الفزازيع والستوكهولميات



أماني أريس
2016 / 5 / 6

يقول أحد الفلّاحين جادّا في هزله: كنا نصنع الفزّاعة وننصّبها وسط الحقول، فتهابها الطيور وتتوجس منها خيفة، وتكتفي بالتلصص من الحواشي، لكن اليوم أصبحنا ننصب عددا من الفزّاعات فتجثم عليها أسراب الطيور اِحتفاء بها!

إذا كانت طيور العصر قد تحررت من سذاجتها، وغدت تفرق بين الحقيقة والزّيف، فبعض الذكران في زماننا مازالوا يراهنون على فزّاعة " الكاركاس " لإثبات هيبتهم وفرض آرائهم على النساء، فهم يعتقدون أن مجرد كونهم ذكورا فهم أفضل من كل الإناث حتى لو افتقروا لأدنى شروط المروءة والأخلاق، وتنكّروا لأبسط واجباتهم إزاء عائلاتهم ومجتمعهم، ولسان الحال أبلغ من لسان المقال!

وبالمقابل وبحكم اِحتكاكي الدائم بالجنس اللطيف في الواقع أو في الافتراض، لاحظت أن بعضهنّ قابلات للانصهار في بوتقة المركزية الذكورية حتى لو كانت على شاكلة الفزّاعة، وتشعر الواحدة منهن بالسعادة الغامرة عندما تقتات معنويا على فتات المجاملات التي تحظى بها من الجنس الآخر، وهي تواليه وتداهنه وتخوض معارك التنازلات عن مبادئها وقناعاتها في إلغاء مهين لذاتها، في حالة أقرب ما تكون للوصف بمتلازمة ستوكهولم.

ولا شك أن هذا الذي يمطر بالثناء والمدائح على اِمرأة تلغي ذاتها من أجل إرضائه وموالاته ولو في الباطل، هو نفسه الذي ينظر إلى نقيضتها التي تؤمن بأنها مكلّفة وتعبّر عن قناعاتها بكل شجاعة، نظرة ملؤها النقمة، وينزلها منزلة العدو، وينبزها بمختلف الألقاب المسيئة، التي يعتقدها واهما تسيء إلى أنوثتها وأخلاقها، والأطرف؛ أنّ بعضهم أبدعوا في اشتقاق وابتكار هذه الألقاب وأثرَوا القاموس العامي بها من قبيل: موسطاشة، عيشة راجل، عمي معمّر...وهلم جرا، فيا له من إجحاف، ويا لها من قسمة ضيزى!

عندما ننظر إلى هذا الكون الشاسع، وذلك التناغم الزوجي البديع، ندرك أننا خلقنا كجنسين لنبلغ التكامل بأفكارنا وأفعالنا، لا لنقوض سنّة الطبيعة بالصدام والعداء والإقصاء، فهذه أم سلمة المخزومية رضي الله عنها، تسأل بكل شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عدم ذكر المسلمات في الخطاب القرآني، فأنزل الله أول آية تخاطب الجنسين في قوله تعالى: } إِنَّ ٱ-;-لْمُسْلِمِينَ وَٱ-;-لْمُسْلِمَـٰ-;-تِ وَٱ-;-لْمُؤْمِنِينَ وَٱ-;-لْمُؤْمِنَـٰ-;-تِ وَٱ-;-لْقَـٰ-;-نِتِينَ وَٱ-;-لْقَـٰ-;-نِتَـٰ-;-تِ وَٱ-;-لصَّـٰ-;-دِقِينَ وَٱ-;-لصَّـٰ-;-دِقَـٰ-;-تِ وَٱ-;-لصَّـٰ-;-بِرِينَ وَٱ-;-لصَّـٰ-;-بِرَٰ-;-تِ وَٱ-;-لْخَـٰ-;-شِعِينَ وَٱ-;-لْخَـٰ-;-شِعَـٰ-;-تِ .. { الأحزاب 35

وتلك أم سليم الخزرجية رضي الله عنها جاهرت بإسلامها في وجه زوجها الكافر، الذي غضب منها غضبا شديدا وتوعدها بالقتل، فأين هو من الحقّ من يرى أن الأنثى هي من تميّعت وتذلّلت، ومنحته حقّ الوصاية عليها، والنيابة عنها في النظر إلى الحياة وقضاياها!؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

متلازمة ستوكهولم مصطلح يطلق على الحالة النفسية التي تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له، وأطلق على هذه الحالة اسم "متلازمة ستوكهولم" نسبة إلى حادثة حدثت في ستوكهولم في السويد حيث سطا مجموعة من اللصوص على بنك كريديتبانكين هناك في عام1973، واتخذوا بعضا من موظفي البنك رهائن لمدة ستة أيام، خلال تلك الفترة بدأ الرهائن يرتبطون عاطفياً مع الجناة، وقاموا بالدفاع عنهم بعد إطلاق سراحهم.