وجاء الثامن من آذار مرة أخرى



محمود فنون
2016 / 3 / 8

وجاء الثامن من آذار مرة أخرى
محمود فنون
8/3/2016م
إن المرأة في بلادنا ستتحرر مع تحرر المجتمع
وسوف ترتقي في سياق النضال لتحرير المجتمع من الظلم الطبقي والإستعماري
وسوف تتحرر كذلك بتحرر الرجل من ذكوريته وبتحرره من ركوب الفكر السلفي دفاعا عن ذكوريته .
ومن المهم ان تمارس دورها على كل الصعد من أجل حريتها وحرية المجتمع وحرية الرجل من قيود سطوته
من المهم أن نستذكر أن السيادة في سالف الزمان كانت للمرأة ، واسم المرحلة " مرحلة المجتمع الأموي "وذلك نسبة للمرأة الأم .
ولكن اليوم يسمى المجتمع ليس بالمجتمع الأبوي كما كانت البداية بل " مجتمع ذكوري " بمعنى أن السيادة للذكر وكل تراكيب المجتمع حتى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين كانت مفصلة لمصلحة الرجل دون المرأة . وفي بلادنا وتحت الحكم العثماني كانت المرأة " الله يعزك " اسم لا يستحسن ذكره في أحاديث الرجال ومنتدياتهم كما لو كان الواحد يذكر شيئا لا يستحب ذكره على لسانه فيعتذر من المستمع بعبارة " الله يعزك "
الأمر اليوم ليس بهذا الإنحطاط ، حتى في أكثر القرى تخلفا ، ولكن .
ولكن لا زال الوضع شديد السوء .
في ندوة كنت متحدثا فيها وتطرقت لموقفي ضد تعدد الزوجات وكان المتلقون في الندوة نساء .
انتفضت واحدة معترضة واستشهدت بآيات من الذكر الحكيم تبيح هذا التعدد وتصدت امرأة أخرى وثالثة وأصبحتُ في موقف لا أحسد عليه .
قلت لهن : كان تعدد الزوجات موجودا قبل نبوة محمد وكان العدد مفتوحا دون تحديد . وجاء القرآن ليس ليبيح هذا التعدد بل ليحد منه بسقف الأربعة مع المحاذير. وقام عدد من رجالات ذلك الوقت بتطليق العدد الزائد ووهبه لأصحابه كما يهب المعزى ، ومشكورا على صنيعه هذا .
ولم يكن الفقراء والعبيد يتزوجون أكثر من واحدة إن امكنهم ذلك أصلا . فالتعدد هو ميزة للأشراف والأغنياء في ذلك الوقت حيث لديه متسع من الدار والرزق .
وقلت أنه مع الأيام والسنون أصبح الحال الدارج هو زواج الرجل من امرأة واحدة ولا يشرك معها غيرها إلا الإستثناء القليل وغالبا مسببا.
إن هذا يعني أن علاقة الزواج محكومة ليس بالشرائع بل بظروف حياة الناس الإقتصادية والإجتماعية والثقافية وإلا لكان الرجال بنسبة ملموسة يعددون زوجاتهم ارتباطا بموقف الشريعة .
كما أن تعدد الزوجات تقريبا قد اندثر إلا بين قلة من الناس اتباع الإسلام وفي بلاد الإسلام ذاتها حيث التعدد ممنوع قانونا في البلدان المتحضرة .
كان هذا الحديث مثيرا للمستمعات وخاصة للنساء المكلفات بالدعوة وشرح ضرورة طاعة المرأة لزوجها وأن المرأة المطيعة التقية النقية لا ترفع رأسها امام زوجها "وأن واحدة منهن وكان ابنها مريضا وأبوه في الخارج . ومات الولد .
ماذا فعلت المرأة ؟
حضرت نفسها لزوجها بكامل زينتها ، ولما عاد قضى رغبته منها .. وبعد أن قامت بواجبه على أتم وجه ، أعلمته بموت الولد . فأكبر فيها انصياعها واندماجها في دورها كامرأة ، حيث فرشت نفسها للرجل ليتمتع بها بينما كان قلبها يذرف الحسرات على فلذة كبدها الميت ."
هكذا تنشر الداعيات عقيدة الطاعة والتبعية وهن جاهلات ففي أوج الحملة الإنتخابية للمجلس التشريعي ، أثرن الذعر في النساء الجاهلات بقولهن " من تنتخب غير رجال الله تكون طالقة من زوجها " وكانت هذه الدعاية موزعة من مركز الدعاية الإنتخابية لكتلة حماس، فقامت نساؤهم بالتوجه للبيوت وخاطبن النساء وأثرن الفكرة لتصل لكل بيت ( فتقول الواحدة : فإذا كان هذا صحيحا أصبح طالقة ، ولكن من يثيت لي أنه غير صحيح ؟) وهن داعيات جاهلات أجيرات يتقاضين الأجور على نشر مثل هذه الأفكار المريضة.
إن الداعيات من هذا القبيل كثر ويصلن المرأة بيسر وسهولة في المنزل والمسجد والمدرسة وهن ينشرن الفكرة السائدة المترسخة في المجتمع ومن مخلفات العصر العثماني .
إن نشر الفكر التقدمي والثقافة التقدمية بله المعاصرة كالنقش في الصخر ويواجه ممانعة من المستمعين وحتى أصحاب المصلحة في الثقافة التقدمية والمستهدفون من الثقافة التقدمية وهو يحتاج إلى شرح واسهاب ولا بد من استعداد ومواظبة لدى المستمعات والمستمعين لمثل هذه الأفكار الطارئة وجرأة على قبولها . وهي تحتاج إلى زمن طويل كي تصل إلى قواعد النساء وتجابه بها الفكر السلفي والرجعي والأفكار الدارجة والسائدة .
للنظر سهولة نشر الفكر السلفي من خلال الدواعش وأمثالهم . إنهم يعيدون سبي واسترقاق النساء حيث انقرض ذلك في كل المجتمعات الإنسانية وتحرر المجتمع من العبودية والإسترقاق في كل مكان .
ملاحظة : هناك تجربة بداية ثمانينات القرن الماضي في فلسطين المحتلة ، تلك الفترة كانت حالة صعود وطني وسياسي وتنظيمي وثقافي في الأرض المحتلة ، وكان وأصبح مزاج المجتمع وطنيا وكفاحيا في ذات الوقت وكانت هذه حالة ثورية .
في ظل هذه الحالة كان اليسار هو الأكثر صعودا في الميدان الكفاحي والتنظيمي وكذلك وهذا مهم في الميدان الثقافي والفكري .
لقد اصبح الفكر اليساري مقبولا بين معظم متنوري المجتمع وأخذ من خلالهم ومن خلال النشاط الحزبي ينتشر بدوائر متوسعة .
في هذا السياق انتظم عدد كبير من النساء متحررات من مخلفات الماضي ومثلن طليعة متقدمة لنساء المجتمع وبدرجة من القبول هي غير متوفرة في مرحلة الإنحطاط النضالي والثقافي والتنطيمي التي نعيشها اليوم وتسود فيها الناشطات الدعويات حاملات التخلف والرجعية .
لماذا سقت ذلك ؟
من الممكن ان تتقدم المرأة في بلادنا ببطء وهي تتقدم في معظم المجالات وبحكم الإرتقاء الإجتماعي عموما . ترتقي وهي تجابه أنصار المحافظة والقهر . ولكن في مراحل الصعود الثوري يتغير المجتمع في عشر سنين بما يحتاجه لعشرات السنين في وضع السكون أو الإنحطاط .
كما ان التجربة الغنية في العرب نهضت من خلال تضحيات ونضالات وسجون وشهداء دفاعا عن حقوق المرأة ، وهذا متوفر عندنا ولكن بندرة مثل نوال السعداوي وقليل غيرها .