مشروع جديد لإصلاح الأخلاق



نوال السعداوي
2016 / 3 / 1


لا أحد يتكلم عن الأخلاق وينتهكها مثلنا، لا أحد يغنى للحب ويقتل المحبين مثلنا، لا أحد يغنى للأم وينتهك حقوقها مثلنا، لا أحد يتشدق بالحرية ويسجن الفكر الحر مثلنا، نتكلم ليل نهار عن العدالة والدولة المدنية والديمقراطية وننتهكها ليل نهار.
التناقض وازدواجية المقاييس، الخوف من كشف الحقيقة، المرض المزمن كالدمل الكامن فى بطن المجتمع، ينفجر من وقت لآخر، وتخرج إلى السطح أورام سرطانية، دموية، يتم التغطية عليها بسرعة كالعورة، لتنفجر من جديد. نقرأ الكثير من المقالات والاحتجاجات بسبب القبض على مواطنين
(منهم أطفال)، يمارسون حقهم الدستورى فى التفكير الحر والتعبير، فإذا بهم يحاكمون ويسجنون. القمع الفكرى كان سائدا فى العهود السابقة، ولم يكن أحد ينطق، حتى توفيق الحكيم (رئيس اتحاد الكتاب حينئذ) لم ينطق بكلمة واحدة، حين كسروا باب بيتى وساقونى بالقوة المسلحة للسجن (مع المئات الآخرين) بسبب مقال أدبى كتبته نقدا لازدواجية المقاييس، وكنت من المؤسسين لاتحاد الكتاب، وزميلة لتوفيق الحكيم فى لجنة القصة، ولم ينطق أيضا نقيب الأطباء الذى كان زميلا لى فى الطب، وكنت زميلة له فى مجلس النقابة.
اليوم يكتب الكثيرون ضد حبس أصحاب الرأى والفكر، ظاهرة ايجابية بالطبع، نرجو أن تمتد وتتجاوز جماعة المثقفين إلى فئات الشعب الأخرى، ليكون لها الأثر الفعال المطلوب، ويتم اطلاق سراح السجناء جميعا بمن فيهم شباب وشابات ثورة يناير وغيرهم. ومنذ تصاعد التيارات السلفية (ومنها جماعة الإخوان المسلمين وجمعيات المسيحيين) بتشجيع من النظام الحاكم، بعد الهزيمة الكبرى منذ خمسين عاما، وما أعقبها من ردة سياسية اقتصادية اجتماعية ثقافية تعليمية، اعادت مجتمعنا لعهود الاحتلال الأجنبى والتبعية والعبودية، عدنا لسيطرة رءوس الأموال السرطانية الجامحة للأرباح على 89% لا يملكون شيئا و2% يملكون كل شيء، وحساب الجماهير المقهورة، عدنا لمجتمع، انسحقت الأغلبية الساحقة تحت تزايد الفقر والبطالة والجهل والمرض والفتن الطائفية، وانسحق نصف المجتمع (من النساء) تحت هذه الويلات جميعا، بالإضافة إلى ويلات الحب والزواج وجرائم الشرف والطلاق والنسب والإرث وتعدد الزوجات، وتزويج القاصرات والتحرش وملك اليمين.
فى شبابى المبكر أحببت زميلا بكلية الطب، شاب مستقيم صادق، كان أبى معجبا بشخصيته الإنسانية المبدعة، لكن القانون وقف ضد زواجنا، بسبب كلمة قبطي فى بطاقته، وكلمة مسلمة فى بطاقتي، رغم أن الكلمة متوارثة عبر القرون ولم تكن من اختيارنا بإرادتنا الحرة. وكان أبى يردد عبارة الإيمان بالوراثة باطل ويشجعنى (هو وأمي) على التمسك، بجوهر الدين والأخلاق، أى الصدق والعدل والحرية والكرامة.
انتشر التدين الزائف بين أساتذة الجامعات وعميدات الكليات والوزراء والمحافظين وليس بين جماهير الشعب فقط، أحد المحافظين أعلن (منذ أيام) أن بيضة دجاجة أصبحت مقدسة لظهور اسم الله عليها، وبعض الأستاذات الجامعيات يخفين وجوههن، بالنقاب كدليل على الأخلاق والتدين. قصة حب بين فتاة قبطية وشاب مسلم تفجر المظاهرات والإشاعات عن خطف الفتاة لإجبارها على اعتناق الإسلام بالزواج من رجل مسلم، وعن جمعيات سلفية تدفع أموالا لمن يدخل فتاة فى الإسلام، ولمن ترتدى الحجاب أو النقاب، ولمن يطلق لحيته وتظهر فوق جبهته الزبيبة السوداء.
بعض زميلاتى القبطيات تزوجن برجال مسلمين من نصف قرن وأكثر، دون مشاكل، فالنظام المصرى يبيح زواج المسلم بالقبطية، لأن نسلهما يحمل اسم الأب ودينه وبالتالى يزيد من أمة الإسلام، لكن لا يحق للمسلمة الزواج بقبطى لأن نسلهما يحمل دين الأب القبطي، تفرقة صارخة على أساس الدين والجنس، تتعارض مع الدستور المصري، الذى يساوى بين جميع أفراد الشعب بصرف النظر عن الدين أو الجنس.
أصبحت الفتاة الصغيرة، خاصة الفقيرة، ضحية سهلة فى الصراع السياسى المتصاعد بين الأديان والطوائف السلفية، تدعمه (سرا وعلنا) جميع القوى السياسية المسيطرة داخليا وخارجيا، بهدف تقسيم الشعب طائفيا لإضعافه وبالتالى اخضاعه ونهبه.
الحب الصادق المخلص المتبادل هو أساس الشرف والأخلاق والزواج السليم، وليس ما يورث عن الاسلاف من تقاليد وأحكام تفرض السلطة الأبوية، وتظلم الأطفال والنساء
(لضعفهم وعدم امتلاكهم الوعى والقوة الشعبية المنظمة) التغلب على الفساد الأخلاقى فى حياتنا العامة والخاصة، تحقيق الدولة المدنية الديمقراطية، يقتضى فكرا جديدا شجاعا، وإصدار قوانين مدنية موحدة للدولة والعائلة، أساسها العدالة، والمساواة بين أفراد الشعب، فلماذا لا تتعاون الدولة اليوم مع البرلمان لإصدار مشروع جديد لقانون مدنى واحد للأسرة المصرية المسلمة والقبطية معا، يقوم على العدالة وجوهر المواطنة ولا يفرق بين الأفراد على أساس الدين أو الجنس أو الطائفة أو المذهب أو غيرها تطبيق الدستور المصرى الحالى يفرض على البرلمان اصدار هذا القانون الجديد اليوم. فالأسرة هى النواة والحجر الأساسى للدولة والمجتمع، وإذا قامت الأسرة على العدالة والحب الصادق والإخلاص المتبادل بين أفرادها، فسوف تنصلح الأخلاق والقيم، وتتحقق العدالة فى الدولة والمجتمع، ولن نكون، (حينئذ) فى حاجة لكثرة الكلام والأغانى عن الحرية والعدالة والأخلاق.