سيداو والضجة المفتعلة!



فهد المضحكي
2016 / 4 / 16

بدون الدخول في تفصيلات حول سيداو اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، إذ أن تلك القضية واسعة مازال الخلاف حولها حادًا بين المؤيدين والمعارضين من الاسلاميين، إن (فزعة) النواب ضد بعض بنود الاتفاقية يبدو الهدف منه ليس الاعتراض على إعادة صياغة تحفظات البحرين فحسب، بل استجابة للرأي المناهض للاتفاقية، ومن هنا جاء شعار (لا لسيداو) ضمن حملة لا يلام فيها الناس البسطاء الذين وتحت تأثير أطراف دينية معادية لحقوق المرأة راحوا يرددون بخوف (لا لسيداو) لأن الحملة القديمة الجديدة التي روج لها هؤلاء تصور أن تعديل مجلس النواب لبعض بنود أحكام المرسوم رقم 5 لسنة 2002 بشأن اتفاقية السيداو «سيهدم الاسرة ويضيع الابناء» وبعبارة أخرى يمكن القول إن ما يحرك الكثيرين ممن يختلفون مع السيداو هم من يشككون في حقوق المرأة القائمة على مساواتها بالرجل في كافة الحقوق دون استغلال واضطهاد وعنف وتمييز، وقد ارتكز هؤلاء على الجهل والدور التقليدي للمؤسسة الدينية والمورثات القديمة، وسيدفع ثمن ذلك النساء والمجتمع اذ سيظل مشلولا لا يتقدم طالما العنف والتمييز يلاحق المرأة التي هي نصف المجتمع!

ولا يخفى على احد أن هؤلاء يخشون من مكاسب المرأة البحرينية التي تحققت عبر نضالات طويلة وعبر المشروع الإصلاحي الوطني الذي ومن خلال الدستور وميثاق العمل الوطني ناصر حقوق المرأة ودافع عنها وعن مصالحها في المجالات السياسية والاقتصادية بشكل أكثر فعالية. وما توقيع البحرين على اتفاقية سيداو إلا مثال على ذلك، ومع ذلك فإن طموح المرأة البحرينية تكمن في تشريعات متقدمة تتناسب مع اتفاقية سيداو، ولا يمكن دفع ذلك بما يضمن المساواة الا برفع التحفظات!

ولأجل ضمان ذلك يقول الكاتب الاستاذ اسحاق الشيخ في مقال له سيداو: ضجة في صفوف نواب الوطن: ان حاكمية الرجال الخالية الوفاض من حاكمية النساء ولا عدل الا في عمومية العدل في المساواة بين الرجال والنساء، حيث تتموضع العدالة في المجتمع بين الرجال والنساء، وذلك ما تؤكد عليه اتفاقية سيداو الرائعة في عدلها في القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة، فالرجل القوام على المرأة هو في الواقع هرطوق متحذلق (الأيام 4 ابريل 2016).

ولا يسعنا هنا إلا أن نقول طالما تحفظات البحرين على بعض مواد الاتفاقية قائمة وفقا للشريعة الاسلامية فان من روج داخل البرلمان وخارجه ضد الاتفاقية يهدف الى أبعد من ذلك، ولا نعتقد هناك اية مبالغة اذا قلنا ان هذه الحملة ربما ترمي الى إعادة الثقة في الاداء البرلماني الذي أصبح في نظر الكثيرين محط انتقاد وتندر لكونه الى الآن لم يتقدم باستجواب واحد في قضايا الفساد والتجاوزات المالية!

إن البحرين كغيرها من الدول العربية والاسلامية صادقت على الاتفاقية بتحفظ، اذن لماذا كل هذا اللغط؟ لماذا المغالاة في تصوير الاتفاقية بأنها الخطر الحقيقي على زعزعة الاستقرار الاسري في المجتمع البحريني؟ لمصلحة من هذه الضجة المفتعلة وهذه الحملة الشعواء ضد الاتفاقية؟ أليس الاخلال بمبدأ المساواة بين المرأة والرجل انتقاصًا لحقوق المرأة التي يريد لها البعض ان تكون تحت رحمة تشريعات منحازة الى العلاقات الابوية القديمة والسلطة الذكورية وقوانين المجتمع القبلي والعشائري؟

هذه التساؤلات وغيرها تظل مؤرقة ما دام هناك من يسعى الى تكريس الصورة التقليدية للمرأة بأحكام وقوانين لا تمت الى حقوق المرأة بصلة ولا الى التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تشهدها البلاد والتي لن تترسخ جذورها طالما هناك من يدعو الى عدم مشاركة المرأة في قيادة مؤسسات المجتمع، وطالما هناك من يرفض مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات، ويرفض حقوق المرأة كمواطنة لها مطلق الحرية في التصرف بأموالها وممتلكاتها وحق السفر، وهناك ايضا من يعارض منح المرأة البحرينية المتزوجة من اجنبي منح جنسيتها لأبنائها، وبالإضافة الى كل ذلك وهنا بيت القصيد حرمانها من الولاية والوصاية والقوامة!

وعلى هذه الخلفية جرى تحريض البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة ضد اتفاقية سيداو بحجة انها تمثل حزمة من المخالفات الشرعية أساسها كما أشرنا سلفا (هدم الاسرة وضياع الابناء).. نعم هكذا جرت الدعاية التحريضية من منطلقات سياسية وايديولوجية تعكس استراتيجية اساسها التمييز ضد المرأة في الوقت الذي يشكل انتخاب البحرين للمكتب التنفيذي لهيئة الامم المتحدة للمرأة بالتزكية إنجازًا عالميًا للمرأة البحرينية وهو محط تقدير للبحرين والفعاليات النسائية.