حوار مع احدى المحجبات عن الحجاب وأسبابه ونتائجه



فؤاده العراقيه
2016 / 8 / 11

كانت عيونها تتوقد حيوية وهي تتحدث عن انواع الاكلات الشهية تتخللها اسئلة عن كيفية عمل الصنف الفلاني من الطعام وغيرها من الأحاديث التي لا تقدم شيء سوى امتلاء لنفسها الخاوية من المعاني, تركتها تتحدث دون اي اعتراض لمعرفتي المسبقة باهتماماتها وبانعدام تقبّل اي فكر مخالف لما جُبِلت عليه من أفكار, فانتقلت بحديثها إلى الجن ثم إلى السحر ووثقت وجوده لكونه مذكور بالقرآن, وأخيرا ختمت حديثها عن القهر الواقع عليها وعن عالمها البائس ومحيطها الممتلئ أحقادا وغيرة وحسد وغيرها من الامور الغيبية التي عششت بعقلها وحولته إلى مجرد حجارة غير قابلة للتغيير .
فكرت مع نفسي وقلت بأن الكثيرين غير هذه السيدة يعزون واقعهم وأسباب الحضيض التي وصلوا لها إلى الحسد والغيرة التي تحدثت عنهما الآن ورغم ان هؤلاء الحاقدين والحاسدين هم يمثلوهم ويؤمنون بما آمنوا به ويسلكون نفس النهج الذي سلكوه ونفس الأيمان هم يؤمنون به ,ومع هذا التقارب والشبه بينهم لكن اصبحت علاقاتهم سطحية للغاية ولا يحتملون التعمّق بها وان تعمّقوا بها وحصل بينهم حوار من شانه ان يحتك بمعدنهم الاصلي نجدهم لا يطيقون بعضهم البعض وتظهر حقيقتهم حينها وأحقادهم وكراهيتهم لكنهم يتداركون الأمر وسريعا ينهون ذلك الحوار الذي كشف خفاياهم ليبتعدوا عن حقيقتهم الصادمة ومن ثم يرجعون وكأن شيئا لم يكن .
جزء من حقيقتهم هذه هي انهم يكذبون ويصدقون كذبهم ويجدون لكذبهم من التبريرات الكثير منها حيث ينتقون من التعاليم الدينية تلك التي تخدم مصالحهم فقط ,يقيمون الصلاة ولا يأتون الزكاة ,لكون الزكاة تضرب مصالحهم ,وفي الوقت نفسه صدّقوا بأن الله قد اصطفاهم من بين ألبشر فنتج عن علاقاتهم الهشة تلك عالمهم ألبائس الذي تحدثت عنه قبل قليل.
هذه هي الازدواجية التي تميّزوا بها والتي صارت حديث الساعة بين فئات المثقفين ,جذورها امتدت لقرون فتعوّدوا عليها وتعايشوا معها ونسوا شيء اسمه زمن يتطور ويتغير لكن لا غرابة بعد ان سُلبت عقولهم منهم وطمست بوحل انعدام اختيارها وباتوا يلفون ويدورون بحلقة فارغة ومترابطة بعضها مع بعض تبدأ من طريقة تفكير هذه السيدة وتنتهي بالمغيبين والبائسين المحيطين بها وحيث بدأت اهتماماتها الفارغة تلك بدأ يتشكّل من حولها ذلك العالم البائس الذي التف حولها وحاصرها بالقهر وبدورها ستورث هذا العالم لأبنتها الصغيرة التي انتبهتُ لها مؤخرا وهي تستمع لأحاديثها بعيون تعلوها الدهشة والخوف معا.
فسألتها عن سبب الحجاب الذي فرضته على ابنتها الطفلة بعد أن جاء بلوغها كلعنة سلبتها طفولتها سريعا وقلت لها بأنني طالما رفضت فكرة الحجاب واعتبرته تشويها لعقلي لكونه إقرار مني على إني مجرّد عورة وعليّ ان اخفي وجودي أمام الرجال رغم ان الذنب ذنبهم وليس ذنبي , وهذه اعتبرتها اهانة صريحة تمس كرامتي إضافة إلى تشويه شكلي ,فكيف بطفلة صغيرة ؟
أختفى بريق عينيها عندما حدّثتها بموضوعية لكون لغتي صارت غريبة عنها وظهرت على عينيها غمامة واضحة من الضباب وغياب المعلومة تجمع ما بين الحيرة والحزن والكثير من المعاني.
أطرح سؤالي هذا ويأتيني الجواب جاهز ومعلّب , وعلى نفس الشاكلة تأتي أعذارهم اقبح من افعالهم حيث العذر يكمن بطبيعة الرجل وضعفه أمام رؤية شعر المرأة !! .
فقلت لها لو كان ما قلتيه صحيحا فكان الاجدر بنا ان نعمل على تشذيب نفوس هؤلاء الرجال وتقويم عقولهم ليكونوا اقرب للإنسان منهم للحيوان وان لا نشجع ضعفهم بحجب النساء عنهم وخصوصا وهم يدّعون القوة لأنفسهم ؟ يطالبون بفرض الحجاب على المرأة ,الضعيفة , يصفوها وبقطعة من الحلوى يشبهوها والتي ينبغي لهم تغطيتها منعاً من ان تلوثها عيونهم !, ولم يخجلوا من تشبيه أنفسهم بالذباب , هذا وبدلا من ان يكافحوا الذباب تركوه يصول ويجول وطالبوا بتغطية الحلوى .
الرجل هنا صار أدنى من المرأة وليس العكس كما يُصورون , فهو هنا لن يمتلك القدرة على ان يسيطرة على نفسه فكيف تريدون له أن يسيطر على المرأة وأن يكون قوّاما وقائدا عليها وهو غير قادر على قيادة نفسه وكبح جماح رغباته ؟.
طبعا احتارت بالرد ولا تملك سوى فكرة سمعتها من المحيطين بها وأخذت بترديدها كالببغاء إلى ان اقتنعت بها وصارت مجرد عادة من عاداتها الكثيرات التي لا تقبل النقاش, والفكرة تنحصر بإبعاد ابنتها عن نظرات ذكور مهووسة بالجنس لتبعدها عن تحرشاتهم ,وكذلك رغبتها في أن يأخذ نفس هؤلاء الذكور فكرة حسنة عن ابنتها !!.
ولتتخلص من مأزقها ومن عجزها بالرد لكونها بعيدة كل البعد عن مثل هذه الاحاديث بالرغم من مساسها المباشر بها قالت بأنها طبيعة في الرجل لا يمكننا تغييرها لكون الله خلقه بهذا الشكل وانزل عقابه علينا نحن بنات حواء بسبب خطيئة أمنّا حيث كانت هي السبب في خروج أبونا من الجنة وللسبب نفسه حمّل حواء آلام الولادة عقابا لخطيئتها تلك !!.
قلت لها هذه ليست طبيعة بالرجل ولكنها تشويه لطبيعته , ثم على فرض بأن هذه الرواية صحيحة رغم انها تتعارض مع العلم ,فهل سألتِ نفسكِ يوما عن المغزى في خلق الله للرجل هذه الغريزة التي هي بمثابة قنبلة موقوتة تنفجر بمجرد رؤية شعر اي امرأة ؟ وما المغزى من خلق المرأة بشكلها المثيرهذا ؟
وما المغزى من عقاب ,الله العادل, لجميع النساء لخطأ ارتكبته واحدة ؟
شعرتْ بغرابة اسئلتي لكونها لم تسمع بمثلها من قبل ,فكان جوابها يمثّل واقع مرير تعيش به اغلب النساء وهو ’’هكذا هو مجتمعنا وهكذا هي نشئنا وهكذا تعودّنا ولا نقدر ان نخرج عن ما هو مألوف ولا اريد ان اسأل مثل هذه الاسئلة وأدوّخ عقلي بها فأجدادنا قالوا ونحن استمعنا وطبّقنا ,علاوة على انني متعبة ومشاكل حياتي تكفيني’’ .
قلت لها بأن مجتمعنا غريب وفاسد لحد النخاع ,قلب الحقائق لأجل مصلحته فقط ,يبرئ الجاني ويسجن المجني عليه ,جعل من مصدر التلوّث طهارة وجعل من المذنب برئ ومن البريء مذنب .
للحجاب غاية واحدة فقط يا عزيزتي وغايته هو حجب المرأة وحصرها بقالب واحد ليجعلوا منها مجرد مخلوقا لأجلهم حيث أرادوا لها ان تكون أداة لخدمتهم ووعاء لإنجاب ابنائهم وليُميزوا انفسهم عنها ليرتقوا بها فلصقوا السبب بها وأصبحت هي مصدرا لشهواتهم وإثارة غرائزهم .
علاوة على ان الحجاب لا يمنع ولا يُشذّب عقول الرجال فللتشذيب بحث آخر يتعلق بالأخلاق اولا وأخلاقه تنبع من عقله .
عليكم ان تضعوا نقاطكم على الحروف الصحيحة وان لا تخلطوا الاوراق لترتقوا إلى البلدان التي سبقتهم بدهور وتلتفتوا لما هو اجدر لكم .
هذه هي مشكلة الغالبية الذين عاشوا في كهف مظلم كبر وتوسع وتغذى بالعتمة التي سكنتهم , كبُر الكهف بهم وقادهم إلى دهاليز لا قرار لها ,تأخذهم الغفوة ونشوتها فيرفضون أي فكرة جديدة من شانها ان تصطحبهم الى النور وتبعدهم عن ما آمنوا به خوفا من ان يُصدموا بواقع مغاير يبعدهم عن خرافاتهم التي جعلتهم يخافون بعضهم البعض وعززت التفكك والحقد والكراهية بينهم وبات احدهم يخاف من الآخر ومن عيونه يبتعد خوفا من الحسد , وهم سعداء بدهاليز الماضي وينهزمون من أي فكرة من شانها ان تبعدهم عن ما آمنوا به ..
المسألة هنا ليست مسألة حجاب ولا هو انشغال وحديث بمشاكل النساء ولا هي مجرد امرأة مغيبة وعلينا الاهتمام بما يدور بتفكيرها فهي لا تعني شيء لكونها لا شيء , وسيقول البعض بأن موضوع الحجاب صار تافها أمام كارثة الموت التي صارت تحصد ارواحنا بالجملة ,فماذا يعني موضوع الحجاب امام ما نعيشه اليوم من كوارث ,وماذا يعني امام الملايين الذين قُتلوا ولا زالوا يُقتلون ,وأمام الملايين الذين يعيشون تحت خط الفقر والأمراض وقلة الخدمات والسرقات والنفاق والكذب والأنانية والعديد من ألمشاكل التي لم تعد تُصنف الى مجرد مشاكل بل هي إبادة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى, فأمام كل هذا صار موضوع الحجاب مادة لحديث المترفين وأمره يهون وكل المواضيع تهون بل وتسجد خاشعة امام رهبة الموت التي صارت حديث الساعة .
أقول لهؤلاء بأن هذا القتل والدمار لم يكن مجرد صدفة أو حظ عاثر أو قدر وما شابه من هذه التسميات الغبية , الموت الذي بات يكبر امام اعيننا كل يوم لم يأتي من الخارج بل نحن سقيناه من تخلفنا وغبائنا إلى أن كبر فينا وترعرع واخذ يحصد ارواحنا ببطيء , وأحدى اكبر الاسباب لهذا الخراب هو الحجاب على اختلاف أنواعه, حجاب المرأة وحجاب الحقيقة وحجاب العقل كلها تصبو لنفس الغاية والنتيجة واحدة وما حجاب المرأة إلا مسخ للنصف الفاعل بالمجتمع ليُعطل قدراته بعد ان تم تمييزه عن النصف الثاني ’’الرجال ’’ واعتباره سببا رئيسيا لنزواته ولأخطائه ولتبرير ضعف الرجل ولإضعاف المرأة ليكسب الرجل قوته من خلال سلبها للمرأة إرادتها وحريتها.
نعم كل هذا يأتي من الحجاب ,والتخلف الذي نلمسه اليوم للحجاب دورا كبيرا به فهو ليست مسالة شعر يثير الفتنة وعلينا تغطيته وينتهي الأمر, بل هو طريقة وأسلوب للهيمنة على نصف المجتمع ولا علاقة له بكل ما جاء من اسباب تتعلق بالشرف فالشرف لا يُصان بمجرد خرقة بالية بل يُصان بالعقل .
للحجاب اسباب سياسية وليست دينية كما يظن البعض فهو جاء لإذلال المرأة ولتقييدها ولتمييزها عن الرجل ولإدخال فكرة بأنها ناقصة وعورة وليس للحفاظ عليها كما يتشدقون , وأن كان للحفاظ عليها منهم فالعيب يكمن بهم (عذرهم اكبر من ذنبهم ).
وأخيرا أقول بأن الغبي هو الذي يزرع ادغالا ويتوقع ان يحصد أزهارا ,وهؤلاء زرعوا واستمروا يزرعون بالأدغال ويتوقعوا لحصادهم ان يكون ازهارا , والأغبى من هؤلاء هم الذين يكرروا نفس افعالهم ويتوقعوا نتائج مختلفة كما قال اينشتاين ,أي لا فائدة يجنوها من تجاربهم , فكيف بالذين استمروا على تكرار افعالهم بنفس الوتيرة لقرون عديدة , وبتكرارهم لأخطائهم تحولت تلك الأخطاء إلى عادات تأصلت في عقولهم وصار يصعب عليهم مبارحتها ,ومن ثم توصلوا لفكرة أن مشاكلهم هي نابعة من الخارج ومحصورة بالعالم الخارجي وليست بهم .
غبائهم هذا هو ليس طبيعة بهم بل له جذور استغلّها اصحاب المصالح البترولية فصاروا لعبة يلعب بها هؤلاء فأنتجوا بلعبتهم مخلوقات تعيش في الهاوية ولا يرون تلك الهاوية بل يروا أنفسهم كبارا ومن حولهم العالم صغير, فغابوا بظلامهم وبسكرة خرافاتهم مع اعترافهم بأنهم شعوب متخلفة , البعض يعزوا تخلفهم للاستعمار والبعض يعزوها لجينات وراثية وطبيعة , والبعض يُرجع اسباب تخلفنا الى الابتعاد عن الدين , وآخر يعزوها للدين , وجميع تلك التبريرات مجرّد هروب من الواقع وإذا بالواقع يزداد عتمة .

ودمتم بوعيك سالمين