أليس بين الطبيعي والاصطناعي فرق كبير ؟



عبد اللطيف بن سالم
2016 / 3 / 19

" في محور الطبيعة والثقافة "

أليس بين الطبيعي والصناعي فرقٌ كبير ؟

إن كل ما هو اصطناعي هو تغيير في الطبيعة وتحويل لها لتلبية حاجاتنا المتزايدة مع الزمن لكن ذلك ليس دائما في صالحنا لأنه قد ينعكس سلبا على وجودنا .إنه هو أيضا تغيير فينا لأننا نحن أيضا جزء من هذه الطبيعة ذاتها وبالتالي فإننا كلما غيرنا
في الطبيعة غيرنا بصفة مباشرة أو غير مباشرة في أنفسنا وفي عقولنا وبالتالي حتى في أجسامنا أي أننا بذلك نقوم بتثقيف وتهذيب لنا يتنا سب طردا مع واقعنا وهكذا يصير – مع الزمن – التأثير متبادلا بين الإنسان ومحيطه دائما .
لكن الملاحظ أنه في هذه العملية تصبح الشخصية البشرية مهددة بالذبول والهزال وربما أيضا بالاضمحلال والزوال التدريجي حتى الانقراض الكامل .وربما احتجنا في الزمن القادم إلى إنشاء محميات طبيعية للحفاظ على النوع البشري خوفا من انقراضه مثلما فعلنا منذ مدة طويلة بحيوانات أخرى شبيهة به وإلا :

تُرى ما السبب في ظهور الشيخوخة المبكرة اليوم لدى البعض من البشر ؟

لاشك أننا صرنا نرى اليوم علامات شيخوخة مبكرة على كثير من الناس الذين لم يبلغوا بعدُ السن المعتادة للشيخوخة . أفلا يعود ذلك إلى ما يعانيه إنسان اليوم من عنت وتعب وإرهاق وقلق وضغط نفسي من جراء مقتضيات ومتطلبات الحياة المعاصرة إضافة إلى ما هو معتاد عليه سابقا من الضبط الاجتماعي la contrainte sociale ومن العمل المنتظم والواجبات المحددة والالتزامات العائلية والاجتماعية والدينية والتي هي كلها اصطناعية ومكبلة بشكل ما للحرية ومرهقة للشخصية ؟. وهذه كلها ظروف مناسبة ومواتية لتنشيط مورٌث le gène الشيخوخة فينا ليعمل عمله إضافة إلى عوامل أخرى عديدة .
إن الصفة الوراثية لا تنتقل من الأجداد إلى الآباء فإلى الأحفاد هكذا بصفة أوتوماتيكية أو آلية وبدون سبب وإنما تظهر مدفوعة بعوامل مساعدة ضرورية وإلا بقيت في حالة كمون en potence ولم تظهر أبدا .

الزواج والتزاوج :

التزاوج أمر طبيعي أما الزواج عند الإنسان فأمر اصطناعيي إذ أن للحيوانات مواسم محددة للتكاثر وخاضعة لشروط مناخية معينة وتحدث في أحيان كثيرة بين بعض الحيوانات
أصوات خاصة شبيهة بالأغاني المعمول بها عند البشر منادية بها بعضها بعضا إلى التزاوج كما يحدثنا بذلك أهل الاختصاص في العادة .
أما الزواج فهو مؤسسة اجتماعية من ابتكار البشر قصد تنظيم الحياة الاجتماعية وهي ولا شك ظاهرة حضارية بأتم معنى الكلمة لكن بالإضافة إلى ما فيها من حكمة ونجاعة في تنظيم الحياة الاجتماعية للبشر فيها أيضا الكثير من الأمور السلبية والمنهكة أيضا للشخصية والمعطلة بالخصوص لنموٌها الجسماني الطبيعي وبالخصوص إذا كان هذا الزواج في سن مبكرة أو كان يخضع فيه الزوجان لنظام صارم وشروط محددة أو كان بين الزوجين فارق كبير في العمر يجعل أحدهما متفوقا على الآخر في الاستعداد الجنسي وكثيرا ما يقع أحدهما في ظروف استثنائية تجعله غير مستعد أيضا إلى ذلك الاستعداد الكافي مثل وقوع المرأة في العادة الشهرية أو اقتراب بعض النساء من سن اليأس في عمر مبكر إلى غير ذلك من الحالات الطارئة التي لم تكن محسوبة أو متوقعة وتشوّش على الزوجين -- إذا لم يكونا على وعي بذلك وتفهّم --علاقتهما الجنسية وبالتالي علاقتهما العائلية ما يتسبب لهما في سوء تفاهم وأحيانا في تنافر قد يؤدي بهما إلى التخاصم والشجار دائما أو يضطرهما إلى قطع حبال الوصل مرة واحدة أو البقاء على نفس الحالة لكن مع الإحساس الدائم لدى كل منهما وكأنه يعيش في سجن مؤبد .

الصناعة بأنواعها المختلفة هي نوع من احتكاك الإنسان بالطبيعة والمعروف فيزيائيا بأن الاحتكاك يولد الحرارة وفي هذه الحالة تتمثل الحرارة في ذلك التأثير السلبي المتبادل عادة بين الإنسان والطبيعة إذ أن في هذا الاحتكاك أحيانا اعتداء فضيعا على الطبيعة وتهرئة في المقومات الأساسية للشخصية البشرية في الوقت ذاته بدليل أن طبيعة اليوم لم تعد هي نفسها طبيعة الأمس لما أصابها من تلوث وخراب ودمار من لدن الإنسان ، وأن إنسان اليوم لم يعد هو نفسه إنسان الأمس ( القريب منه أو البعيد ) إذ أنه قد فقد الكثير من صفاته القديمة المميزة له من مثل قوة التحمل وصلابة البنية وشدة التماسك والإحساس العميق بالآخر وطول العمر ، كأنما تاريخ البشرية هذا الذي ما هو إلا جزء من تاريخ الكائنات الحية المختلفة نهر يحتٌ في جنباته وفي قاعه وليس لنا المقدرة الكافية على التحكم فيه أو توجيهه .
عبد اللطيف بن سالم
[email protected]