل وضع المرأة خطوات كبيرة الى الامام وهو بذلك سعى الى دفع المجتمع الى قبول التطور تدريجيا والامثلة على ذلك كثيرة فشرب الخمر كان طبيعيا وعاديا في بداية الدعوة ثم حين تعارض ذلك مع الصلاة شرع بمنعه عند الصلاة ثم باجتنابه فيما بعد ورغم ان الاسلام لم يحرم الخمر نصا الا ان المشرعين والفقهاء حرموه كما ان الاسلام مثلا لم يحرم العبودية ومع ذلك فان منطق العصر يقول بتحريمها ولن يحتج احد على ذلك فلماذا لا يجوز تطبيق هاتان الصورتان على المرأة الا لان المشرع والحاكم والفقيه هم من الذكور وهم اصحاب المصلحة في بقاء الحال على ما هو عليه فلم يكن حال المرأة في زمن الرسول محمد عليه السلام كما هو حالها فيما بعد بل اخذت مكانة خاصة وما مكانة زوجاته عند المسلمين ورواية الحديث عنهن الا اثباتا على مكانتهن الرفيعة.
ليس للدين علاقة بمكانة المرأة بالمعنى الالهي وانما بالمعنى الوضعي فالجميع على الاطلاق بكل الاديان والفلسفات يتحدثون عن قيمة الاسرة والتماسك الاسري واهمية ذلك لبناء مجتمع ناجح مع التركيز على دور الام المركزي في رعاية وتربية الابناء وحماية الاسرة الا انهم عند الحديث عن مكانتها الاقتصادية والسياسية يتراجعون ويضعونها بدرجة اقل وذلك خشية على مواقعهم كذكور ومنعا لمنافستهم من قبل النساء.
اعتاد الرجال ان يقدموا المرأة على انها مصدرا للفتنة والغواية للرجال ولكن أيا منهم لم يتحدث عن الرجال ابدا انهم منبعا للضعف والانهيار امام النساء وقد يكون ذلك المصدر الحقيقي لخشية الرجل الدائمة من تقدم المرأة للصفوف فهو ضعيف امامها ولا يرى منها الا جسدها فلا يحتمل قبول مكانة اخرى لها ويعتبرها مصدرا لمتعته وفي سبيل ذلك قدم كل ما يلزمها بقبول هذا الدور.
حكاية اغواء حواء لادم وما يقال عن تفاحة ادم التي دفعته حواء للأكل منها وما آلت اليه الامور معه بعد ذلك واصرار العامة وبعض الخاصة على ترديدها هي حكاية توراتية لا علاقة للإسلام بها فالإسلام على النقيض من ذلك ساوى بين ادم وحواء مساواة تامة ولعل النظرة الدونية للمرأة جاءت من هذه الرواية لدى اتباع الاديان السماوية الذين اصر الذكور منهم لغاية في نفس يعقوب بالتمسك بالرواية التوراتية والتخلي عن سواها.
في ما عدا الرواية اليهودية لقصة ادم وحواء والتي اعتبرت ان حواء هي من اغوت ادم بالأكل من الشجرة فان التعاليم الدينية في الاساس لم تفرق بين الرجل والمرأة على الاطلاق فقد تقدمت المسيحية عن اليهودية في ذلك وقطع الاسلام مسافات بعيدة في ذلك ليس في النص فقط بل وفي السلوك وما تعامل الرسول محمد عليه السلام مع النساء الا صورة حقيقية لموقف الاسلام فقد استقبل بيعة النساء عند فتح مكة كما استقبل بيعة الرجال وبلغ عدد النساء اللواتي روين الحديث 1700 امرأة وقد كانت الصحابية سمراء بنت سهيل تتولى امور السوق وكانت تتجول في الاسواق وبيدها سوط لتأديب المخالفين ومثلها كانت الشفاء بنت عبدالله التي كانت احد مستشاري عمر بن الخطاب.
الموقف من المرأة موقف ذكوري بالتمام والكمال ليس للأديان في حقيقتها علاقة بالأمر فالرجال الذين سرقوا الدين لصالحهم ككهنة وجعلوا الفقه من حقهم هم من البسوا الله ثوب العداء للنساء زورا وبهتانا