امانة من بغداد الى قرطاج..كاظم الساهر



رغد نصيف جاسم السراجي
2016 / 7 / 31

أمانة من بغداد إلى قرطاج..كاظم الساهر
الدكتورة رغد نصيف جاسم السراجي
قال الله تعالى:إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا . الأحزاب / 72 .
اروع شيء في الإنسان الأمانة.. وجدتها تحملها امرأة عراقية، ليست هي بانسان بل جبل من الإنسانية، رايتها واقفة تنتظر لسويعات قبالة باب مدخل الفنانين في مهرجان قرطاح في يوم 29 تموز 2016م، تنتظر بدون كلل او ملل تحمل امانة من بغداد -معاناة اطفال العراق- إلى قرطاج.. ان جبل الإنسانية لم تكن بامرأة عادية بل كانت حاصلة على أعلى الشهادات وتمتاز بعلم رفيع ومركز اجتماعي رفيع لكنها وضعت كل دلك جانبا وقدمت الإنسانية عليه فهي لم تكن تشغل منصب سياسي وليس لها علاقة بمنظمات المجتمع المدني بالعراق.
لقد أخبرتها إنسانيتها بانه بما تمتلكه من إمكانيات مضاف لها دعم من قبل سفير الطفولة –باشرافه المباشر- ستؤدي الامانة التي حملتها تطوعا وقربا الى الله... وبعد سويعات طويلة من الانتظار جاء سفير الطفولة بسيارة فارهة مقفلة النوافذ واذا بالحرس يحيط السيارة وهي تسير بسور بشري منعها من الاقتراب من السيارة، وعندئذ دخلت السيارة من مدخل الفنانين ذي البوابة الحديدية وأغلقت باب الحديد...هنا انتاب المرأة ثواني من الذهول... اين الإنسانية؟ اين الدرجة الرفيعة من العلم التي تشغلها والتي كانت قد قدمت بها نفسها الى الحرس قبل قدوم سفير الطفولة؟ يكفي ان ما تمتلكه تلك المراة من درجة علمية رفيعة ان تكون في موقع تقديس في دول العالم المتقدم...
كررت المحاولة كاسد جريح... قالت للحرس انا لا املك منصب سياسي ولا مؤسسة مجتمع مدني وليس لي بالأمر ناقة ولا جمل فقط انا إنسانة عراقية أريد دقائق أتكلم مع سفير الطفولة عن معاناة أطفال بلده، واقسم بالقران الكريم ان هنالك في العراق أطفال نازحين يعيشون بخيام بالصحراء تحت شمس تموز ودرجة الحرارة 54 مئوية، أجابها الحرس المسئول عن الباب الحديدي المقفل: بالقران الكريم لن ادعك تدخلين... وهنا تذكرت قوله تعالى: ثمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، البقرة الاية74
أدركت لحظتها ان الإنسان قد مات في داخلهم...حفظ الله تونس الخضراء...
وكان هنالك من اراد ان يقدم الممكن فقال لها اذهبي إلى المطار وانتظري موعد الطائرة التي سيغادر بها...قالت كفى ان كرامتي هي كرامة العراق؟
بعد دلك توجهت إلى مدار مسرح قرطاج الذي يقام عليه الحفل وإثناء سيرها تذكرت قول الإمام علي عليه السلام: إنكم في زمان القائل فيه بالحق قليل واللسان فيه عن الصدق كليل و اللازم فيه للحق ذليل ، أهله منعكفون على العصيان مصطلحون على الإدهان ، فتاهم عارم و شيخهم آثم و عالمهم منافق و قاريهم ممارق لا يحترم صغيرهم كبيرهم ولا يعول غنيهم فقيرهم .فهل للعجب مكان بعد كل هذا ؟
دخلت مسرح قرطاج جلست لا بل بقيت واقفة على المدرج تسمع النشيد الوطني التونسي :
حماة الحمى يا حماة الحمى هلموا هلموا لمجد الزمــن
لقد صرخت في عروقنا الدما نموت نموت ويحيا الوطن

ومن ثم بدا الحفل الغنائي وكان قلبها يعتصره الأسى وتفور في عروقها الدماء... أين الإنسانية يا امة العرب؟ هل مات الإنسان في داخل من كان يصفق ويرقص على مدرج مسرح قرطاج؟..أدركت ان ما يدور في تلك السويعات عبارة عن فقاعة او قشرة تحمل ملامح سادية ترقص على أجساد بريئة وهنا رددت عبارة الذئب لا يأكل ذئبا ويأكل بعضنا بعضا عيانا، وأدركت ان الإنسانية قد ذبحت بغير سكين.