ابن حزم الاندلسي:لا مانع من هدايا الحب حتى بين الشواذ!



كاظم الحناوي
2016 / 2 / 14

ابن حزم الاندلسي:لا مانع من هدايا الحب حتى بين الشواذ!
كاظم الحناوي
لقد كان للحب سير و اخبار في تاريخ العرب يمنعها الدين احيانا والعرف احيانا اخرى... ليمضي الحبيب فيلطف قسوة اهل المحبوب، ثم يحاول أن يقدم نفسه كنموذج راقي ويغري المقابل بكل ما تمكنه الظروف. حتى تنزل الطمأنينة على القلب وتهديء من روعه عندما يحيق التعب فيهرع الى قصيدة أو هدية ربما تصل الى المحبوب.
فكلما طغت العقبات على طريق اللقاء وقف المحب ليلطف من حدتها ويفرغ عنها بدمعة تنحدر أو عطف يفيض من قلب المحبوب بنظرة او مرسال غرام.
وقفت يوما امام والدي المهتم بتربية قطيعه وزيادته ...ألخص حديثه لي وأنا متوجها من جنوب العراق الى الجامعة في العاصمة بغداد للدراسة بعد قبولي هناك فحملني بهذه الوصية قائلا:
ياولدي انت تخرج الى حياة اخرى فتعيش في مدينة الكثير من الطرق فيها تؤدي الى الزلات والاخطاء فلن اغفر لك اذا ما تعمدت سلوكها لاني غير قادر على مشاركتك الحياة هناك لذلك اتركك وحدك . عليك ان ترافق زملائك تحت نور الشمس فتكون العلاقة كالزرع تنضج ثم تكبر. عليك بالكريم ومفارقة اللئيم ...
كان عليٌ ان اودع مدينتي الصغيرة منتصف الليل مع القطار الصاعد الى بغداد .صعدت القاطرة ووزعت حقائبي على الرفوف ثم جلست بجانب رجل بقميص مائل للون الوردي ونقش من ورود يتوزع في ثنايا القميص .
فسألني الرجل: لم انت متكئب ،هل انت ملتحق الى وحدتك العسكرية ؟.
اجبته قائلا: اني متوجه الى الجامعة وخائف من التجربة الجديدة ...ثم قصصت عليه وصية أبي.
فما كان من الرجل إلا ان أهداني كتاب قائلا: حاول أن تغوص في هذا الكتاب فهو خير رفيق إذا ما فهمت مقاصده ... تصفحت الكتاب وشدني كلامه فقلت: وما مقاصده ؟ أجابني: هذا طوق الحمامة !!.
بدأت بسرعة صاروخية لكي أفتح هذا الطوق لأقرأ انه لفقيه الاندلس وفيلسوفها (كتاب فيه الرسالة المعروفة بطوق الحمامة في الالفة والالاف تاليف ابي محمد علي بن حزم الاندلسي) بادرني ابن حزم بالمقولة التالية :
(لا بد من استجمام النفس بشيء من الباطل ليكون عونا على الحق).
بدأت تنفرج اساريري لان المؤلف رجل دين وفقيه وبدأت اقلب رسالة في الحب واحداث وقعت له ولاصحابه ومن هم اصحاب الفقيه؟ لم يتطرق لاسمائهم خوفا على مكانتهم الدينية والسياسية ..ثم يسترسل ابن حزم قائلا:
(الحب لابد من معاناته حتى تعرفه، مادام الدين والعرف لايستنكره...).
يذكر اساطير الاغريق عن الحب ثم يصف انواع الحب والمحبة حتى يصل الى ان الحب هو الحب!!!
حب الرجل للمرأة، أو الحب بين أفراد الجنس الواحد حيث يقول هو طبيعة لايمكن نكرانها لآنه ليست علاقة جنسية فقط إنما هو هيام وغرام فلا شواذ في الحب فالحب هو الحب.
ثم يشرح انما الحب للحبيب الاولي قائلا: (من أحب صفة لم يستحسن بعدها غيرها مما يخالفها).
ثم يطلب ابن حزم من الرجل الانتباه للحبيب بين الحينة والفينة وصناعة المناسبة قائلا:
(النساء متفرغات البال الا من الغزل واسبابه . أما الرجال فمشغولون بكسب المال ومحبة السلطان وغيرها من مشاغل الحياة).
وهو يطالب بمليء فراغ المرأة بالحب أو العمل!!.
لا شك ان اراء ابن حزم وجدت صداها عندي لتهز اركان وصية ابي وبت أردد: جامعة من غير حب كالجسد من غير روح .، كما ان كتاباتي(حيث كانت حينها لي محاولات في كتابة الشعر) إن لم تلهفها العاطفة ولا يسمو بها الخيال لا يمكنها ان تؤثر في النفوس .
وصية والدي سجن لطموحاتي وما قاله ابن حزم تباركه كل جوارحي...
في سنتي الثالثة انهمرت مشاعر الحب فكانت كغيث انبت العشب في صحراء عمري .فأهديت الهدايا بمناسبة وبدون مناسبة ...ولكن الحبيبة لم يعجبها حبي العذري فارتبط بأخر وأفصح لي اني مسرف في حبه!. وبالرغم من هذا التصرف المشين والصد الذي واجهته ...قدمت اخر الهدايا في شهر شباط من عام 1988 وبعدها التحقت بالجيش لاغوص في عالم الالم بين المهاترين والموتورين الى المرض والتشاؤم الاسود بعيدا عن اسوار الجامعة.