من -خربوشة- إلى -من فتيحة-!!



حميد طولست
2016 / 4 / 23


من "خربوشة" إلى "مي فتيحة" !!
لاشك أن تطور المجتمعات وتقدمها رهين بالاختيار السليم لكوادرها وقياداتها القادرة على الابتكار والإبداع وتقديم الجديد في كل الميادين والقطاعات ، وهذا لا يعني أن من يمس بعضهم حدث "من فتيحة" من رجال السلطة ليسوا أكفاء وتنقصهم قدرة الابتكار ودربة الإبداع ، لا وألف لا ، فالعكس هو الصحيح، لأن كلهم من خريجي مدارس عليا ومتخصصة في تكوين أطرا رجال السلطة وكوادرها الأكفاء ، والتي لا أن يلجها‏ إلا من توفرت فيه شروط الكفاءة في الكثير من المجالات ، ولو حدث وتسرب أحدهم -في غفلة من القانون - إلى صفوفها ، فإنه لا يمكن أن يستمر بها طويلا ، وحتى إذا كان محظوظا أو مسنودا ، واستمر بها ، فإن أمره ينكشف عند تخرجه وممارسة مهامه ، الممارسة التي تتطلب إلى جانب المهارات والمؤهلات العقلية والبدنية وموهبة وأسلوب التعامل مع المواطن بالشكل المنطقي الذي يحقق للمواطن كرامته ،الهدف الأساس في أداء رجال السلطة للأعمال والوظائف المطلوبة منهم ، والذي يختلف بينهم من واحد إلى آخر ، حيث يطبق غالبيتهم ما تلقوه أثناء التكوين العالي ، ويحاولة أكثريتهم الإجتهاد في تطوير معارفهم بشكل مذهل ومستمر، كل حسب قدراته ومهاراته وما تتطلبه ظروف الأحداث ومناسباتها ...بينما يتعامل قلة منهم بعقلية قياد الزمن الذي كان فيه الشطط هو القاعدة الرئيسية عند استعمال السلطة ، حيث كان الوقوف أمام سيادة القائد له طقوس خاصة ومراسيم يتوجب على الكل احترامها ، وويل لمن يخرج عليها ، فذلك يعرضه لا محالة إلى العقاب الذي يصل أحيان كثيرة إلى السجن أو القتل ، كما حدث مع الفنانة والشاعرة الشعبية "حويدة" المشهورة بـ "خربوشة" التي قتلها القائد عيسى بن عمر العبدي ، انتقاما منها على تمردها على ظلمه وتسلطه واستبداده ، وهجومها له بكلمات أيقظت المشاعر الراقدة في الناس ودفعت بالخائفين للثورة عليه، والتي بقية مرتبطة في المأثور الشعبي بما عرَف باسم "خربوشة" التي خلّدت القائد الجلاد عيسى بن عمر والشاعرة الشهيدة "حويدة"، القصة التي أبت إلا أن تجددت في "مي فتيحة" بائعة الحلوى والبغرير التي لفظت أنفاسها الأخيرة بعد أن أضرمت النار في جسدها جراء تعرضها "للحكرة" من طرف رجال سلطة وأعوانها، الذين بدلاً من محاولة إنقاذها أو ثنيها عن الانتحار، قام أحد عناصرها بتصويرها بواسطة هاتفه المحمول وهي تحرق نفسها ثم نشره بعد ذلك عبر المواقع والشبكات الاجتماعية ، ما خلف -حسب مواقع التواصل الاجتماعي- تداعيات اجتماعية وقانونية وسياسية، قام بها المواطنون المغاربة عامة وساكنة مدينة القنيطرة، محلّ الحادثة خاصة، الذين خرجوا للاحتجاج حاملين صور البائعة التي توفّيت متأثرة بجروحها البليغة، ولافتات تحمّل مسؤولية ما يعانيه المواطن العربي من الاحتقار والقهر للسلطة، في جانبها التنفيذيّ الذي يمثّله موظّفو السلطة عموما ، الذين لا يقيمون أدنى اعتبار لحياة المواطن وكرامته ويطاردونه في لقمة عيشه البسيطة بحيث لا يتركون أمامه، أحياناً كثيرة ، غير خيارات الموت جوعاً وذلا ، أو الإنتحار حرقا ، كما حدث مع محمد البوعزيزي، البائع المتجوّل التونسي رائد إحراق النفس احتجاجاً على القهر والظلم ، والذي أشعل نار الثورات العربيّة التي غيّرت وجه المنطقة العربية منذ عام 2011.
وهنا وفي ظل هذه الأوضاع المزرية ، يوجه السؤال الأكثر وطأة وإلحاحاً وخطورة على كل من الحزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه الشيوعي : أين هو الدفاع عن مصالح الفقراء والمظلومين والمضطهدين اجتماعيا ، أم هي "هضرة" والسلام؟.
حميد طولست [email protected]